المغربي عبداللطيف فردوس: المسرحيون يحددون سقف الحريات

المسرح كيان قائم لذاته أما التلفزيون فيصنع النجوم.
الخميس 2022/04/28
هناك رقابة أقوى وأقسى وأشد تأثيرا من رقابة الدولة

يجمع المسرحي المغربي عبداللطيف فردوس بين مجالات مختلفة من الفنون من المسرح كتابة وإخراجا إلى السينما والعروض الحية، وهو ما وفر له رؤية شاملة لإمكانات التجديد في الفن المسرحي عبر انفتاحه عل الفنون الأخرى. في هذا الحوار مع “العرب” نتعرف على أفكار الفنان ورؤاه وتجربته مع المسرح والتلفزيون والسينما.

بعد دراسات العلوم السياسية والتاريخ والجغرافيا سيجد المسرحي المغربي عبداللطيف فردوس نفسه -رغم اشتغاله أستاذا ومدربا للكرة الطائرة- مهووسا بالمسرح إلى درجة العشق الأبدي، منذ التحاقه سنة 1968 بأحد أعرق الأندية المسرحية في مراكش.

ومنذ أواخر الستينات إلى اليوم زاوج فردوس بين فنون كثيرة، كما زاوج بين الإخراج (قدم 11 عملا مسرحيا) والتأليف والإعداد والترجمة (قدم 27 نصا أغلبها نشرت وصورت كعمل مسرحي للتلفزيون المغربي)، وعمل ولا يزال يعمل على تأطير ورشات مسرحية قصيرة.

التأثير والتأثر

تيمات المسرحيات لم تعد كما كانت، فعوالم المسرح صارت أكثر انفتاحا على التجارب العالمية عوض الارتكاز على التراث

 اشتغل فردوس رفقة “ورشة الإبداع دراما” لمدة 12 سنة على مسرحة الأشكال الفرجوية في التراث المغربي، وعلى مسرحة الرواية والقصة، حيث ألف 14 مسرحية قدمت كلها على الخشبة، وتم تصوير 8 منها للتلفزيون المغربي، وحظيت 11 منها بدعم وزارة الثقافة، وفاز بـ3 جوائز في المهرجان الوطني للمسرح الاحترافي، وإن كان لا يؤمن بأن معيار الجوائز لا يحدد مكانة المسرحي.

ولم تتوقف إسهاماته الفنية عند المسرح والعروض الحية، إذ ساهم سينمائيا في كتابة سيناريو شريط سينمائي للمخرج جمال بلمجدوب وأنجز 3 أشرطة قصيرة. ويركز حاليا على وضع سيناريو سينمائي مع المخرج جمال بلمجدوب.

ويقول عبداللطيف فردوس “حينما أنظر إلى مرآة مساري المسرحي، أخال نفسي سيزيفا بين السيزيفيين في قطار اسمه المسرح، نردد جميعا مونولوغا من مسرحية ‘تحفة الكوارثي’ لفرقة ‘ورشة الإبداع دراما’، من إخراج عبدالعزيز بوزاوي وتأليفي: السيزيفيون هنا ماكثون/ لا هم أحياء ولا هم مائتون/ ما أغناهم عددا، ما أفقرهم عددا…/  القطار لن يتوقف، ونحن سنستمر”.

ويرى أن عمله المسرحي “عبور” الذي صدر مؤخرا عن مؤسسة آفاق للدراسات والنشر هو عبارة عن ديودراما تجمع بين خادم يحرس باب عالم “الهناك” وممثلة قادمة من عالم “الهنا”. هذه الممثلة مطالبة بأن تجيب عن أسئلة لجمع المئة نقطة التي تسمح لها بالانتقال إلى “الهناك”. فيبدأ الحجاج بين الطرفين ليتحول إلى مقارعة للأفكار وإلى تكريس للمسلمات والبديهات من طرف الخادم وإلى رفض وشك وتكسير للتابوهات وحلحلة للجاهز والمألوف من جانب الممثلة.

ويوضح أن الديودراما ثنائية للحياة والموت، للذكر والأنثى، ولما هو كائن ولما يجب أن يكون. و”عبور” تركيب مسرحي يحتضن اقتباسات لأدباء وفلاسفة، ويستحضر أشعارا تم انتقاؤها للدفع بالأحداث وتعميق الحجاج.

ويلفت فردوس إلى علاقة المسرح المغربي بالمشهد المسرحي العربي أولا من حيث التواصل وثانيا من حيث التأثير والتأثر وثالثا من حيث الملامح والتجليات، فيقول “تعود علاقة المسرح في المغرب بالمشهد المسرحي في باقي الدول العربية إلى فترة العشرينات والثلاثينات، فمدينة مراكش كباقي المدن المغربية الكبرى توطدت علاقتها بالمسرح من خلال الزيارات التي قامت بها بعض الفرق المصرية، كفرقة نجيب الريحاني 1933 التي عرضت مسرحيات ‘الليالي الملاح’ و’حلاق بغداد’ و’نجمة الصباح’، وفرقة فاطمة رشدي التي زارت فاس والدار البيضاء لتحل بمراكش بين 22 و25 يونيو 1932 وقدمت مسرحيات ‘كليوباترا’ و’العباسة أخت الرشيد’ و’ليلة من ألف ليلة'”.

 ويتابع “من خلال كلمة رئيس جمعية التلاميذ عبدالغني القباج التي ألقاها بالمناسبة، يتضح دور الزيارة لإثارة الانتباه إلى أهمية المسرح، إلى جانب فنون الفرجة الأخرى التي كانت سائدة في المغرب، وإلى دوره في التوعية والنضال: جئتم لنشر بنود فن التمثيل العربي الذي أبدى لنا عيانا ما كان لسلفنا الطيب من الضخامة، والمدنية، وكريم الأخلاق، وشريف الهمم، ورقة الشعور.. إلى غير ذلك من جميل الشيم مما بنى لنا ولكل عربي مجدا.. وعزا وفخارا”.

المسرحيون هم من يحددون سقف الحريات
المسرحيون هم من يحددون سقف الحريات

ويؤكد أنه منذ هذه الانطلاقة إلى يومنا هذا، ارتبط المسرح في المغرب بمصر وباقي الدول العربية عبر ما يسميه بالمثاقفة بالنظير، فأوضاع المسرح العربي كما يرى الأكاديمي حسن المنيعي “ليست وليدة الصدفة، بقدر ما كانت نتاج مثاقفة وبحث عن هوية تجعله قادرا على تحقيق حضوره - حركية الفرجة في المسرح”، وقد عملت الأوضاع التي كانت سائدة في العالم -بما فيه الدول العربية- خلال السبعينات على خلق تكتلات أيديولوجية انعكست على الحركة الثقافية والفنية، فتقوت ارتباطات المسرحيين المغاربة -خاصة المنظرين منهم والنقاد- بسوريا والعراق ومصر والجزائر وتونس. وأصبحت بيانات المسرحيين المغاربة كالاحتفالية والمسرح الثالث ومسرح النقد والشهادة أرضية للنقاش والمساءلة والنقد والانتقاد في بعض الدول العربية، كما شكلت نصوص نجيب سرور ومحمود دياب ويوسف العاني وإميل حبيبي وسعدالله ونوس محطة اشتغال فرق مغربية.

ويتابع “أظن أن حدثيْن تاريخيين هامين أثرا بشكل قوي ورفعا وتيرة التفاعل الفني، هما نكسة 1967 التي غذت فكرتي القومية العربية والقضية المشتركة، و’الربيع العربي’ حيث ضاعت البوصلة في الدول العربية بدرجات تيه متفاوتة، وخبا بريق القومية العربية، ولو بشكل مضمر، وأصبحت عوالم المسرح أكثر انفتاحا على تجارب وابتكارات عالمية عوض الارتكاز على التراث”.

ويواصل قوله “يتزعم المرحلة حاليا خريجو معاهد تكوين متخصصة تحت معاينة ومواكبة جيل من الرواد، وبقي البعض منهم متمسكا ببعد المسرح الكوني بعيدا عن الشوفينية الضيقة. ولم تعد تيمات المسرحيات كما كانت مركزة على إدانة الاستعمار وفضح الإمبريالية، بل توجهت نحو فضح فساد الأوضاع في الدول العربية والعلاقة المتوترة بين السلطة المسيطرة على الحياة الاقتصادية والسياسية وباقي فئات الشعب. إلا أني ألوم بعض العروض على سقوطها في الشعبوية ومقولة ‘الجمهور عايز كده’. وعلى العموم فالمسرح العربي يعرف طفرة جديدة تقوم على البحث والتجريب ومساءلة الأشكال التقليدية، إن لم أقل الثورة عليها. المسرح العربي أصبح من حيث الشكل أكثر توظيفا للوسائط الفنية الأخرى”.

المسرح كيان قائم

فردوس: المسرح مقرون بالديمقراطية والحرية ليس كتشريعات، بل كسلوكات وممارسات فردية ومجتمعية
فردوس: المسرح مقرون بالديمقراطية والحرية ليس كتشريعات، بل كسلوكات وممارسات فردية ومجتمعية

ويشدد فردوس على أن “المسرح مقرون بالديمقراطية والحرية ليس كتشريعات، بل كسلوكات وممارسات فردية ومجتمعية. وعندما تعي المجتمعات أهمية هذا الفن، فهذا مؤشر ودليل على نضج مفهوم الحرية لديها. المسرحيون هم من يحددون سقف الحريات، وكلما ارتفع منسوب الوعي ارتفع هذا السقف. في المغرب لا يخضع المسرح لأي شكل من أشكال مراقبة الدولة، لكن أخشى أن ينبطح بعض الممارسين لسياسة التحفيزات المادية والرغبة في المشاركة في المهرجانات أو عدم الرغبة في الجرأة لكسر التابوهات، بمبرر أن المجتمع محافظ يجب احترام خصوصياته، فيخضعون بذلك إلى رقابة أقوى وأقسى وأشد تأثيرا من رقابة الدولة”.

ويرى أن “الخطر الذي يتهدد المسرح العربي -وليس المسرح المغربي أو المصري- ليس بجديد أو عرضي؛ ففي القرون الوسطى عاش هذا الفن صراعات مريرة مع الكنيسة والإقطاعيين إلى درجة لم تكن تقبل معها شهادة الممثل في المحاكم. ولكن حينما انتبهت أوروبا إلى أهميته جعلت منه مؤسسة اجتماعية وركيزة في أساسات حياتها المدنية”.

ويضيف “قد يقول قائل إن الخطر يكمن في تطور وسائل الفرجة، إلا أنني أرى أن المسرح سيبقى فنا نبيلا يستهوي المؤمنين بدوره وبأهميته في الحياة الحديثة. المسرح نضال وفن، لذلك في نظري لا خوف عليه ما دام عشاقه يحملونه في قلوبهم وفكرهم ويخلصون له في هذا العشق. ومع ذلك لا يمكن أن يأتيه خطر يدمره إلا من بعض الذين يشتغلون بالمسرح، لا أسميهم مسرحيين لأن حمل هذه الصفة أنبل بكثير من الاشتغال بالمسرح. هؤلاء يمكنهم تدمير أنفسهم بالمحاباة والحقد والأنانية المرضية؛ المحاباة في النقد وتقييم الأعمال، المحاباة في اختيار العروض النظرية ومنظريها في المناسبات، المحاباة في المهرجانات… وقس على ذلك”.

ويؤكد أن على هذا النوع من “المشتغلين بالمسرح” أن يعيدوا النظر في أنفسهم وفي الميدان، ويستعير ما قاله ميشيل فوكو “علينا أن ننظر إلى ذاتنا كموضوع معرفة ومجال للفعل، وذلك من أجل أن نتحول ونصحح أنفسنا وأن نتطهر ونحقق خلاصنا”.

"عبور" ديودراما تجمع بين خادم يحرس باب عالم "الهناك" وممثلة قادمة من عالم "الهنا"

ولكي يحافظ المسرح على مكانته خاصة في الدول العربية يرى فردوس أنه “آن الأوان لنبحث عن قضايا بحثية جديدة ومعالجات جديدة وتساؤلات جديدة مرتبطة بالتطور الذي تعرفه المجتمعات، آن أن نعيد طرح السؤال حول طريقة تشكيل الانفعالات، هل هي كونية أم هي منشاة على أساس اجتماعي؟ ونسأل كيف يمكن الانتقال من فردية الشعور إلى انفعال الجماعة؟ ونتساءل عن التمثلات الحالية للانفعالات وللإدراك، لأنها تغيرت، فحسب ما ترى المؤرخة الأميركية جوان سكوت ‘أصبحت الحساسية في اتجاه العنف والأحكام السلبية المصاحبة لها منتشرة في المجتمعات الحالية'”.

ومن جانب آخر يشير فردوس إلى أن المهرجانات التي تقيمها دولة الإمارات جاءت نتيجة لرغبة سياسية في النهوض بالثقافة بصفة عامة، واعتبارها قاطرة للتنمية. ولبلورة هذه الرغبة على أرض الواقع وضع مسؤولون،على أعلى المستويات، استراتيجية واضحة قابلة للتقييم والتقويم. ولترسيخ هذه الاستراتيجية وتفعيل أهدافها تم إسناد المناصب إلى كفاءات بشرية خبيرة وذات تكوين أكاديمي ولها رغبة كبيرة في النجاح، لا كأشخاص، ولكن كمسؤولين عن تنفيذ الرغبة السياسية واستراتيجية النهوض بالإمارات، واحتلال الريادة على الصعيد العربي ثقافيا.

والمتتبع لهذه المهرجانات سيلاحظ أن أهم ميزاتها هي التكامل والانفتاح؛ التكامل فيما بينها بتراتبية دقيقة “من مهرجان المسرح المدرسي إلى مهرجان الشارقة مرورا بمهرجان المسرحية القصيرة”، ويتجلى الانفتاح في مهرجان المسرح الخليجي ومهرجان المسرح العربي والمهرجانات المحلية التي تنظمها الهيئة العربية للمسرح في مختلف الدول العربية.

وحول رؤيته للعلاقة بين المسرح والتلفزيون يقول “المسرح كيان قائم لذاته، بينما التلفزيون مجرد وسيط وأداة ناقلة، وكيفما كانت نوعية العلاقة بينهما يبقى المسرح مسرحا والتلفزيون تلفزيونا. ومع ذلك يمكنني أن أقول إن التلفزيون يصنع نجوما ويروج آخرين، وبهذا يمكن أن يستفيد منه المسرح في إطار توسيع قاعدة المهتمين والمتتبعين. ولكن الخطر يأتي حينما يتحول بعض الممثلين والمؤلفين ذوي التكوين الثقافي والسياسي والفكري السطحي والمهزوز إلى كائنات تلفزيونية تساهم في نشر ثقافة الابتذال وتمييع الساحة الفنية، بنشر طريقة التفكير الهدامة التي تقود إلى التطرف بجميع أشكاله. وأقصد هنا بطريقة التفكير الهدامة جعل الإنسان يتبنى مواقف جاهزة دون إعمال العقل والتشكيك”.

ويختم فردوس بكلمة من مسرحية “حمار الليل في الحلقة” لـ”ورشة الإبداع دراما”، من تأليفه وقام بتلحين كلمات الأغاني عبدالعزيز باعلي، “إن كان المسرح جريمتنا، مرحبا بالحكم، وليكن مؤبدا فوق الخشبة”.

14