على الكتاب الشباب أن يحذروا من الجوائز الأدبية

الأدباء الشباب المغاربة ثروة إبداعية تحتاج إلى عناية أكبر.
الاثنين 2022/01/10
كتابات الشباب مغامرات جمالية أخرى (لوحة للفنان تحسين الزيدي)

الكتاب والأدباء الشباب في المغرب صفة تحمل وجوها عديدة، منها ما هو محاولة للحط من الإنتاج الأدبي الذي يكتبه الشباب، بنعته بالأدب الشبابي استبطانا لعدم نضجه، ومنها ما هو تصنيفي لأدب يحمل في عمقه بذور ثورته، ولكن يبقى المنتج الأدبي الذي يقدمه الشباب ونجاحاته الهامة في أغلب الجوائز العربية دلالة على أهميته، وهو ما نناقشه مع عدد من الكتاب المغاربة.

أسماء جديد شابة برزت في سماء الكتابة بالمغرب واستطاعت أن تتفوق على الظروف الصعبة المثبطة، فأعلنت عن صوتها عاليا في حقل الإبداع الأدبي المغربي، رغم شكواها من قلة الدعم المادي والمعنوي من الجهات المسؤولة عن الشأن الثقافي، إلى جانب إشكالات النشر وتعقيداته.

فإذا كان الأدباء الشباب ثروة إبداعية تحتاج إلى التعريف بها وإدماجها في الحقل الثقافي المغربي فإن المسؤولية الملقاة على المؤسسات المعنية بالثقافة في المغرب تتمثل في احتضان مشاريع إبداعية لهؤلاء الأدباء الشباب والعناية بهم على كافة المستويات.

دعم الشباب

للجوائز دور فعال في التعريف بالأدب المغربي في المحافل العربية والدولية، لكنها أحيانا تتحول إلى فخ

يتساءل الروائي عبدالمجيد سباطة “هل هناك مشروع واضح لاحتضان المبدعين المغاربة خاصة منهم أبناء الأجيال الجديدة، من خلال المساهمة في التعريف بإبداعاتهم وفق خطط محكمة تتضمن تذليل عقبات النشر التي تواجههم، ثم الاهتمام النقدي الممنهج بأعمالهم وإدراج مؤلفاتهم في المناهج التعليمية وعقد سلسلة من اللقاءات بينهم وبين القراء وتشجيعهم على مواصلة الإبداع؛ وذلك من خلال تقديم منح تفرغ للكتابة تعتمد بالأساس على جودة المشروع وجدارته وتفرده لا اسم صاحبه؟”.

ويضيف المبدع المغربي، في حديث لـ”العرب”، “هل سنظل أسرى حلقة مفرغة تعتبر أن الإبداع المغربي هو فلان وعلان، وأن كل ما يكتبه الجيل الجديد لا يرقى إلى المستوى (أي مستوى؟ لا ندري!)، قبل أن تأتي ‘مفاجآت’ التتويج أو الترشح في القوائم الطويلة والقصيرة لعدد من الجوائز العربية والعالمية؟”.

ودائما في موضوع الصناعة الثقافية والإبداع الشبابي المغربي يؤكد الروائي عبدالباسط سخنيني لـ”العرب” أنه “لا أحد يستطيع أن ينكر أن الشباب ركيزة ورافعة مهمة لكل نهضة، بما في ذلك النهضة الثقافية، مع الأسف مازال البعض من القيمين على بعض المؤسسات الثقافية لا يلتفتون إلى الشباب مركزين جل اهتمامهم على الأسماء المكرسة حتى وإن كانت بعض هذه الأسماء قد نضبت إبداعيا”. مضيفا أن “ما يميز الإبداع الشبابي بالأساس هو روح التجديد، سواء من حيث الثيمات المُشتغل عليها أو من ناحية تقنيات الكتابة، هذا التجديد الذي أصبح مطلبا أساسيا لضمان موطئ قدم للأدب المغربي في الساحة العربية والعالمية في ظل كل هذا الزخم الذي أصبح يعرفه حقل الأدب”.

ويعود سباطة مشددا على أنه شيئا فشيئا تمكن المبدعون المغاربة الشباب (وإن كان هذا التصنيف أصلا موضع نقاش، ما دام الإبداع غير خاضع لسن معين) من فرض كلمتهم ومن نزع اعتراف القراء بهم وبإبداعاتهم. ولكن يبدو أن معظم هؤلاء قد شقوا طريقهم بمفردهم، معتمدين على مجهودهم الذاتي وعلاقتهم المباشرة بالقراء، خصوصا مع الخدمات العظيمة التي قدمتها وسائل التواصل الاجتماعي (مع كل سلبياتها بالطبع). وهذا بعيدا عن المؤسسات الرسمية التي عجزت معظمها عن مواكبة التطورات الحالية في الساحة الثقافية العربية والعالمية، وظلت أسيرة ديناميكية بالية تجاوزتها الحقبة الحالية.

وعلى ذكر دعم المؤسسات الرسمية للفعل الثقافي الإبداعي الشبابي، وسعيا منها لتقريب المسرح المغربي من الجمهور الواسع، وتشجيع الشباب المبدع في الشق المتعلق بالتأليف، ستطلق وزارة الشباب والثقافة تظاهرة مسرحية سنوية تحت شعار “المسرح يتحرك”، وتسجيل ستين عملا مسرحيا واقتناء حقوق بثها عبر قنوات الشركة الوطنية، وعبر المنصة الرقمية لقطاع الثقافة، وستحدث لجنة مشتركة لاختيار الأعمال التي سيتم تسجيلها وبثها وانتقاء ثلاثة منها للفوز بجوائز هذه الدورة، إضافة إلى جوائز في كل من الإخراج والسينوغرافيا والنص والتشخيص ذكورا وإناثا، وذلك تشجيعا على إحداث وتطوير الصناعات الثقافية والإبداعية الوطنية.

وفي هذا الصدد يعتقد الكاتب والقاص يوسف كرماح أن الكتابة الآن بشتى فروعها تطورت؛ فالأساليب والتقنيات التي يكتب بها جيل الأدباء الشباب مختلفة عما عرفه أبناء الجيل الذين تربينا على كتاباتهم، والشباب يملكون وجهات نظر جديدة ومنفتحون على وسائط التواصل التكنولوجية، وكتاباتهم تطرح أمورا ووجهات نظر متعلقة بما يعرفه عصر التحولات التكنولوجية، على عكس الكتاب القدامى الذين يكتبون وفق رؤيتهم لحقبة لم تعد شروطها قائمة وليسوا منفتحين أكثر على مفاهيم الحداثة سواء من ناحية البناء أو من ناحية التناول. فكتابات الشباب تحتوي على جرعة كبيرة من الجرأة في الاشتغال على مواضيع مستجدة تنهل من تقنيات الأدب العالمي وما تقدمه الثقافة المعاصرة وحتى مما تحمله السينما  من رؤى مبتكرة.

ويرى الكاتب عبدالباسط سخنيني أنه ينبغي للقائمين على الشأن الثقافي أن ينظموا مسابقات وطنية ومحلية لاكتشاف الأقلام الواعدة وتشجيعها. كما يجب على الوزارة المعنية إحياء مبادرات لتشجيع هؤلاء الشباب كمبادرة الكتاب الأول التي تبنتها في العقد الماضي، فعملية النشر والتوزيع تبقى أحد أهم العوائق في وجه المبدع الشاب، ويجب أيضا على المجلات الثقافية والبرامج الإذاعية والتلفزيونية أن تمنح مساحة أكبر لهؤلاء الشباب وأن تعرّف بأعمالهم، حسب رأيه.

فالرواية الشابة مثلا تحتاج إلى تحفيز أكثر وتقديم الدعم لكتابها في تعاملهم مع دور النشر والمؤسسات المعنية بالثقافة، كما يرى يوسف كرماح، في تصريح لـ”العرب”، خصوصا وأن بعض دور النشر لا تشجع الكتابات الشابة وإيمانها بالربح المادي يجعلها لا تغامر إلا مع أسماء مخضرمة ولا تنفتح على أسماء شابة لا تملك حضورا على الساحة الثقافية والإبداعية. وعلى وزارة الثقافة أن تحدث جائزة للشباب المبدع كما هو الشأن مع جوائز الصحافة، وأيضا التكفل بنشر الأعمال الجيدة لكتاب شباب تزخر بهم الساحة الثقافية المغربية وكتاباتهم متطورة ولها وقع جيد، كما أن على الصحافة الاهتمام بالمنتوج الإبداعي الشبابي.

الجوائز نقمة ونعمة

Thumbnail

مشاركة الأدباء الشباب المغاربة في القوائم الطويلة أو القصيرة للقصة والرواية وغيرها من الأجناس الأدبية، اعتبرها البعض خدمة للإبداع المغربي وإشعاعه، ومحفزا إضافيا للمبدع الشاب، إذ أن الحضور المغربي الشاب في حقل الإبداع الروائي كان بارزا لسنوات، وقد ضمت القائمة الطويلة للبوكر يوسف فاضل عن روايته “حياة الفراشات” الصادرة عن دار المتوسط، إلى جانب 14 كاتبا آخر انتقتهم اللجنة من ضمن 121 عملا روائيا تم تقديمه للجائزة.

وخلال العام 2021 وصل الكاتب الشاب عبدالمجيد سباطة إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) بروايته “الملف 42″ الصادرة عن المركز الثقافي العربي سنة 2020؛ رواية وجدت لجنة التحكيم أنها تحمل مواصفات العمل الجيد، حيث وصفها رئيس اللجنة الأديب والشاعر اللبناني شوقي بزيع بـ”التحفة الروائية بأتم معنى الكلمة”.

وفي هذا الصدد يرى سباطة، في حديثه لـ”العرب”، أن “للجوائز دورا مميزا وفعالا في التعريف بالأدب المغربي في المحافل العربية والدولية”، مشيرا إلى أنه “بعدما كادت القطيعة تحصل بين القارئ المغربي والرواية المغربية لسنوات تبادلا خلالها الاتهامات حول الجودة ومستوى التلقي، شهدت السنوات الأخيرة حركية لا تغفلها العين حيث فاز كتاب مغاربة شباب ونافسوا بقوة على جوائز وطنية وعربية وربما دولية، فعرفهم القارئ المغربي وناقش أعمالهم، وانتظر جديدهم”.

بعض القيمين على المؤسسات الثقافية في المغرب لا يلتفتون إلى الشباب مركزين جل اهتمامهم على الأسماء المكرسة

ويضيف الكاتب أن “الأمر تحول إلى ما يشبه المسؤولية أو الثقة بين الكاتب والقراء، بما يحفزه على تطوير أدواته والسعي دوما لتقديم الأفضل، ولكن وجب التذكير بأن الجوائز غير قادرة وحدها على التحكم في ذائقة القارئ كما أنها أحيانا تتحول إلى فخ؛ فقد يصاب كاتب (خصوصا إن كان شابا) بالتشبع بعد فوزه في بداية مشواره بجائزة مرموقة، أو بالإحباط بعد ‘حرمانه’ من جائزة مستحقة، فيتراجع إبداعه بعد ذلك أو ربما ينقطع، لذلك وجب أن يعتمد المبدع بالأساس على مشروع واضح المعالم، تكون الجوائز فيه تشجيعا وتتويجا، لا غاية بحد ذاتها”.

وتميزت جائزة كتارا للرواية العربية في دورتها السابعة (2021) بفوز الكاتب المغربي الشاب يونس أوعلي، الذي يتابع دراسته في معهد للتكنولوجيا التطبيقية، في فئة الرواية غير المنشورة عن مخطوطه “أحلاس، ذاكرة أليمة المدى”.

ومن وجهة نظره يعتقد كرماح أن “الجوائز نعمة ونقمة على الكاتب الشاب، فأحيانا عند حصول الكاتب على إحدى الجوائز في ريعان شبابه قد تؤثر عليه سلبا إذا اعتقد أن تلك الجائزة تؤهله لكي يصبح لامعا ويكتفي بها ولا يطور ذاته الإبداعية، وبالتالي فهذه الجوائز ليست معيارا لجودة الأعمال فهناك مثلا أعمال جيدة لم تصل إلى القائمة النهائية في البوكر العربية”. فالجوائز بالنسبة إليه مهمة وتشجيعية وتساهم في إبراز شخصية الكاتب وأعماله ومع ذلك على الكتاب الشباب ألا يتأثروا بهذه الجوائز واعتبارها نهاية المطاف حتى لا يصابوا بآفة الغرور، وعندما يكتب الكاتب الشاب فيجب أن يستحضر القيمة الإبداعية والإنسانية أثناء كتابته للرواية أو القصة وألا يبقى رهين سباق الجوائز، فمثلا عندما يفوز عمل تناول موضوع الصوفية أو المخطوط تجد النصوص المقبلة تنحى نفس الاتجاه، وهذا ما يفرغ العمل الإبداعي من قيمته.

فيما يؤكد سخنيني أنه “لطالما كان للشباب المغاربة حضور دائم في جل الجوائز العربية سواء في الرواية أو القصة، في الشعر أو النقد، حيث توج مؤخرا يونس أوعلي في صنف الرواية غير المنشورة في آخر دورة من دورات جائزة كتارا وقبلها توج المغربي الشاب طه الحيرش بنفس الجائزة في دورتها الثالثة، كما توج المغربيان السعيد الخيز وفتوى الحمري بجائزة الطيب صالح في دورتها العاشرة. ووصلت رواية عبدالمجيد سباطة إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر في آخر دوراتها وقبلها وصلت رواية “نوميديا” لطارق البكاري هي الأخرى إلى القائمة القصيرة لنفس الجائزة، كما تأهل عمر الراجي إلى نهائيات مسابقة أمير الشعراء، وعموما لا تكاد تمر جائزة دون أن تسجل حضورا لأحد الشباب المغاربة ضمن لوائحها”.

Thumbnail
13