"المجرشة" تقف عند أهم الشخصيات العراقية الخالدة

المسرح يشارك في الاحتفالات بمئوية العراق دعما للثقافة المجتمعية.
الخميس 2022/02/17
مشاهد تستحضر عظماء من العراق

لا تبنى الأوطان وتاريخها إلا بتضحيات أبنائها وجهودهم، لذلك تخلّد كتب التاريخ سيرهم على اختلاف تأثيراتهم في الحياة الجماعية سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو ثقافية، وأحيانا يصبحون مادة ثرية تقتبس منها الأعمال المسرحية على غرار مسرحية “المجرشة” التي عرضت مؤخرا ضمن الاحتفالات بمئوية الدولة العراقية.

مع تواصل الاحتفالات بمئوية الدولة العراقية التي تنوعت في أشكالها وأنواعها على الصعد الثقافية والفنية والسياسية والاجتماعية التي استعرضت التحولات الجوهرية طوال قرن من الزمان العراقي بمظاهره وانعكاساته المختلفة.

وفي هذا السياق ودعما للثقافة المجتمعية، جاء العرض الأول للمسرحية الشعبية الاستعراضية “المجرشة” التي توقفت عند البعض من الشخصيات العراقية الخالدة وما قدمته من منجزات مميزة ومهمة مازالت راسخة في ذاكرة الأجيال.

المسرحية قدمت في التاسع من فبراير الجاري على خشبة مسرح وزارة النفط، وهي من تأليف وسيناريو الكاتب والإعلامي عاصم جهاد، وإخراج الفنان كاظم نصار، وتمثيل نخبة متميزة من نجوم المسرح العراقي وشبابه المبدعين وهم الفنانون سامي قفطان، ميمون الخالدي، عواطف السلمان، طلال هادي، مازن محمد مصطفى، إياد الطائي، علاوي حسين، سعد عزيز عبدالصاحب، نضير جواد، علاء قحطان، زمن علي، أزهار العسلي، جهاد جاسم، أحمد شوقي، وإدريس عدنان، بالإضافة إلى ضيف الشرف الفنان عدنان شلاش، بمشاركة الفرقة الموسيقية بقيادة الفنان طه غريب، والفرقة الراقصة بقيادة الفنان محمود رجب في حين يتولى إدارة المسرح والإنتاج الفنان ستار السعداوي، وتصميم الإضاءة الفنان عباس قاسم والأزياء أحمد العدواني، والمكياج حكيم جولاق، والديكور مصطفى الربيعي، وحيدر حسين حمزة.

عاصم جهاد: المسرحية تعرف المواطنين بالشخصيات العراقية المهمة في تاريخ البلاد

وبغية الوقوف على طبيعة وأهمية هذه المسرحية الشعبية الاستعراضية تحدث لنا الكاتب والإعلامي عاصم جهاد المتحدث باسم وزارة النفط، مؤكدا أن “وزارة النفط كانت ومازالت راعية مستمرة للثقافة والفنون باعتبارها من أدوات القوة الناعمة التي تمثل السند المكمل للدور الأساسي لعملها وهي أول من قدم عملا مسرحيا بعد عام 2003، حيث قدمت العرض الاحتجاجي ‘نون’ بمشاركة نخبة من الفنانين العراقيين”.

وبخصوص مسرحية “المجرشة” قال الكاتب والإعلامي عاصم جهاد الذي كتب نصها والسيناريو “المجرشة قاربت موضوعة مئوية الدولة العراقية وهو موضوع مهمّ لتعريف المواطنين بالشخصيات العراقية المهمة”، مؤكدا “أهمية دعم المسرح لإيماننا بأنه يمثل المرآة للثقافة بجميع فروعها وألوانها لاسيما أن الفن المسرحي يعد من الوسائل المهمة لتغيير واقع البشر إلى الأفضل عبر تكريس ونشر المعرفة والتنوير والجمال”.

وأكد جهاد أن “مفاوضات تجري مع دائرة السينما والمسرح للعمل على عرض ‘المجرشة’ في المسرح الوطني أو مسرح الرشيد، لغرض توفير الفرصة للجمهور العريض لمشاهدتها والتمتع بدلالاتها وأبعادها الجمالية والدرامية والفكرية، وللاستفادة من التقنيات الفنية العالية التي تنطوي عليها مسارح دائرة السينما والمسرح، لاسيما أن المسرحية تمثل أسلوبا جديدا في شكل ومضمون العروض المسرحية التي قدمت قبل وبعد ربيع 2003 بشهادة الذين شاهدوا عرضها الأول”.

وأعلن جهاد عن استعداده لعمل مسرحي جديد سيكون مفاجأة للوسط الفني.

أما المخرج الحداثي والتجريبي كاظم نصار، الذي سبق له أن قدّم العديد من المسرحيات التي شكلت اتجاها مسرحيا متميزا عبر تبنيه مشروع “الكابريه السياسي” ليؤسس عليه متبنياته الفكرية والجمالية، وحين سألناه عن فكرة المسرحية وهل هناك مقاربة مع قصيدة “المجرشة” الشهيرة للشاعر عبودي الكرخي، قال إن “العنوان مستل من قصيدة المجرشة للملا عبود الكرخي، وكذلك الفكرة من ذاكرته إذ يستحضر أجزاء وصورا وأحداثا من عمر الدولة العراقية وشخصياتها وتأسيسها، حيث تشكلت هذه الدولة في ظل صعوبات وأحداث وانقلابات انتهت بمقتل العائلة الملكية، وهكذا سحقت وجرشت الدولة أبناءها ومؤسسيها وصناعها، ومن هنا جاءت التسمية والفكرة، وكأن الملا الكرخي كان يتنبأ بمسيرة هذه الدولة والمصائر التي سيؤول إليها صناعها ورجالاتها والغربة التي عاناها الأغلبية منهم”.

نجوم المسرح العراقي في عمل يجمع بين الدراما والاستعراض
نجوم المسرح العراقي في عمل يجمع بين الدراما والاستعراض

ومعلوم أن المخرج مؤلفّ ثان للنص، وفي هذا السياق، يقول كاظم نصار -عن كيفية تعامله مع نص عاصم جهاد على ندرة نصوصه المسرحية على عكس مقارباته في الكتابة الساخرة ورسومه الكاريكاتيرية- إن “المؤلف يمتلك خبرة في تقليب ملفات الدولة العراقية وأحداثها وما سجله في النص وقائع حدثت فعليا، وشكلنا حوار دائما للوصول إلى الصيغة الأنسب، والنص مرّ بمراحل متعددة في الإضافة والحذف والتعديل وصولا إلى صيغته الحالية وفقا لتلك المداخل”.

أما عن الرسائل الجمالية والإبداعية والدرامية التي أراد هذا العرض الاستعراضي والشعبي إيصالها، فقال “لدي شغف بأن أقدم مسيرة الدولة بصناعها ومؤسسيها ورجالاتها عبر عرض مسرحي، وجاءت هذه الفرصة من خلال وزارة النفط ومبادرة من المؤلف عاصم جهاد تجمع بين الحوار والغناء والموسيقى والشعر، وهي كافية لتوصل رسائل العرض عبر كل هذه الفرجة المسرحية، مرة عن الديمقراطية، ومرة عن الغربة، ومرة عن نقرة السلمان، ومرة عن الغناء بوصفه يشكل معارضة للحكومة، عبر هذا التنوع في المعالجة، فإن هذا العرض لا يخضع لشروط الدراما التقليدية”.

وفي ما يتعلق بخوضه تجربة هي الأولى في صياغة عرض من هذا النوع جمع فيه بين الدراما والاستعراض وكيف ينظر لهذه التجربة في مسار تجربته الشاملة، أكد نصار أن “المخرج المحترف لا يقف عند أسلوب معين فيجرّب أشكالا مختلفة بين مدة وأخرى، وهو سعي مطلوب خاصة إذا توفر له كادر محترف ونص جيد، وأن الإيجابي في هذه التجربة هو توفر كادر كبير من ممثلين ومطربين وموسيقيين وراقصين قدموا لوحات تعبيرية جميلة”.

المسرحية الشعبية الاستعراضية توقفت عند بعض الشخصيات العراقية الخالدة وما قدمته من منجزات مميزة ومهمة

وفي ما يتعلق بالممثلين ورهانه على المحترفين أم على عناصر أخرى تجوهرت في فضاء العرض، قال “كل العناصر كانت بمستوى يجعلنا مطمئنين لنجاح التجربة فكلهم يشكلون مفتاح نجاح لأي عرض، وأنا تعاملت مع الجميع بمرونة وشفافية ولم أفرض توجهاتي، وإنما أيقنت أن هذا العرض مختلف وله اشتراطاته ومن هنا نجح العرض بتكاتف الجميع وخلاصهم”.

وعن كيفية مواءمة جغرافية ومساحة خشبة العرض “مسرح وزارة النفط” الذي لا يتوفر على المستلزمات الفنية المطلوبة على عكس إمكانات مسرحي “الرشيد” و”الوطني”، أكد نصار “حاولنا جميعا تكييف مسرح النفط للعرض ونجحنا، وهناك نية لعرضه في مسرح يتوفر على شروط تقنية أفضل، وأعتقد أن مثل هذه العروض تصبح غير مناسبة للعرض في أي مكان لا يتوفر على تقنية صوتية، لأن تقنية ‘النك مايك’ تؤدي إلى فقدان إحساس الممثل وتذهب بالعرض إلى منطقة أخرى غير ملائمة”.

وبخصوص نظرته إلى دور وزارة النفط في دعم وتقديم مثل هذه العروض، قال المخرج كاظم نصار إنها “مبادرات جميلة وداعمة للثقافة والمسرح، وبالنسبة إلي فهذا العرض الثاني حيث قدمنا من خلال دعمهم عرض ‘نون’ والذي كان يتحدث عن وحشية داعش في تعامله مع المواطنين وتهجيرهم وقتلهم، وآمل باستمرار هذا الدعم في المستقبل”.

تجدر الإشارة إلى أن وزارة النفط سبق لها أن قدمت العرض الاحتجاجي “نون” بمشاركة نخبة من الفنانين العراقيين، في وقفة احتجاجية ضد استهداف المكوّنات العراقية من قبل عصابات داعش الإرهابية.

و”نون” هو الحرف الأول الذي أخذ تنظيم داعش يرسمه على بيوت المسيحيين الذين هجّرهم في الموصل والمأخوذ من كلمة “نصراني”، في وقت كان فيه هذا الحرف هو الحرف في النص القرآني الذي يدعو إلى العلم والمعرفة، ولكن قوى الإرهاب حولته إلى ختم ورمز للتهجير والسلب والذبح والحرق. وشكلت المسرحية أول عمل فني يتصدى لمعاناة النازحين، وكانت بإشراف الكاتب والإعلامي عاصم جهاد، وكتابة النص لماجد درندش والإخراج للمخرج الحداثوي والتجريبي كاظم نصار الذي عرف بمواصلة تقديمه خطابا مسرحيا يتسم بـ”الكباريه السياسي” وما لحق بالذات العراقية من أزمات وآثار حروب وحصارات، بمحمولاتها وعلاماتها ومعالجاتها وطروحاتها وقراءتها الواعية للواقع العراقي المأوزم. ولعب أدوار هذه المسرحية نخبة من نجوم المسرح العراقي آسيا كمال، ميمون الخالدي، مازن محمد مصطفى، وباسل شبيب، علاوي حسين، أسعد مشاي وماجد درندش.

15