عدنان شرارة يخلق كائنات ساخرة تجادل الواقع في ثنائية الهوية

يؤمن الفنان التشكيلي اللبناني الأميركي عدنان شرارة بالعمل الجمالي والخلق الابتكاري الفكري والذهني وفلسفة الجدل الداخلية التي تؤسسها شخوصه في الألوان والأشكال والملامح وهو المسار الأساسي الذي يخوض فيه تجريبه العنيد ومحاوراته المستفزة مع تلك الشخوص الكارتونية المرحة التي تستنطق هويتين وتعيد بها تشكيل الذات.
اتخذ عدنان شرارة لنفسه مسارا فنيا تشكيليا معاصرا استحدث قيمه ومداراته من ابتكاراته المتنوعة التي تجمع تساؤلاته وحيرته وشكوكه الطاغية على العناصر والشخوص والقيم الفنية والمواقف من الفن التي تتحرك وفق تلك التراكمات لتبحث لها عن منافذ وآفاق.
فلسفة مفاهيمية
عاش شرارة تنوع الثقافات منذ طفولته بين آسيا وأفريقيا وأميركا، ولد بلبنان وتنقل بينه وبين سيراليون ليستقر في الولايات المتحدة في سن الثامنة عشرة لدراسة الهندسة وهناك تكون له عناد طفولي وخيال مزجه مع المرح الذي حول وجهته نحو نحت ما يرسمه على الورق فكان تواصلا مع محيطه بالفنون فقرر أن يكون فنانا تشكيليا ونحاتا يثبت خطواته الفكرية واستفهاماته ليؤسس لنفسه صياغات فنية جديدة جمعت الصناعة والحرفة والابتكار والتفاعل مع الخامات وتنوعاتها ومع الأسئلة وأبعادها البصرية.
يرى شرارة التنوع في ذاته ويعكسه على العالم بالتصور الفني المعاصر ومحاكاة الإنسانية بالسؤال والعبث الابتكاري بالقيم الجمالية حسب معايشة الواقع وما يحمله في عمق أحاسيسه.
محترفه الفني عبارة عن فوضى جمالية داخلية محملة بالألوان الساطعة بالعناصر التي تتردد بين الاستفهامات المرحلية التي تطرأ على ذهنه مع كل ما يجتاحه من أحداث تتحايل على الواقع لتنطلق نحو الحلم ملتزمة بالإنسان والتعبير عن الشرق بلكنة غربية وعن الغرب بلكنة شرقية يخترقها بفنه ليكون فنانا إنسانا يخاطب العالم بلا أية لكنة فقط بلغة الفن.
يقدم فلسفة مفاهيمية بعناصر فنية يطرح بها طرق التواصل مع المادة الخام والتعامل الحسي مع كل قطعة ورمزياتها التي تعني فكرة وسؤالا في كل ملامحها التي تحيل على المعرفة والتواصل باختلاف الرموز التي يقدمها، فرمزية الصورة تؤسس لفكرة السؤال والمشهد يفجر الاستفهام في صورة القلم والمطرقة والمسامير والرؤوس والشخصيات الكارتونية التي ينحتها ويصورها لتحمل رموزه تلك التي تعني العلم والمعرفة والتواصل والآخر، ليدمج العلامة الرمزية غير المألوفة مع فكرته المألوفة.
إن لوحات شرارة تتجمع على الأسئلة المطروحة في كل تراكمات الواقع والوجود والحضور المفاهيمي بالعمل اليدوي يتعايش مع خاماته وبدلالاته ومقاصده الذهنية يسكن فكرته، التي يرى فيها عمقا يتفاعل مع ذاته والآخر الذي يختلف بأسئلته عنه وهنا يحاور الإنسانية بهوية مبنية على التيارات المختلفة يحرك قاع التاريخ.
البناء والتدمير
يستعرض شرارة أفكاره الساخرة بكوميديا مرحة تصعد الحس العاطفي بهندسة تحاكي الواقع بالتمازج بين الكلاسيكي والواقعي والمعاصر، حيث يقتبس اللوحات الكلاسيكية بعناصرها المعروفة ويحول فكرتها إلى فكرة تعنيه، تعني قلقه واضطرابه وتساؤلاته النفسية الذاتية وتساؤلات الوجود مثل لوحة الصرخة لإدفارد مونش التي تحاكي معاناة جسدها عن رمزية الوقت والترقب والانتظار المستحيل.
تحول المفهوم الفني في عمله الفني ذاك من انتحار الشخص وصرخته إلى صرخة الوقت نفسه، وفيها يخوض ابتكار وموقف وتجربة الحداثيين ويوظف وفقها أفكاره وهو ما جسده أيضا مع أعمال فان جوخ إذ يستخرجها من عمق الإجهاد العقلي لتفاعلاتها المعمقة بالفكرة الفنية واستخراجاتها ويضفي عليها حسا جديدا معاصرا حداثي التساؤلات.
لا يستثني شرارة عنصرا من عناصر التعبير الرمزي والدلالة المتوفرة في خاماته من التعمق في معانيها ومقاصدها من الساعات والعملة والقصاصات والطوابع البريدية والورق والكتب والمفاتيح التي يرسكلها ويدورها حسب مفاهيمه بين الكولاج والتجميع والنحت والصياغة، يروضها بحس الفكاهة ويخرجها من ضيق الواقع الخانق والأسئلة المتراكمة حتى يحفز المتلقي للسؤال ويستثني الحلول من مباشرة الوصف السطحي وهو يكثف رموزه الساخرة.
يعتمد شرارة على الفكاهة كعنصر من العناصر التي يستخدمها في فنه، فالكوميديا والرسم الكاريكاتوري والطباعة والنحت تحول منجزه إلى مدار مسرحي يتقمص فيه كل عنصر دورا وكل فكرة تكون مشهدا يمكنه من أن يقدم زخارفه الوجودية بالبساطة المألوفة والقريبة من الذهن والتلقي ما يجعلها سهلة الفهم وموثوقة للناس باختلاف مستوياتهم.
رغم سوداوية التجريد لواقعية تلك الفكرة إلا أن تبسيطها وتكثيف الكوميديا يمنح المتلقي سكينة فضولية البحث كما يحولها أكثر نحو التوافق الطفولي في الفهم والقراءة التي يمنحها شرارة ذهنية لرموزه التي ذهبت بعيدا بالمعنى المطلوب كالمطرقة التي تطرق على الذهن للمعرفة يعتمدها بعيدا عن معناها الأصلي في البناء أو التدمير أو الثقب ليصبح دورها عاطفيا أكثر يتحول نحو الإصلاح والأخلاق والتذكر والطرق وتحطيم المسامير وتثبيت استقرارها وحركتها ومدى اتساع الثقوب التي تحدثها لتستوعب المعارف.