عناوين لا علاقة لها بالخبر.. الإعلام المصري يلهث وراء الترند

غوغل أصبح المصدر الإخباري الأول للصحف والمواقع المصرية.
الخميس 2022/04/21
من يشتري عنوانا جذابا

فشل الكثير من الصحف والمواقع والقنوات المصرية في القيام بمهمتها الأساسية المتمثلة في تقديم الخبر للجمهور وإعلامه بعد أن سقطت أسيرة لتأويلات متناقضة ومعالجات مختلفة بشأن تغطية حدثين متتاليين أثارا جدلاً واسعًا دون أن يعرف الجمهور حقيقة ما حدث بدقة فيهما. وبدت وسائل الإعلام تسير على خطى مواقع التواصل بعدم التدقيق في محتوى ما تنشره لتفقد ذاكرتها المهنية جريا وراء “الترند”.

القاهرة- هيمن التضارب على المعلومات والتصريحات والبيانات المنشورة حول قرار الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات المصرية -وهي جهة حكومية تابعة لوزارة التجارة والصناعة- المتعلق بوقف استيراد منتجات عدد من العلامات التجارية الكبرى.

ولهثت غالبية المواقع الإلكترونية أخيرا وراء القائمة التي نشرتها الهيئة على موقعها وطالت المئات من الشركات دون أن تحصل على تفاصيل أكثر بشأن القرار وأبعاده في ظل صعوبات جمة يواجهها الصحافيون في التواصل مع المصادر الحكومية، ناهيك عن اجتزاء محتواه وتفسيره بصورة بعيدة عن الحقيقة.

وظل القرار على مدار نحو 24 ساعة مثار جدل حول مضمونه وما ينطوي عليه قبل أن تصدر وزارة التجارة والصناعة بيانا رسميا الأحد تشير فيه إلى أن الحذف من قائمة التصدير إلى السوق المحلية إجراء مؤقت بسبب انتهاء صلاحية شهادات الجودة، غير أن ذلك لم يكن كافيًا لوقف الجدل بعد أن تعددت الروايات والاستنتاجات حول أبعاد القرار وما إذا كان سيتسبب في نقص بعض السلع والعلامات التجارية الشهيرة في مصر أم لا، في حين ينتاب الكثير من المواطنين شعور بعدم الثقة في سلع المواد الغذائية وأسعارها بعد ارتفاعها.

وطغت العناوين الجذّابة والبعيدة عن المحتوى الجيد على معظم التغطيات الخاصة بالخبر ذاته، ما أوحى بأن هناك أزمة تواجه السلع المستوردة من الخارج، وسوف تكون لذلك انعكاسات على الأسواق التي يمكن أن تخلو من بعض المنتجات.

حسن عماد مكاوي: حالة الارتباك ترجع إلى تراجع الالتزام بالمهنية

وجاءت التوضيحات من الجهات الرسمية والشركات التي تضمنتها قائمة حظر التصدير إلى مصر متأخرة، وأشارت في مجملها إلى أن المنتجات تصنع محليًا ولا يتم استيرادها ولن تحدث أزمة بشأن توافرها، والخطوة التي اتخذتها وزارة التجارة والصناعة روتينية ولن تكون لها تأثيرات حقيقية بعد معالجة ثغراتها.

وكاد عدم الدقة في نقل الأخبار يتسبب في أزمة أخرى على مستوى العلاقات المصرية – السعودية، لأن عددا من المواقع الإلكترونية ركز على المنتجات الغذائية ومنتجات الألبان ذات العلامة السعودية التي شملتها قائمة الحظر كأنها تستهدف فقط الرياض، واضطرت وزارة التجارة والصناعة إلى نفي صدور قرارات من الوزارة من شأنها منع تصدير منتجات سعودية إلى السوق المصرية، وأقرّت بأنها تحرص على تقديم التيسيرات اللازمة للشركات المعنية، سواء المستثمرة أو المصدرة إلى السوق المصرية.

وتكرر الأمر في الأخبار المتداولة بشأن الأحكام الصادرة بحق رئيس نادي الزمالك الرياضي مرتضى منصور في القضايا المرفوعة ضده بسب وقذف رئيس النادي الأهلي محمود الخطيب وعدد آخر من الشخصيات العامة، وتباينت فيها الأحكام الصادرة بين البراءة والغرامة لتأتي عناوين المواقع والصحف متناقضة؛ حيث يؤكد بعضها حصوله على البراءة الكاملة، بينما يؤكد البعض الآخر تغريمه بشأن الاتهامات الموجهة إليه.

وقال أستاذ الصحافة والإعلام بجامعة القاهرة حسن عماد مكاوي إن حالة الارتباك التي تعاني منها بعض المواقع والصحف ترجع إلى تراجع الالتزام بالمهنية من جانب الإعلاميين أنفسهم واللجوء إلى مصادر فرعية لصعوبة الوصول إلى المصادر الرئيسية أو بسبب الاستسهال في الأداء المهني.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الوضع القائم لا ينفصل عن حالة السيولة التي يمر بها المجتمع، فهناك استقطاب اجتماعي وديني ورياضي ينعكس على التعامل مع الأخبار وطريقة نشرها، واللجوء إلى اجتزاء الكلام من سياقاته”.

ويُوجد صحافيون يعملون لصالح أندية بعينها ويقومون بتلوين الخبر وفقًا لما يحقق أغراضهم، وقد ينقلون الأحداث من وجهة نظر واحدة، ويظهر التناقض في المعالجات.

وهناك تدهور في حال الإعلام المصري تتكشف معالمه في مستويات عديدة، بدءاً من اختيار الصحافيين أنفسهم وعدم الاهتمام بالمهارات المهنية واللغوية وطريقة إدارة الصحف والمواقع ذاتها، والتي تقوم على “كشوف الإنتاج” التي تدفع بعض الصحافيين إلى تقسيم بيان واحد إلى أربعة أو خمسة أخبار كي يتمكن المحرر من تحقيق “التارجت” أو المستهدف اليومي فتصل المعلومات إلى الجمهور ناقصة وأحيانا مشوهة.

بشير العدل: المحرر يسرح بخياله لنسج الأخبار التي تجذب المتابعين

هذا علاوة على الاعتماد على الأخبار المرسلة عبر مجموعات “واتساب” من مصادر مختلفة وتقديمها من جانب المحررين دون التدقيق في صحتها، فضلا عن أن دورة نشر الخبر على المواقع الإلكترونية تتسم بالسرعة في تجهيزه للنشر.

وتحول البعض من الصحافيين المتلقين للأخبار إلى مجرد ماكينات تتولى مهمة تمرير الأخبار لملاحقة سيل الموضوعات الأخرى، ومع اعتماد المواقع على “الكم” وليس “الكيف” تظهر الأخطاء وتتزايد معدلات نشر الأخبار المضللة.

وأكد مقرر لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة بشير العدل أن محرك البحث غوغل أصبح الممول الأول للكثير من الصحف والمواقع المصرية، وسياسات النشر تخدم ما يحتاجه الموقع لجذب الجمهور مع تراجع الأدوار الرئيسية للصحافة وتضييق الخناق عليها، وأضحى المهم تحقيق ارتفاع في نسبة الزيارات، ومن ثم حصيلة الإعلانات.

وأشار لـ”العرب” إلى أن “التوجه نحو الصحافة الإلكترونية وتراجع الورقية جعل هناك اهتماما إضافيا بكيفية جذب جمهور منصات التواصل الاجتماعي الذي ينجذب نحو الأخبار السريعة واختفى تقريبا التناول الدقيق والعميق للأخبار والأحداث اليومية، وأصبح المحرر يسرح بخياله لنسج الأخبار والعناوين التي تجذب المتابعين”.

وذكر أن محاولات ضبط المشهد في ظل الأجواء الراهنة لن تفلح لأنه جرى توجيه الإعلام نحو البحث عن “الترند”، كما أن الجهات التي من مهمتها ضبط المشهد لا تؤدي دورها بصورة كافية، وباتت نقابة الصحافيين التي تتحرك في مثل هذه المواقف غائبة عن المشهد المهني، ما أدى إلى هيمنة الفوضى.

وتوقفت تقارير الرصد المهني التي اعتادها المجلس الأعلى للصحافة، وهو هيئة سابقة جرى استبدالها بالهيئة الوطنية للصحافة وتم نقل بعض اختصاصاتها إلى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وكانت هذه التقارير تصدر بصفة دورية كل ثلاثة أشهر وتتضمن الأخطاء التي وقعت فيها الصحف وشكلت ملاحظاتها على الأداء المهني وصمة في جبين الصحف تستوجب معالجتها سريعا.

يُوجد صحافيون يعملون لصالح أندية بعينها ويقومون بتلوين الخبر وفقًا لما يحقق أغراضهم، وقد ينقلون الأحداث من وجهة نظر واحدة

وينصب تركيز لجان الرصد والمتابعة للهيئات الإعلامية حاليا على وسائل الإعلام المرئية دون المواقع الإلكترونية التي أخفق المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في تقنين أوضاعها، ويجري تجاهل الحديث عن الجرائم المهنية التي ترتكبها.

وتكمن المشكلة في عدم إتاحة المعلومات لوسائل الإعلام بشكل سلس ودفن قانون حرية تداول المعلومات الذي كان يجب إقراره بالتزامن مع تدشين الهيئات الإعلامية، ما دفع الكثير من الصحف والمواقع إلى نشر الأخبار دون التأكد من صحتها بحثًا عن الظهور في مرتبة متقدمة ضمن محركات البحث.

وترتبت على ذلك زيادة انتشار الأخبار الكاذبة في مواقع إخبارية عدة قبل أن يلجأ القائمون عليها إلى حذفها واستبدالها بمحتوى آخر.

16