كتابات المرأة لا تحظى باهتمام النقاد

الكاتبة المصرية إيمان العمري: الصحافة أثرت في رواياتي.
الأربعاء 2022/02/16
المرأة قضايا المجتمع العميقة (لوحة للفنانة علا الأيوبي)

ليس من السهل الدخول إلى عالم الكتابة والنشر، إذ غالبا ما تهيمن عليه العلاقات وضوابط قد لا يكون النص الأدبي من بينها بقدر الانتماء إلى مجموعة أو توفير مصلحة ما، وهو ما يدفع بالكثير من الكتاب والكاتبات إلى النشر على الحساب الخاص، رغم ما في ذلك من إشكالات. “العرب” كان لها هذا الحوار مع الكاتبة المصرية إيمان العمري حول هذه القضية وحول عوالمها الأدبية.

تتّكئ تجربة الكاتبة الروائية إيمان العمري على الواقع الاجتماعي في مصر، قضاياه وإشكالياته، وتخص واقع المرأة وما تواجهه من تحديات جراء الكثير من العادات والتقاليد البالية والقيود والسياسات المناهضة لحريتها، حيث عالجت في رواياتها الست “شجرة الياسمين”، “سفينة الأحلام”، “أنت أسيرتي”، “الرهان الأخير”، “معركة الحب”، “القلب ينتظر دائما” ومجموعاتها القصصية ومنها “ليلة رأس السنة” ما تواجهه المرأة في علاقتها بالآخر على اختلافه، وقد تميزت رؤيتها بجماليات الأبعاد الإنسانية العميقة في تجلياتها الرومانسية التي تعتمل في قلب وروح وجسد المرأة.

ترك عمل العمري في الصحافة النسائية أثرا واضحا على الكثير من تفاصيل وملامح وحيوات شخصياتها، فمتابعاتها لشؤون المرأة جعلتها على دراية ووعي بما تواجهه المرأة في الطبقة الثرية أو الوسطى أو الفقيرة.

كتابات المرأة

إيمان العمري: رواياتي رومانسية لكنها تنكأ جراح واقع المرأة

تقول العمري “منذ الصغر وأنا أعشق القراءة وكانت البداية بالطبع مع قصص الأطفال والروايات البوليسية، لكن في العاشرة من عمري بدأت علاقتي بعالم الأدب من خلال روايات كبار الأدباء، وكان لمؤلفات توفيق الحكيم تأثير كبير على تفكيري، لقد عشقت الكتابة من خلال أعماله. وبجانب كتابات الحكيم العظيمة كانت أعمال إحسان عبدالقدوس خاصة في فترة المراهقة. في هذه المرحلة العمرية كنت أتخيل اسمي جنبا إلى جنب إحسان والحكيم، وأنني يوما ما سأصبح كاتبة مثلهما، وبعد ذلك حاولت الانفتاح على أعمال العديد من الكتاب أصحاب الاتجاهات المختلفة كيوسف السباعي ويحيي حقي وعبدالقادر المازني ونجيب محفوظ وأخرين، وفي مرحلة متقدمة ظهر تأثير الكتاب الأجانب وكان أنطوان تشيخوف على رأسهم وأيضا أوسكار وايلد وشارلوت برونتي وجين أوستن وشكسبير ومارك توين وغيرهم”.

وتتابع “محاولات الكتابة تجلت مع بداية التسعينات من القرن الماضي، وكانت في مجال القصة القصيرة وقد حققت فيها نجاحا ملحوظا تمثل في أنني استطعت الفوز بجائزة جريدة أخبار الأدب في القصة القصيرة عن قصة ‘المقعد الخالي’ وكان أهم من المكسب هو أن الكاتب الكبير نجيب محفوظ هو من قام بتسليم الجائزة.. ولكن الانطلاقة الحقيقية كانت عام 2008 بعد صدور روايتي الأولى ‘معركة الحب’، والتي شجعتني على كتابتها أختي وابنتها حيث كانتا تريان أنني كاتبة رومانسية مميزة، وبعدهما جاء دور زملائي في ‘مجلة حواء’ الذين شجعوني على نشرها كما استقبلوها بشكل جيد ما شجعني على الاستمرار في طريق الكتابة”.

وتوضح العمري أن تجربتها قطعت عدة مراحل أبرزها مرحلة التجربة، حيث كانت تكتب القصص القصيرة وتعرضها على الأصدقاء، وكانت تلك القصص ترتبط بتجاربها الذاتية في الأساس وبعضها ينتقل من الخاص إلى العام، إذ كانت تأخذ من تجربتها التي عاشتها أو كانت شاهدة عليها نموذجا يمكن تعميمه، هذا بجانب بعض القصص التي غلب عليها طابع التجريد.

وتضيف “ثاني مراحلي في الكتابة مرحلة النشر والتي بدأت مع رواية ‘معركة الحب’، واستمرت على مدار حوالي 14 سنة حتى الآن، وأثمرت عن ست روايات وثلاث مجموعات قصصية. وفيها ربطت بين قصص الحب والمناخ العام في البلاد والأحداث السياسية كإطار لها، وأكبر مثال على ذلك رواية ‘شجرة الياسمين’. وقد مرت تلك المرحلة بالعديد من الخطوات، كانت البداية بروايات تتركز على شخصيتي البطل والبطلة فقط وباقي الأبطال مهمشون إلى حد كبير، ليأتي التطور الكبير في رواية ‘سفينة الأحلام’ التي تناولت حيوات متنوعة لأغلب الشخصيات والتي شهدت تطورا كبيرا من خلال الأحداث”.

وتؤكد أن عملها في مجال صحافة المرأة أثر على القضايا التي تطرحها، وتضيف “ظهر ذلك جليا في شخصيات بطلات أعمالي سواء في رسم أبعادهن أو القضايا التي يواجهنها في مجتمع ذكوري يضطهد كل ما هو أنثوي، وضرورة أن تكون المرأة قوية لمواجهة الطامعين في جمالها أو ثروتها أو منصبها أو مركزها الاجتماعي، وهذا أهم ما تعلمته من خلال معالجة العديد من قضايا المرأة التي يكون سببها الوحيد عدم معرفة المرأة بنقاط قوتها، فتصبح مجرد نقطة هامشية تدور في فلك الرجل، وهو ما حاولت إظهار زيفه بطرح قضايا تظهر المرأة بشكل الفاعل وليس المفعول به”.

وتتابع “رغم أن أغلب أعمالي يغلب عليها الطابع الرومانسي، فقد ظهر بجلاء أن الحب في حياة المرأة يعطيها القوة ويجعلها قادرة على المواجهة في صلابة. كما أن العمل في الصحافة وفر لي كما هائلا من التجارب والخبرات التي ظهرت بشكل مباشر أو غير مباشر في رواياتي وقصصي، والتي جعلتني دائما أحاول الربط بين الخاص والعام، فأحداث أي رواية لا تقع في فراغ، وإنما هي نتيجة لتجربة وبيئة، وعالم تحكمه العديد من القيم والأعراف، كما أن هناك إطارا اجتماعيا وسياسيا لأي حدث حتى لو ظهر أنه شخصي جدا”.

ما تواجهه المرأة في علاقتها بالآخر

ومن بين قضايا المرأة المصرية التي تناولتها قضية الميراث والطمع في ما تملكه وعدم الاعتراف بمهاراتها في العمل إلا بصعوبة، وقضية العنوسة التي تدفع في أحيان كثيرة البنات إلى اختيارات خاطئة وقضية الحب والتخلي عن المرأة والخيانة، وقضية الدور السلبي الذي تلعبه العائلة في حياة البنت والولد أيضا وغيرها من القضايا الاجتماعية التي تواجهها المرأة في مجتمعنا.

وحول الدور الذي لعبته عائلتها في حياتها ككاتبة، تكشف العمري “كان لعائلتي بكل أفرادها تأثير كبير على مشواري بداية من تشجيع الوالدين لي على القراءة واصطحابهما لي أنا وأختي الكبرى لزيارة معرض القاهرة للكتاب سنويا، وشراء الكتب وحتى ترشيح أعمال كبار الكتاب وفقا لمرحلتي العمرية، وأتذكر جيدا نصيحة والدتي بأن أعيد قراءة أعمال بعض الكتاب كنجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس ويوسف السباعي، كنت قد قرأتها وأنا صغيرة لأراها بوجهة نظر جديدة”.

وتشدد على أن دور العائلة قد انعكس على ما كتبته، فهناك تأثير واضح لشخصيتي الأب والأم على شخصية البطل والبطلة، وأحيانا يكون الوالد بالتحديد هو المحرك الخفي للأحداث كما في رواية “سفينة الأحلام”، فوالد البطل طوال الوقت هو المحرك للأحداث رغم عدم ظهوره على مسرحها بوضوح، لكن القارئ في النهاية يكتشف دوره الحقيقي.

ولا يقتصر تأثير العائلة على دور الأب والأم فقط، في رأيها، فلا يمكنها، كما تقول، إنكار دور أختها الكبرى وتشجيعها لتستمر في نشر أعمالها، كذلك دور ابنة أختها ريم التي كتبت قصة قصيرة باسمها مستمدة منها في مجموعتها القصصية “ليلة رأس السنة”. وحتى هذه اللحظة هناك تأثير واضح للعائلة ككل والأصدقاء وينعكس ذلك في صورة العائلة في كتاباتها كما في روايتَي “انت أسيرتي” و”القلب ينتصر دائما”.

وتلفت إلى أن المكان في رواياتها يحمل الكثير من الدلالات، تقول “المكان يأسرني بشكل كبير فهو مكون أساسي في أي عمل كتبته، ويحمل ملامح وأبعاد الشخصيات كما أن له دورا في تطورات الأحداث، ولذلك كل عمل يدور في مكان محدد يعطيه أجواء خاصة تؤثر على كل عناصر العمل حتى الألفاظ المستخدمة تتأثر بأجواء المكان. ولا يمكن تصور شخصيات تعيش في المطلق لا بد أن يجمعها مكان محدد له انعكاساته وارتباطاته بأماكن أخرى، فمجرد ذكر ذلك يوضح جزءا كبيرا من أسرار عالم الشخصيات ويشي بتفسير تصرفاتهم”.

وتتابع “خذ مثلا رواية ‘سفينة الأحلام’ التي تدور أحداثها بين الأقصر وأسوان وسط المناطق الأثرية والتي تكون جزءا من الأحداث وتفسر الكثير من الأسرار الغامضة، كما أنها تعد خلفية تقوم عليها المواقف في الرواية. هذه المنطقة وما تضمه من آثار تضفي أجواء خاصة على أي موقف، كما أنها يمكن استخدامها كمواز لحيوات الشخصيات وأداة لتوضيح جانب من عالمهم الإنساني دون التدخل بشكل مباشر من الكاتب”.

وترى العمري أن النشر على نفقة الكاتب له مميزاته وعيوبه الكثيرة، أهم المميزات هي سرعة إنجاز العمل بشكل لائق، كما أن أسلوب التعامل مع الكاتب يتميز بالجدية والمباشرة بعيدا عن نظام المصالح أو الشللية. ولكن يعيبه عدم حصول الكاتب على حقوقه المادية كاملة، إضافة إلى عدم التزام بعض دور النشر بكل بنود التعاقد خاصة بالنسبة إلى الدعاية. كما لا يمكن إنكار عدم جدية بعض دور النشر الخاصة، لذلك لا بد من التدقيق الشديد والسؤال باستفاضة عن دار النشر قبل التعامل معها. وأن يكون التعامل مباشرا وصريحا وبشفافية.

وتشيرإلى أن كتابات المرأة لا تحظى باهتمام النقاد بالقدر الكافي، لأنهم ببساطة يتعمدون دائما تنميط أعمال الكاتبات ووضع إطار لها وتصنيفها بأنها أدب نسائي ثم يبدأون النقد من هذه الزاوية الضيقة والمحدودة جدا.

لحظة فارقة

Thumbnail

كون أغلب روايات العمري وقصصها تميل إلى الرومانسية إلا أنها تنكأ جراح واقع المرأة وتضع الحب في موضع إنساني وليس في إطار مغلق بين امرأة ورجل، وتتساءل هل لا تزال المشاعر لها أهميتها في عالم اليوم الذي تحكمه المادية؟

وتقول “لو نظرنا إلى الحب بمفهومه الضيق على أنه علاقة ثنائية بين رجل وامرأة، بالفعل أصبح هذا النوع نادرا جدا في ظل تفشي العلاقات التي تحكمها المادية، لكن لو نظرنا إلى الحب بمفهومه الإنساني الشامل كإطار للمشاعر الإنسانية النبيلة التي تحكم العلاقات بين البشر لوجدنا أننا لا نستطيع أن نعيش بدونه، فهو سبب بقاء الجنس البشري ولولا الحب لكنا قد انتهينا منذ المهد، فهناك عبارة شهيرة تقول ‘الأطفال الذين لا يحبون يموتون’، فلولا هذه المشاعر ما تمسكنا أو ارتبطنا بأي شخص أو شيء أو كان لنا هدف في الحياة”.

وترى أن مجموعاتها القصصية أقرب إلى واقعية منها إلى الرومانسية، تقول “الرواية مهما كانت الفترة الزمنية التي تدور فيها أحداثها هي عالم متكامل، لذلك لا بد أن يحكمه الحب فهو أساس الحياة، وبدونه لا يمكن أن تستمر، لكن القصة القصيرة هي لحظة فارقة في الحياة، فلا بد أن تتسم بالجدية وتقترب من الواقع حتى يكون لها تأثير على القارئ ليرى نفسه في تلك اللحظة سواء مر بها أو شعر بها أو حتى عايش من مر بها في تلك الحالة سيكون تأثيرها أعمق. وعلى ذلك أقدم الواقع بصورته الشاملة الجامعة من خلال الرواية، لكن بشكله المباشر الصادم يكون قالب القصة القصيرة هو الأكثر ملائمة”.

وتؤكد العمري أن “العنف ضد المرأة سواء كانت الزوجة أو الابنة يعد شكلا من أشكال الهمجية المقيتة، فمن يقدم على هذا الفعل فقد كل وسائل التواصل الإنساني ولجأ إلى أساليب بعيدة كل البعد عن التقدم والتحضر، ودائما ما أسأل نفسي هل هذا الشخص لو استفز شخصا قويا كان سيلجأ إلى هذا الأسلوب أم تراه يلجأ إلى ذلك لأنه على ثقة من أن التي يضربها أضعف منه بنيانا، فيستمتع بعدوانه غير المبرر وبقهره على التي من المفروض أن يدافع عنها؟”.

وتضيف “للأسف ذلك الأسلوب السيء في التعامل لا يقتصر على فئة أو طبقة معينة في المجتمع، لكن نجده يرتبط بشخصيات عدوانية قد تربت على القهر، وتحاول أن تنفث عن نفسيتها الوضيعة من خلال التجبر على من هي أضعف منها. ولي قصة قصيرة بعنوان ‘قصة زيزي’ عن ضرب الزوجات في مجموعتي ‘ليلة رأس السنة’، ولكن لم أتناول الضرب على أنه قضية اجتماعية فحسب بل أكثر من ذلك، لقد كان الضرب في القصة معادلا رمزيا للقهر ولإرضاء بعض الشخصيات بالذل والاستمتاع بالأوضاع السائدة مهما كانت سيئة ورفض أي محاولة للتغيير حتى لو كان ذلك إلى الأفضل. ولم أجد أشد قسوة وقهرا من أن يضرب الرجل زوجته. وللأسف هناك الكثيرات ممن يتعرضن للعنف يقبلن بذلك الوضع المتدني وكأنه قدرهن أن يعشن في عذاب وذل”.

13