فتحي الهداوي "ونّاس" الذي يزلزل البيوت ويشعل الجدالات

“لكي تتجنب النقد لا تعمل شيئا، ولا تقل شيئا، ولا تكن شيئا”.. لكن فتحي الهداوي أبى إلا أن يخالف الفيلسوف الأميركي ألبرت هوبارد هذا الرأي واختار أن يجدف ضد التيار ويتقمص شخصيات تستمد شرعيتها من عمق واقع يباركها في الخفاء وينبذها في العلن.
وهذا ما قال عنه الهداوي في لقاء تلفزي إنه “حفر في المجتمع، وتحريك لبعض السواكن”، موضحا أنه ليست لديه “علاقة محبة أو كره للشخصيات بل علاقة تعرية”.
“كازانوفا” أو “رئيف” شق طريقه طيلة عقد ونيف بثبات وسط كم هائل من نقد أجّجه بظهور جديد صادم، “ونّاس” أو الحاج متولي المصري. وعلى الرغم من أن شخصية “رئيف” التي تعد من بين أدواره المهمة وجسدها في العام 2008 من خلال العمل الرمضاني “صيد الريم” لا يزال صداها يتردد في الشارع التونسي إلى الآن، فإن الهداوي أثار جدلا واسعا خلال الموسم الرمضاني المنقضي بتناوله الجريء لشخصية يتم التعتيم عليها في أكثر المجتمعات العربية شهرة بمناصرة المرأة بفضل مجلة “الأحوال الشخصية” التي أقرت إلغاء تعدد الزوجات من جملة سلسة من القوانين التقدمية التي أقرتها.
شكرا سي وناس
وبين مستنكر ومستاء قدم العمل الدرامي قضايا مستجدة وجد مؤيدوها في صعود الإخوان في تونس إبان ثورة 14 يناير 2011 فرصة لمخالفة القانون باسم الدين، وأصبحت التونسية التي تفخر بين نظيراتها العربيات بالمكانة التي تبوأتها منذ الخمسينات، تسمع عبارات “وناس” المأثورة “الليلة ليلتك” والتي وإن رأى فيها البعض انتقاصا من قيمة المرأة ونضالها وعودا بها إلى الوراء، فإن آخرين أقروا بأن العمل كشف عن حقيقة صادمة لكنها موجودة بالفعل.
يقول الهداوي إن “موضوع مسلسل ‘براءة’ مهم للغاية”، ويضيف “كنت أعلم أنه سيحدث ضجة، وهذه ديناميكية مهمة في المجتمع أن تتحدث عن بعض الأمور وأن تحرك السواكن قليلا”.
ووفقا لـ”وحش الشاشة” التونسية، فإن الجمهور تهمه الدراما، والدراما تقوم على الصراع بين أضداد فيها الخير والشر، وأنه لم يشعر بالخوف من تجسيد الدور لأن المواضيع الدرامية جريئة بالضرورة، فهي تتحدث عن وضعيات حرجة وانفعالية. إذ أنه بكل رصانة وبسبحة لا تفارق يديه وآيات قرآنية يوظفها من وقت لآخر وفق تفسير يكرس، بحسب القراءات التي ارتآها بعض من مشاهدي العمل، لدونية المرأة، تزوج من مساعدته المنزلية عرفيا، وهو ما وضع الهداوي في مأزق جديد، حيث وجهت نحوه أصابع الاتهام على أنه يشجع على تعدد العلاقات وفوقها الزواج العرفي. إلا أنه يؤكد أن “وناس” نوع من الشخصيات التي تُكره، غير أن الجمهور سريعا ما سيستوعب أنه أمام شخصية مليئة بالمشاكل وضحية لقناعاتها.
ومن جملة ما قيل للهداوي “كرهتك برشا (كثيرا) في هذا الدور” وهو تعليق دونته إحدى متابعاته على صفحته بفيسبوك إثر نشره للقطات من كواليس مسلسل “براءة”، وهذا التفاعل وإن كان يحمل ردود فعل سلبية توجه الدور الذي لعبه الممثل في هذا العمل، إلا أنه يعكس مدى نجاح النجم التونسي في تجسيد شخصية اقتنع بأدائها، فأقنع مشاهديه بها، قناعة ترجمتها حملة تندر و”تنبير” حيث أمسى “سي وناس” قدوة تحرض النسوة على تدليل أزواجهن، ومن جملة ما كتب على مواقع التواصل الاجتماعي “منذ انطلاق بث مسلسل براءة النساء بدلن تصرفاتهن مع أزواجهن. أين أضعك يا طبق الورد.. شكرا سي وناس”.
ومهما كانت درجة مصداقية القضايا التي يطرحها المسلسل من عدمها فقد وصلت أصداء النقاشات المثارة حوله إلى الرئيس التونسي قيس سعيد الذي أعرب وفق ما نقلت عنه رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية راضية الجربي عن رفضه لمسألة الزواج العرفي وتأكيده على عدم المس بحقوق المرأة، إلا أن هذا يكشف المزيد عن شخصية الهداوي الذي كان بوسعه بعد قراءة السيناريو رفض المشاركة في العمل، غير أنه أصرّ على لعبها وصرح قائلاً إن “الشخصية لكي تكون ناجحة من الضروري أن تكون قوية ونافذة”.
الإقناع إلى درجة الاستفزاز
يؤكد منظرو الفن أن الممثل هو العنصر الأهم في صنع المشهد الفني وتأتي بقية العناصر مكملة وداعمة له، وهنا يظهر الهداوي أو “وناس” مقنعا إلى درجة استفزت مشاهديه، لكن رغم كم الانتقادات التي ضجت بها أغلب الصفحات على المواقع الاجتماعية باعتبارها المنبر الأكثر متابعة، فإن المشاهدين واصلوا ضبط أجهزة تلفزيوناتهم على محطة بث المسلسل حتى نهايته، والأغرب انتظارهم لجزء ثان منه.
ترك الفنان لسنين خبرته ولحنكته في الأداء أن يختارا بدلا عنه، متجاوزا القائلين إن هكذا شخصية تحمل جرأة زائدة عن الحد، ليخطو خطوة كبيرة وثابتة نحو كشف ظواهر مجتمعية تمارس في الخفاء، وهو دور لطالما قام به المثقفون للتوعية والإصلاح.
الهداوي أدى أدوارا متنوعة ومركبة، ما دفع بالنقاد إلى القول إنه متقمص بارع، ومع ذلك فإن البعض صار يحصر حضوره في المشهد الدرامي التلفزيوني التونسي بأنه صائد ريم تفرد في لعب دور المزواج، حتى أن البعض تداول عبارات من قبيل “من برّا سي وناس أما من داخل رئيف”، بسبب ما وصفه الهداوي نفسه “نقاط تشابه وتقاطعات بين الشخصيتين باعتبار أنهما يتشاركان حب النساء”.
وعلى غرار أحدث أعماله “براءة”، اختار “الريس نورالدين” في مسلسل “من أجل عيون كاترين” الزواج من صديقة إحدى بناته طمعا في الحصول على طفل ذكر بعد أن مني بست بنات من زوجته الأولى كانت سابعتهن من زوجته الشابة، ليجسد بذلك أحد أسباب التفكك الأسري، كذلك شارك في “أولاد الغول” العمل الذي يحسب من جملة محاولات الدراما التونسية اقتحام مواضيع جديدة لم تعهدها المسلسلات التونسية سابقا، حيث أفرزت مغامرات الأب الغرامية طفلاً غير شرعي لتتشابك الأحداث وتكشف عن علاقات معقدة بين الأبناء الشرعيين والأخ غير الشرعي.
كما لم يتوان الهداوي في “الحصاد” عن تقمص دور الزوج الانتهازي الخائن، وبعيدا عن دور “كازانوفا” فقد كان ظهوره في المواسم الرمضانية لافتا، حيث بدا في مظهر العاشق المجنون في مسلسل “غادة”، وزعيم عصابة في “ناعورة الهواء”، والطبيب المناضل ضد الاستعمار الفرنسي في “قمرة سيدي محروس” والذي لم يغب حبه للنساء حيث تزوج من أجنبية جعلته يكتوي بنار الحرمان من الابن وضياع أوراقه الثبوتية بعد انفصاله عنها ليتزوج من ابنة مشغله وينتهي عاشقا لزوجة صديقه الشهيد.
لكن ما حدث في العام 2020 بعد يوم من تعيينه وزيرا للشؤون الثقافية في الحكومة التونسية التي أعلنها رئيس الوزراء المكلف آنذاك الحبيب الجملي، يقول البعض إنه يكشف عن ارتباط وثيق بين الهداوي والشخصيات التي جسدها بإتقان فطاردته على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ استحضر التونسيون الأدوار التي أداها في الأعمال الدرامية المحلية، مذكرين إياه أنه المتحرش وتاجر المخدرات والملاكم العنيف والصعلوك.
ثورة إبداعية
ويقال عن الهداوي الذي وُلد عام 1961 في حي شعبي بتونس العاصمة، إنه يقود “ثورة إبداعية”. غير أن خريج المعهد العالي للفنّ المسرحي يؤكد أنها محاولة متواضعة منه للإسهام في إثراء المشهد الإبداعي.
شخصية متكاملة جمعت بين التمثيل والكتابة والإنتاج والإخراج، ولعبت أدوارا رئيسية في عدة مسرحيات من بينها “عرب” للمخرج المسرحي الفاضل الجعايبي، و”العوادة” للمخرجين الفاضل الجزيري والفاضل الجعايبي. ومن ينسى دوره البارز والمتميز في مسلسل "عمر" حين جسد شخصية أبي سفيان بن حرب، فهو وجه تلفزيوني جاب أقطاب الأرض طولا وعرضا بفضل مشاركته في عدد من المسلسلات فكان حاضرا في تونس وسوريا والأردن والمغرب وتركيا والإمارات العربية المتحدة ولبنان وإيطاليا وفرنسا، ومَثل أيضا في عدة أفلام أوروبية تحت إشراف مخرجين مثل فرانكو روسي وسيرج مواتي وجان فرانكو بانون وبيتر كاسوفيتز وآخرين.
كانت انطلاقة الهداوي في التمثيل من مسرح المعهد الثانوي ابن شرف من خلال أدائه لبعض القطع الكلاسيكية وذلك تحت إشراف أستاذه حمادي المزي، قبل أن ينضم إلى مسرح الهواة ويلتحق بالمعهد العالي للفن المسرحي بتونس.
الانتقادات التي تضج بها المواقع الاجتماعية باعتبارها المنبر الأكثر متابعة، لا تعني أن المشاهدين لم يواصلوا ضبط أجهزة تلفزيوناتهم على محطة بث المسلسل حتى نهايته، والأغرب انتظارهم لجزء ثان منه
ومبكرا نال جائزة أحسن أداء عن دوره في “انتصار الشمس” في المهرجان الوطني للمسرح المدرسي، ثانوية ابن شرف، لتتالى عليه بعد ذلك الجوائز في مهرجانات ذات وزن، من بينها جائزة أفضل ممثل مساعد عن دوره في فيلم “كول التراب” في مهرجان قرطاج السينمائي، وجائزة أفضل ترجمة شفوية في مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي.
وتعزز حضور الهداوي في الدراما الرمضانية من خلال حصوله على عدة جوائز محلية، فكانت من نصيبه في عدة مناسبات جائزة أفضل ممثل وجائزة نجم رمضان في حفل جوائز رمضان وهو من تنظيم إحدى الإذاعات التونسية الخاصة. ونال جائزة أفضل ممثل تونسي شعبي من مجلة “سيدتي” عن دوره في مسلسل “المايسترو”.
وإلى جانب مسيرته الفنية الحافلة، شغل الهداوي أيضا مناصب إدارية في القطاع الثقافي حيث كان مديرا للمركز الثقافي الدولي بالحمامات، ومديرا لمهرجان الحمامات الدولي، ومسؤولا عن العلاقات العامة في أيام قرطاج السينمائية، ومديرا فنيا لأيام قرطاج المسرحية.
وكشف الهداوي عن علاقة تعاون ستجمعه بمغني الراب التونسي بلطي في مشروع موسيقي وصفه بـ”الكبير” ومن خلاله سيرافق الفنان في عدة جولات داخل تونس وخارجها، كما ألمح إلى أنه يخطط للتعامل مع فنانين آخرين في حال نجاح المشروع، إلى جانب رغبته في إحداث أكاديميات للفنون بدعم من رجال الأعمال.