جبهة مصراتة قادرة على حسم النزاع بين رئيسي حكومتي ليبيا الحالي والقادم

خليفة حفتر يدعم تشكيل حكومة جديدة يكون رئيسها من المدينة.
السبت 2022/02/05
الدبيبة يتمسك بمنصبه

يترقب الشارع السياسي في ليبيا، نتائج جلسة مجلس نواب الشعب المزمع عقدها في الثامن من فبراير الجاري بطبرق (شرق)، والشخصية التي سيتم تكليفها بتشكيل الحكومة الجديدة، بعد تمسك رئيس البرلمان عقيلة صالح بتغير حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها عبدالحميد الدبيبة، معتبرا إياها “منتهية الولاية”.

طرابلس - بينما ينتظر أن تشهد مدينة طبرق (شرق) الإعلان الثلاثاء القادم عن الشخصية التي سيتم تكليفها من قبل مجلس النواب بتشكيل الحكومة الليبية الجديدة، تتجه الأنظار إلى مدينة مصراتة (غرب) التي ستحسم الموقف بخصوص المرحلة القادمة، ولاسيما في ظل الخلاف الحاد بين أبنائها المتحمسين لتشكيل الحكومة والمتمسكين بالحكومة المنتهية ولايتها.

وقالت أوساط ليبية مطلعة لـ”العرب”، إن جدلا واسعا يدور حاليا في مدينة مصراتة، حيث يسعى أنصار رئيس الحكومة الحالية عبدالحميد الدبيبة إلى توجيه الرأي العام لفائدة بقائه في منصبه، فيما تضغط قوى أخرى من أجل استبعاده من موقعه واستبداله بشخصية أكثر قدرة على إدارة شؤون الدولة ونيل ثقة الليبيين.

عبدالله بليحق: حكومة الدبيبة انقضت ‏مدتها بحكم قرار منحها الثقة

والثلاثاء الماضي، تم الإعلان عن اتجاه كل من وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا، ونائب رئيس المجلس الرئاسي السابق أحمد معيتيق، ورجل الأعمال محمد المنتصر، للتقدم بملفات ترشحهم إلى مكتب مجلس النواب الذي سيعلن في جلسة الثلاثاء القادم عن الشخصية التي سيتم عليها الاختيار من قبل النواب وذلك عبر التصويت الحرّ والمباشر.

وكان المترشحون الثلاثة قد ترشحوا سابقا لخوض غمار السباق الرئاسي في موعده المقرر في الرابع والعشرين من ديسمبر الماضي قبل أن يتم تأجيله إلى موعد غير مسمى، ويتميز اثنان منهم وهما باشاغا ومعيتيق بعلاقات متوازنة مع مختلف الفرقاء السياسيين والميدانيين، ومع المشير خليفة حفتر القائد العام الفعلي للجيش. 

ورسميا، قال مقرر مجلس النواب صالح قلمة، إن المجلس تسلم حتى صباح الخميس، ملفي مترشحين اثنين لرئاسة الحكومة حتى الآن هما فتحي باشاغا ومروان عميش المرشح الرئاسي ورئيس منظمة سرت الوطن للاستقرار والسلم الاجتماعي.

وفي الأثناء، اعتبر الدبيبة أن رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح “يقوم بمحاولة يائسة لتجديد الانقسام”، مضيفا أن “حكومة الوحدة الوطنية ستواصل عملها إلى حين إجراء انتخابات جديدة”، وهو ما رأى فيه بعض المتابعين نذر الدفع بالبلاد إلى مواجهة بين الميليشيات الداعمة للسلطات الحالية ونظيرتها الموالية للحكومة القادمة والبرلمان.

 وجدد الدبيبة في تصريحات تلفزيونية تمسكه باستمرار حكومة الوحدة الوطنية حتى إنجاز الانتخابات، مشددا على أن “الحكومة مستمرة في أداء مهامها حتى إنجاز الانتخابات”، مشيرا إلى أنها “أنجزت كافة استحقاقاتها تجاه ملف الانتخابات دون تقصير”.

كما رأى الناطق باسم الحكومة محمد حمودة أنها مستمرة في تأدية مهامها وفق الاتفاق السياسي وخارطة الطريق، معتبرا أن “ما يقوم به رئيس مجلس النواب عقيلة صالح وبعض النواب هو مسار أحادي لا يمكن أن ينتج عنه أي شيء، والحكومة ليست معنية به”.

وينتمي الدبيبة إلى مدينة مصراتة التي ينتظر أن تكون العنصر المحدد للمسار الحكومي ولاسيما أن المتنافسين الأبرز على خلافته يتحدرون منها، ولديهم نفوذ مهم فيها، ما جعل المراقبين يؤكدون أن أي رئيس جديد للحكومة لن يكون إلا من مصراتة، وهو أمر يبدو محل إجماع غير معلن من قبل الفعاليات السياسية والاجتماعية في كافة مناطق البلاد.

وكان رئيس مجلس النواب عقيلة صالح أعلن الاثنين، أن مقرر الجلسة سيقوم باستلام ملفات المترشحين للحكومة لدراسة توافقها مع الشروط المطروحة، ودعا اللجنة إلى أن تعرض الأمر على مجلس النواب في جلسة الثامن من فبراير لاختيار رئيس الحكومة وجلسة السابع من فبراير للاستماع للمترشحين.

وأكد المتحدث باسم مجلس النواب عبدالله بليحق أن تغيير الحكومة ليس خيارا للبرلمان، لأن الحكومة انقضت ‏مدتها، بحكم قرار منحها الثقة.‏ وأوضح أن المادة الثانية من قرار منح الثقة للحكومة تقضى بأن تنتهي أعمال ‏حكومة في الرابع والعشرين من ديسمبر الماضي”، مبينا أن “الحكومة حصلت على الثقة من مجلس النواب، وبحكم القانون ‏هو صاحب القرار، وبالتالي انتهت أعمال الحكومة”، وأضاف مستطردا أن “ما يقوله رئيس الحكومة عندما مضى قدما في ترشحه لرئاسة ‏‏ليبيا وهو مخالف للتعهد الأخلاقي الذي قدمه للمجتمع الدولي ‏والشعب الليبي دفعنا إلى التوجه ضدها”.

فتحي باشاغا يبحث عن دور سياسي جديد
فتحي باشاغا يبحث عن دور سياسي

ويشير مراقبون، إلى أن صراعا حاسما يدور حاليا على أكثر من صعيد، بين الدبيبة ووزير الداخلية السابق فتحي باشاغا المرشح الأكثر حظا لنيل ثقة مجلس النواب، والذي يمتلك نفوذا واسعا في مدينة مصراتة، ولاسيما بين الفعاليات الاجتماعية وفئة الشباب وبين عدد مهم من أمراء الحرب وقادة الميليشيات، وبخاصة بين الأوساط الشعبية المتعطشة للمصالحة الوطنية والراغبة في طي صفحة الماضي وفي فسح المجال أمام عودة مصراتة إلى محيطها الاجتماعي في مختلف مناطق البلاد.

ويرى هؤلاء، أن ترشح باشاغا جاء بعد توافقات داخل البيت المصراتي، وكذلك مع أغلب الفعاليات السياسية في طرابلس وفي المنطقة الشرقية، كما أن قيادة الجيش تدعم هذا الترشح وترى فيه فرصة لإحداث تغيير يدفع بالبلاد نحو تجاوز الصراع وتوحيد المؤسسة العسكرية والاتجاه للانتخابات القادمة وفق خطة عمل متفق عليها من جميع الفرقاء.

وأوضح عضو مجلس النواب محمد العباني أن استبدال الحكومة أصبح قرارا لمجلس النواب منذ جلسته في الأسبوع الماضي، وقال إن عددا من المترشحين لرئاسة الحكومة متحفزون للتقدم بملفاتهم بمن فيهم فتحي باشاغا وأحمد معيتيق ومحمد المنتصر، وهم الأوفر حظا لرئاسة الحكومة الجديدة، فيما أكد القيادي في ميليشيات مصراتة العقيد فرج خليل إن المدينة لن تتنازل عن رئاسة الحكومة، وإنها أجمعت على الدفع بـفتحي باشاغا رئيسا للحكومة المقبلة.

وعلمت “العرب”، من مصادر مطلعة، أن المشير حفتر يدعم تشكيل حكومة جديدة يكون رئيسها من مدينة مصراتة، وقد أكد ذلك لباشاغا ومعيتيق خلال لقائه بهما في بنغازي في الحادي والعشرين من ديسمبر الماضي، وهو اللقاء الذي مثّل نقطة فارقة في العلاقة بين الطرفين، وفسح المجال واسعا أمام ترشيح باشاغا لرئاسة الحكومة القادمة، ولاسيما أنه بات يرتبط بعلاقات جيدة مع القاهرة وأنقرة وروما وباريس، ومع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس مجلس الدولة خالد المشري.

حفتر وباشاغا ومعيتيق وعدد آخر من المترشحين الرئاسيين، اتفقوا خلال اجتماعهم ببنغازي على أن المصالحة الوطنية خيار وطني جامع لا تراجع عنه

ووفق ذات المصادر، فإن جسور التواصل مفتوحة بين حفتر وباشاغا، وهما يقومان بتنسيق المواقف لخوض المرحلة القادمة التي ستكون حاسمة في اتجاه توحيد المؤسسات وتحقيق المصالحة. 

وكان حفتر وباشاغا ومعيتيق وعدد آخر من المترشحين الرئاسيين، اتفقوا خلال اجتماعهم ببنغازي على أن المصالحة الوطنية خيار وطني جامع لا تراجع عنه، وعلى وضع المصلحة الوطنية الجامعة فوق كل اعتبار، كما شددوا على استمرار التنسيق والتواصل وتوسيع إطار هذه المبادرة الوطنية لجمع الكلمة ولم الشمل واحترام إرادة الليبيين.

ويرى محللون سياسيون أن الدبيبة غير قادر على مواجهة باشاغا الذي بات يرتبط بعلاقات إقليمية ودولية متميزة، ونجح في تحقيق توازنات مهمة في مساره السياسي من خلال البراغماتية التي يمارسها، ونجاحه في فتح جسور للتواصل مع قيادة الجيش في شرق البلاد، عكس الدبيبة الذي لم يستطع التحرر من سيطرة الميليشيات، كما لم يخرج من دائرة حساباته السابقة قبل أن تتغيّر الأحداث، ومن بينها انفتاح النظام التركي على الشرق الليبي ودخوله في مفاوضات مباشرة مع زعاماته السياسية والاجتماعية والعسكرية.

ويعتبر حفتر الرجل القوي في شرق البلاد، بينما يعتبر باشاغا الرجل القوي في غربها، وهو ما يفسح أمامهما المجال لتوحيد الجهود في اتجاه اتخاذ مواقف شجاعة لمواجهة إرث السنوات العشر الماضية من الأزمات والانقسامات، بعد أن فشل الدبيبة في إبداء أي رغبة في تجاوز الانقاسم السياسي والاجتماعي بين طرابلس وبنغازي.

Thumbnail

وبالمقابل، أكد عضو مجلس النواب جاب الله الشيباني، أن “الحكومة الحالية انتهت شرعيتها، وكان على مجلس النواب إما إعادة تكليف رئيس الحكومة، وإما التوجه نحو تشكيل جديدة”.

وتابع الشيباني أن “الوجوه المتصارعة على السلطة والمال، والتي لا تعبأ في الغالب بخدمة الوطن، ستكون أيضا في الحكومة القادمة”، مردفا أن “حالة من الضجر أصابت المواطنين من تغيير الحكومات دون تحسن أوضاعهم المعيشية”، وداعيا “الجميع إلى إيجاد قدر من التفاهم لتفادي تخوف الشارع من حدوث صدام مسلح بين الحكومة الحالية والمنتظرة، أو العودة إلى المربع الأول بوجود حكومتين”، وهو موقف بات مطروحا بقوة في الشارع الليبي بالتزامن مع ارتفاع نبرة التحذير من إمكانية الدفع بالبلاد إلى مواجهات جديدة في حالة تشكيل حكومة من قبل مجلس النواب يتصدى لها رئيس الحكومة الحالية عبدالحميد الدبيبة بالامتناع عن التخلي عن منصبه، وهو ما سبق أن أشار إليه بوضوح خلال الأيام الماضية.

وأبرز محمد عمر بعيو، رئيس المؤسسة الليبية للإعلام الملغاة، أن حكومة الدبيبة ليست حكومة على الإطلاق، لأنها فاقدة للشرعية ومسحوبة منها الثقة، مؤكدا أن “لا أحـد سيموت دفاعا عن حكومة المُفسدين”.

المتحدث باسم مجلس النواب عبدالله بليحق يؤكد أن تغيير الحكومة ليس خيارا للبرلمان، لأن الحكومة انقضت ‏مدتها، بحكم قرار منحها الثقة

وقال بعيو الذي يتحدر بدوره من مدينة مصراتة، متوجها إلى “الذين يزعمون أن إقدام مجلس النواب على تحمل مسؤوليته الوطنية والقانونية، بتكليف رئيس جديد للوزراء وتشكيل حكومة وحدة وطنية، حقيقية وليست مزيفة، لإنقاذ ليبيا وشعبها، وإجراء الانتخابات سيؤدي إلى وجود حكومة موازية وزيادة الانقسام واشتعال الحرب، أقول: إن مزاعمكم باطلة، وأقاويلكم مردودة عليكم”، مبرزا أن ما نعتها بحكومة “الدبيبات”، “ليست حكومة على الإطلاق، بالمفهومين الشرعي القانوني والوظيفي الأدائي، حيث إنها منتهية الصلاحية والتكليف، فاقدة الشرعية مسحوبة منها الثقة، وهي حكومة لا تعمل في ليبيا كلها ولا حتى في غربها، حيث يقتصر وجودها على مقرها في طريق السكة”.

ورغم المخاوف المطروحة من التصادم بين الحكومة الحالية والحكومة القادمة، إلا أن المطلعين على مجريات الأحداث يدركون أن التصادم لن يحصل في حال تكليف فتحي باشاغا رسميا بتشكيل الحكومة، وذلك لعدة اعتبارات منها أن باشاغا والدبيبة ينتميان إلى مدينة مصراتة التي ستتدخل بقوة عبر جبهتها الواسعة وفعالياتها السياسية والاجتماعية والعسكرية لمنع أي مواجهة، وستتجه الأغلبية لدعم باشاغا نظرا للرصيد الشعبي المهم الذي يحظى به، ولقدرته على القيام بخطوات جريئة عجز الدبيبة على أن يأتي بمثلها في سبيل حلحلة الأزمة نهائيا والانطلاق رسميا نحو انتخابات يتم التوافق على قاعدتها الدستورية بين مختلف القوى الفاعلية حاليا.

4