القاهرة تستغل أزمة روسيا وأوكرانيا لاستقطاب الطلاب العرب

الحكومة المصرية تسعى إلى جذب المزيد من السياحة التعليمية وإيجاد مصادر بديلة عن العملات الأجنبية التي جرى سحبها من البلاد مع بدء الحرب الأوكرانية.
الاثنين 2022/06/13
خطة مصرية لتطوير الجامعات

القاهرة- بدأت الحكومة المصرية تستثمر في هجرة الطلاب العرب من الجامعات الروسية والأوكرانية، ودفعت بالمزيد من عوامل الجذب التي تشجع على الالتحاق بالجامعات الحكومية والخاصة، فضلا عن الاستفادة من وجود ما يقرب من ستة ملايين مواطن عربي بين لاجئ ومقيم للدخول في منافسة مع دول عديدة تستقطب ما يُسمى بالسياحة التعليمية.

وأقرت الحكومة جملة من المحفزات لاستقبال الطلاب الوافدين، وخفضت المصروفات الدراسية في خمس جامعات واقعة خارج نطاق القاهرة، في محاولة للوصول إلى معدلات إنفاق الطلاب في الجامعات الروسية والأوكرانية زهيدة الثمن، ورفعت أخيرا نسبة قبولهم إلى 25 في المئة من إجمالي عدد الطلاب الملتحقين بالجامعات بعد أن كانت النسبة لا تتجاوز 5 في المئة.

خالد عبدالغفار: عدد الطلاب الذين يبحثون عن جامعات أجنبية للدراسة يصل إلى نحو 7 ملايين طالب في العالم

وتتراوح قيمة الأقساط الدراسية السنوية في الجامعات الروسية والأوكرانية بين ألفيْ دولار وأربعة آلاف دولار، فيما تبلغ قيمة المصروفات السنوية للطلاب الوافدين في الجامعات الحكومية إلى سبعة آلاف دولار لكليات الطب وأربعة آلاف دولار للكليات النظرية، ومع إقرار تخفيضات وصلت إلى 30 في المئة باتت المعدلات تتقارب بدرجة كبيرة.

وحسب إحصاءات أعلنها أمين عام اتحاد الجامعات العربية عمرو عزت سلامة قدر عدد الطلاب العرب الدارسين في الجامعات الأوكرانية بنحو 19 ألف طالب ثلثهم يدرسون في كليات الطب.

وأشارت تقديرات روسية إلى أن الطلاب العرب ثالث أكبر الجاليات الموفدة للدراسة في موسكو ومدن أخرى، وبلغ عددهم 12 ألف طالب قدموا من 19 بلدا عربيا.

ويتوقع مراقبون أن يعزف الطلاب العرب عن التسجيل في الجامعات الروسية والأوكرانية مع انطلاق العام الدراسي المقبل لأسباب أمنية، وقد أدركت الحكومة المصرية أنه ستكون هناك فجوة يمكن أن تسدها بنفس الآليات الاقتصادية وغيرها من عوامل المرونة التي تزيد من إمكانية قدوم الطلاب العرب إليها مع استقبالها المزيد من الفارين من الحروب والأزمات الأمنية والاقتصادية.

وتسعى الحكومة المصرية لتحقيق أكثر من هدف بخطوتها الأخيرة، إذ أنها تبحث عن موارد لتطوير جامعاتها التي هي بحاجة إلى إمكانيات مادية يصعب تحقيقها من خلال الطلاب المصريين الذين يدرسون بالمجان.

كما تستهدف التسويق للجامعات الأهلية التي توسعت فيها وبدا أنها لن تستطيع أن تصبح منافسًا للجامعات الخاصة، وشهدت عزوفاً عن الانضمام إليها من الطلاب المصريين.

وهناك هدف اقتصادي مباشر يتمثل في توفير العملة الصعبة مع تراجع قيمة الجنيه وتراجع معدلات السياحة جراء الأوضاع التي فرضها انتشار وباء كورونا، وإيجاد مصادر جديدة وبديلة عن العملات الأجنبية التي جرى سحبها من البلاد مع بدء الحرب الروسية – الأوكرانية، ومنافسة بلدان مثل تركيا توسعت في استقبال الطلاب الوافدين.

عاصم حجازي: إقبال الوافدين العرب على الجامعات المصرية يشير إلى الثقة في التعليم المصري

وأكد وزير التعليم العالي والبحث العلمي خالد عبدالغفار أن عدد الطلاب الذين يبحثون عن جامعات أجنبية للدراسة يصل إلى نحو 7 ملايين طالب في العالم ينفقون المليارات من الدولارات سنويا بشكل مباشر في مجال التعليم، وفي حال استقبلت مصر النسب التي تستهدفها من الطلاب سيتم توفير ما يقرب من 430 مليون دولار سنويا.

وأطلقت الحكومة المصرية قبل ثلاثة أعوام مبادرة “اتعلم في مصر” التي سعت إلى التسويق لـ27 جامعة حكومية و20 جامعة خاصة و7 جامعات دولية و7 جامعات أهلية و6 جامعات تكنولوجية و173 معهدا عاليا و46 معهدا تكنولوجيا، بالإضافة إلى 170 أكاديمية ومعهدا خاصا، وهو ما قاد إلى زيادة عدد الوافدين بنسبة خمسة أضعاف ليتجاوز 100 ألف طالب تم تسجيلهم في الجامعات الحكومية والخاصة، مقارنة بنحو 22 ألفا عام 2014.

واعتبر أستاذ علم النفس التربوي بجامعة عين شمس في القاهرة عاصم حجازي أن إقبال الوافدين العرب على الجامعات المصرية يشير إلى الثقة في التعليم المصري، وأن التطور الحاصل على مستوى البرامج التعليمية المقدمة يجعل هناك إمكانية لجذب المزيد من السياحة التعليمية، إلى جانب الحوافز المادية وسهولة الإقامة في البلاد، والعامل الجغرافي الذي يعزّز إمكانية جذب شرائح عديدة من الطلاب.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “مشكلة الكثافة التي تعاني منها الجامعات الحكومية المصرية لا تؤثر على استقبال الوافدين، لأن التعليم الجامعي تتوفر لديه بدائل عديدة للتعلم المباشر، وهناك توسع في استخدام المنصات الإلكترونية والتعلم الذاتي وأضحى أستاذ الجامعة مرشدا فقط في الكثير من الكليات، كما أن كليات الطب لديها أعداد تحددها كل عام لا يمكن تجاوزها حتى مع زيادة أعداد الوافدين لأنها ترتبط بقدراتها التدريبية داخل المستشفيات”.

وشدد على أن نجاح الخطة المصرية يتطلب تطوير مسارات التعليم المصري، وأن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة في السنوات الماضية على مستوى تطوير التعليم قبل الجامعي كانت لها انعكاسات إيجابية على جذب الطلاب العرب باعتبار أن ذلك يحظى باهتمام دولي تتشارك فيه جهات مانحة عديدة، مع أهمية تسهيل إجراءات التحاق الطلاب ومعايير القبول التي توفرها الدول الباحثة عن تنشيط السياحة التعليمية.

كريم مصباح: مصر تعاني هجرة الطلاب إلى الجامعات العربية والأجنبية

وتشير وزارة التعليم العالي المصرية إلى أن هناك نحو 75 جنسية مختلفة تدرس في الجامعات المصرية، وتتصدر الكويت والأردن وفلسطين وسوريا والسودان قائمة الدول التي ترسل طلابها للدراسة في مصر.

وتستقطب كليات القطاع الطبي النصيب الأكبر، حيث تستوعب حوالي 60 في المئة من الطلاب الوافدين، ويرجع ذلك إلى نسب القبول المنخفضة التي تصل إلى 75 في المئة.

وواجهت الحكومة انتقادات حادة خلال الأيام الماضية بسبب هيمنة الطلاب العرب على مقاعد كلية الطب في جامعة القاهرة، إذ بلغ عدد الطلاب العرب نحو 1300 طالب وهو نفس عدد الطلاب المصريين تقريبًا، واعتبروا أن إتاحة أماكن للوافدين في بعض كليات الطب الحكومية بنسب قبول أقل من المصريين تخلق فجوة في مستويات الطلاب وتؤثر بشكل مباشر على جودة العملية التعليمية.

وقاد عدد من أستاذة كلية طب القصر العيني بالقاهرة، وهي أشهر وأقدم الكليات المصرية، حملة لوقف استقبال الطلاب الوافدين بنفس الشروط المحددة مسبقًا.

وشكا البعض من صعوبات في تدريس الطب باللغة الإنجليزية لطلاب حاصلين على ثانوية بلادهم بنسبة 75 في المئة، ولامست الحملة أزمة ندرة الأطباء المصريين مع هجرتهم المستمرة إلى خارج البلاد.

وأكد عضو مجلس نقابة الأطباء كريم مصباح أن مصر تعاني هجرة الطلاب إلى الجامعات العربية والأجنبية، وبدلاً من أن تحاول الحكومة توفير مقاعد لهم في الجامعات المصرية تساعدهم على ذلك باستقبال الوافدين، ما تترتب عليه نتائج كارثية على المدى الطويل، لأن هناك طلابا يهربون إلى الخارج بسبب ارتفاع نسب القبول في الجامعات المصرية ويتلقون تعليماً رديئًا في جامعات تهتم فقط بمنح الشهادات.

وأوضح أن خفض معدلات قبول الوافدين يقود مباشرة إلى انخفاض جودة التعليم الطبي الذي يحظى بسمعة طيبة في الخارج، وبالتالي فإننا نستقبل طلابا مصريين لم يحصلوا على تعليم جيد في جامعات أجنبية، وتستمر هجرة الأطباء المصريين المطلوبين في دول عدة، ولذلك فقيمة الاستثمار في الطلاب الوافدين ليست مجدية.

1