صباح الخير أبو النحس

سحب أبو النحس، الورقة المتهاوية للسقوط من الروزنامة الجدارية وقرأ على قفاها حكمة بالية بلهاء من ذاك الصنف الذي تجتره السوقة على طريقة “يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر”. رمى أبو النحس الورقة من الشباك وراح يراقبها حتى تلاشت في ساقية المياه الآسنة التي يسميها العامة “نهرا” تحت بيته الحقير الآيل للسقوط.
تذكّر بازدراء مقولة سعيد المتشائل “إن سقطت من الشباك فافرح في سرك أنّ لديك شباكا” ثم عاد إلى ممارسة نوبة السعال الصباحي على أنغام “طلعت يا ما احلى نورها” تتخللها نشرة أبراج اليوم التي توقعت له يوما حافلا بالمسرات والمفاجآت”.
ظل أبو النحس على هذه الحالة زهاء نصف قرن، فلقد توقعت له العرافة بأن حياته سوف تنقلب نحو الأفضل، وعليه فقط، تحمل الخمسين سنة الأولى من عمره ثم ستسير الأمور على أحسن ما يرام.
اليوم، لا يريد أبو النحس أن يتغير شيء من حياته قيد أنملة، فلقد اعتاد حياة العوز والفاقة لا بل إنه بات يتحسس من أي تطور إيجابي ويتشاءم منه.
بالأمس دعاه أقارب ميسورون إلى مأدبة عامرة فأصيب بطفح جلدي وإسهال، جراء أطباق ومشروبات لم يألفها، وكذلك تحسس جسمه يوما من قميص قطني كان قد أهداه إياه سائح أجنبي مقابل أن يلتقط صورا معه عند ساقية المياه الآسنة المسماة ب”النهر”.
ما إن انتهت نشرة أبراج اليوم حتى طرق مالك البيت الباب طالبا منه الزيادة في الأجرة ثم تتالت عليه فواتير الماء والكهرباء، وزاد عليها إشعار من البلدية يطالبه بدفع ما توجب عليه مقابل التحسينات التي أقيمت على ضفة “النهر” تحت بيته.
حين سأل صديقه العارف بالموارد البشرية وأسرار القوى الكامنة عن طريقة تجعله يستنهض الأمل في نفسه، نصحه بأن يستذكر جميع لحظات الفرح فيما مضى من حياته ويحاول تذكرها في كل مرة.
فعل أبو النحس بالنصيحة، أخذ ورقة وقلما وراح يعتصر ذاكرته فوجد بعد جهد جهيد، أن كل لحظات الفرح التي عاشها لا تتعدى شعوره بالسعادة حين يعثر على شيء كان قد أضاعه.
الأشياء الثمينة التي كان قد أضاعها أبو النحس كانت لا تتعدى مفتاح باب بيته أو ورقة فاتورة عليه دفعها أو في أقصى الحالات بخاخة داء الربو التي لا يحتوي جيب سترته على غيرها.
أما عن لحظات السعادة التي ضاعت إلى الأبد فهي ساعة فوزه بالجائزة الكبرى في اليانصيب، وقفزه من الفرح أمام الموقد حيث ورقته الرابحة التي التهمتها النيران.
ليس لأبي النحس لحظات يأس، لكنه فكر في إنهاء حياته يوما، فنصحه أحدهم بإلقاء نفسه في النهر تحت شباك بيته.