كمال رزيق وزير يتحول إلى خطر على الأمن الغذائي للجزائريين

المسؤول الجزائري ينجح في تغيير ألوانه السياسية ويفشل في حل أزمات بلاده.
الخميس 2022/02/03
لا يضع يده على قطاع إلا ودبت فيه مشكلة

من مدرّجات جامعة البليدة وبعض بلاتوهات التلفزيونات الخاصة سوّق الأكاديمي كمال رزيق لنفسه كمعارض لنظام الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، فكان ينتقد مختلف السياسات الاقتصادية والاجتماعية المنتهجة من طرف مختلف الحكومات، غير أن الرجل ما لبث أن غيّر ثوبه السياسي بمجرد أن عيّن وزيرا للتجارة في عهد السلطة الجديدة، والتي يجمع الجزائريون على أنها امتداد لنفس النظام ولا مكان للتغيير فيها.

ظل رزيق ينتقد ممارسات حكومات بوتفليقة، ويترافع لصالح إسقاط مشروع العهدة الخامسة، وإلى جانب حق الجزائريين في التغيير السياسي وتكريس الحقوق والحريات الأساسية، فظهر أمام الرأي العام كأحد البدائل التي يمكن الرهان عليها في المجال الاقتصادي في مشروع القطيعة.

لكن رزيق، الذي استدعي منذ مطلع العام 2020 لشغل منصب وزير التجارة وتطوير الصادرات، غيّر لونه السياسي تماما، وتحول الى ذراع قوية تعمل على تحدي الطروحات المعارضة للسلطة، ولا يتوانى في تقديم أجندة السلطة الجديدة كملاذ وحيد للجزائريين، رغم أنه بات يمثل أحد النماذج الفاشلة في إدارة القطاع وفي الدعاية لمشروع الحكومة.

وبخطابات وممارسات شعبوية، باشر رزيق الذي حافظ على منصبه في حكومتي عبدالعزيز جراد، وأيمن بن عبدالرحمن، باستقطاب الأضواء الإعلامية عبر طلاّت ميدانية مثيرة، ثبت لاحقا أنها كانت مدخلا إلى مشروع شعبوي تحول إلى أزمة مركبة.

الأستوديوهات لا تصنع الكفاءات

 الوزير قليل الحظ يجد نفسه في كل مرة في قلب حملة يمتزج فيها التذمر بالسخرية
 الوزير قليل الحظ يجد نفسه في كل مرة في قلب حملة يمتزج فيها التذمر بالسخرية

نزل في أيامه الأولى على رأس الوزارة إلى أسواق الجملة، والمحال التجارية فتفقد البضائع ونهر التجار، وفي كل مرة يتحدث فيها عن مسألة تتحول إلى أزمة. وعد الجزائريين بوفرة السلع في شهر رمضان، وباستهلاك اللحوم بأسعار معقولة، لكن الحاصل لا وفرة ولا أسعار معقولة ولا لحوم، ولما سئل عن القضية رمى بالكرة في مرمى جمعية الموالين ومربي المواشي التي لم تلتزم بالتعهدات التي قطعتها معه.

وإذا كانت الحكومات التي انبثقت عن المرحلة السياسية الجديدة قد فشلت في تحقيق طموحات الجزائريين، فإن رزيق، يعد أبرز الوزراء الفاشلين، فلا يضع يده على نشاط أو قطاع إلا ودبت فيه مشكلة، لدرجة أن تحول إلى مصدر للتطير والتهكم على شبكات التواصل الاجتماعي، فقد وعد بحل أزمة الحليب في ظرف أسبوع، فمر عامان والندرة ماضية في التفاقم، وتوعد بحرب شرسة على المضاربين والمحتكرين، فاضطر باسم الحكومة إلى حظر بيع زيت الطهي للأطفال، في سلوك مثير وغير مسبوق في تاريخ ممارسات المؤسسات الرسمية في البلاد.

يقول الكاتب والإعلامي عابد شارف عن وضع رزيق حالياً إن ”هذا الرجل فقد صوابه وأصبح يشكل خطرا على الدولة ومؤسسات الدولة والاقتصاد”، وهذا الرأي هو واحد من آراء الكثير من الجزائريين الذين اعتبروا الوزير المذكور قد تجاوزته الأحداث ولم يعد قادرا على تسيير قطاعه، خاصة بعدما قرر منع بيع الزيت للقصّر.

ويذكر بعضهم في تغريدات واسعة الانتشار أن رزيق ومن دون أدنى شك ”لا يملك الكفاءة ولا الحنكة“ لتسيير قطاع التجارة حيث اللوبيات والشبكات المافياوية والتهريب عبر الحدود. ولا شك أيضا أن رزيق لا يتحمل المسؤولية وحده، لأن الفساد في قطاعه قديم وقديم جدا، ولا يمكن إصلاح ما أفسده الدهر في لحظة، ولكن يمكن لرزيق أن يرمي المنشفة ويستقيل قبل أن يقال.

مؤامرات في عقل النظام

جولات رزيق على الأسواق لنهر التجار تعطي مفعولاً عكسياً
جولات رزيق على الأسواق لنهر التجار تعطي مفعولاً عكسياً

سبق للوزير الراحل بختي بلعايب أن صرح لوسائل الاعلام بأنه “هدد في مكتبه من طرف أحد أباطرة الاستيراد“، وأضاف “لا أستطيع غلق محل بيتزا في العاصمة لأن ملاكها من النافذين”، وكان يقصد أنه رهين للّوبيات من جهة والسياسات المنتهجة من طرف الحكومة من جهة أخرى، لكن الذي يحسب عليه أنه وقع في مطب تبرير ما لا يبرر، وتجاهل واقعا لا يمكن إنكاره.

وبدل الاعتراف بأزمة الندرة في بعض المواد الاستهلاكية، راح يصدر قرارا يمنع بيع الزيت للقصَّر، الأمر الذي فتح الباب أمام حملة سخرية وتصاعد المطالب بتنحية هذا الوزير لأنه فشل في توفير حلول للمشاكل التي تقلق المواطنين، ومنها ارتفاع الأسعار.

وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام حملة استهدفت رزيق إثر إصداره قراراً يمنع بموجبه بيع مادة زيت المائدة للقصّر، وقد وصف العديد من الأطراف هذه الخطوة بالغريبة، لكن رزيق دافع عن القرار، وقال إن “حظر بيع الزيت للقصّر لم يكن اعتباطيا، وإن فرق الوزارة بالتعاون مع مصالح الأمن راقبت أشكال السلوك الاستهلاكي منذ شهر، ولاحظت أمراً غريبا تمثل في استغلال الأطفال من طرف بعض عديمي الضمائر”.

وأضاف ”كاميرات المراقبة بينت أن هؤلاء يرسلون الأطفال لشراء هذه المادة من المحال، فيما يبقون هم في الخارج. وهو نوع من أنواع المضاربة، ما استلزم اتخاذ قرار منع الأطفال من شراء زيت المائدة، وأن تذبذب توزيع زيت المائدة في بعض المحافظات ضغط وليس أزمة كما يروّج لها البعض”.

ويجمع المختصون في الجزائر على أن قرار منع القصّر من شراء الزيت لا يمكن النظر إليه على أنه قادر على ضبط السوق، لأنه بعيد عن المشكل الحقيقي الذي يحتاج إلى نتائج واضحة من لجنة التحقيق التي أقرّها مجلس الأمة، وأن الأمر يتطلب مراجعة المنظومة الاقتصادية في مجال السلع الأساسية، وهو الأمر الذي باشرته الجزائر بموجب قانون المالية للسنة الحالية، الذي يؤكد مراجعة أسلوب الدعم المباشر الذي أرهق الحكومة والشعب في عدد من السلع والخدمات.

ويشير هؤلاء إلى أن الوضع يجعلنا أمام حتمية وجود منظومة تخزين استراتيجي من السلع الضرورية التي يتم توفيرها في السوق في حال وجود أزمة مماثلة، وإلى ضرورة توافر جهة رسمية تكون مهمتها تفنيد الإشاعات والأخبار المغلوطة، أما ارتفاع الأسعار فهو وليد ظاهرة عالمية ناجمة عن جائحة كورونا، والجزائر ليست استثناء من دول العالم، إلا أن الذي ينقص في مثل هذه الحالات هو الشفافية والخطاب الصريح مع الشعب بالواقع الحالي الذي يدعو إلى التحلي بالمزيد من الصبر.

لكن للحكومة ولوزير التجارة رأي آخر في المسألة، فمنذ اندلاع حالات التذبذب والندرة، يتم الترويج لخطاب التآمر على الاستقرار الاجتماعي وتأليب الشارع على السلطة العمومية، بينما يجري تجاهل الأسباب الحقيقية للأزمة التي تعصف بالقطاع التجاري والاقتصادي بشكل عام.

المواطن هو سبب الأزمة

Thumbnail

ويرى خبراء في القطاع بأن هناك فجوة تأخر واضحة بين الآليات التقليدية غير الفعالة التي تعتمد عليها وزارة التجارة وواقع سلوك وجب تداركه والتحكم فيه، خصوصاً إذا ما كان الموضوع يتعلق بالاستقرار الاجتماعي وتهديد الأمن الغذائي للمواطن الجزائري، وأن قرار الحكومة إعادة النظر في نظام الدعم الاجتماعي ضمن موازنة العام الجاري ليس بمعزل عمّا يحدث اليوم، فخلق أزمات ندرة المواد الاستهلاكية الأساسية على الرغم من وفرتها في المستودعات يعتبر رد فعل ومقاومة للتغيير.

ويلفت هؤلاء إلى أن التوجه الطموح للجزائر في إرساء نوع من التوازن والثبات على سيرورة الإنتاج المحلي، يستدعي نجاعة وجهودا وآليات أكثر فاعلية على مستوى وزارة التجارة ومديرياتها، ما من شأنه أن يرقى إلى جهود السلطات لاسترجاع النظام العام في مجال المواد الغذائية والاستهلاكية والقضاء على المضاربة والتجاوزات، وإلى ضرورة مراجعة وتيرة تفاعل مصالح وزارة التجارة مع مشكل المضاربة وعدم الامتثال للقوانين واللوائح التي تضمن المنافسة السليمة والتسعير العقلاني والاستثمار المستدام في إنتاج المواد الاستهلاكية على غرار زيت الطهي، وليس الاكتفاء بالتحركات الميدانية بين حين وآخر من دون تفعيل خطة عمل واضحة وصارمة لمراقبة عمل كل مكونات السلسلة وتنظيمها.

لكن لوزير التجارة رؤية أخرى زادت من قلق الجزائريين، حينما صرح بأن “الجزائر ستصبح البلد رقم واحد في أفريقيا في تصدير المادة الخام من الزيت”، واكتفى بدعوة مواطنيه إلى ترشيد في الاستهلاك، ووجه أصابع الاتهام إلى “القنوات الخاصة وبعض الصفحات في مواقع التواصل الاجتماعي، بتأجيج الوضع ومحاولة النفخ في أزمة الزيت “.

شحّ المواد الغذائية لا يعني للوزير رزيق شيئاً، فهو يقول إن الجزائر ستصبح البلد رقم واحد في أفريقيا في تصدير الزيت الخام، وفي نفس الوقت يدعو مواطنيه إلى ترشيد استهلاك الزيت

وشدد على أن أزمة الزيت أخذت بعدا إعلامياً كبيرا في إطار خدمة أجندات غير وطنية، وأن سلوكيات المواطن الذي يرضخ للإشاعات ويقتني المواد بالضعف لغرض التخزين هي سبب الندرة، وما يشاع عن الأزمة لا علاقة له بالوفرة بقدر ما هي إشكالية مضاربة واحتكار.

وحتى أقرب الشركاء إليه ”جمعية المؤسسات المهنية“ اعتبرت قرار وزير التجارة غير مدروس، وجاء كردّ فعل على أزمة التحكم في إنتاج مادة الزيت وتوزيعها، فهذه المادة حساسة في السوق، إذ يكفي أن تنتشر إشاعة عن ندرتها فيتحول الأمر مباشرة إلى أزمة حقيقية، وإذا كان ارتفاع الأسعار مشكلا عالميا بحسب منظمة التغذية العالمية، فإنه بات من الواجب إعادة النظر في عملية توجيه الدعم.

هذا الوزير قليل الحظ الذي يتندر به الجزائريون يجد نفسه في كل مرة في قلب حملة يمتزج فيها التذمر بالسخرية، وحتى فرحته بالكأس العربية لكرة القدم المحققة في قطر رفقة زملائه في الحكومة، قبضت أنفاس الأنصار وبالفعل خرج المنتخب منكسرا من الدور الأول في كأس الأمم الأفريقية.

أحد التجار توسل إلى رزيق في تسجيل له، كي لا يقوم بزيارة محله أو مدينته، فالركود الكبير في النشاط التجاري السائد يكفي الرفاق بؤسا، وعلق قائلاً “حتى أشجار الزيتون التي أملكها أرجو ألا تنظر اليها”.

ولحظه العاثر منذ تنصيبه على رأس الوزارة، تكررت الأزمات على قطاعه، وألّب عليه خطابه الشعبوي موظفي الوزارة وكوادرها في بداية الأمر، ويبدو أن رزيق لم يفهم اللعبة، ولذلك وجد نفسه ضحية قطاع تعصف به الأزمات وتهيمن عليه اللوبيات.

12