إلى أين تتجه المعركة بين مجلس القضاء وقيس سعيد

تصاعد التوتر بين المجلس الأعلى للقضاء والرئيس التونسي قيس سعيد بشكل غير مسبوق، وذلك على ضوء محاولة وضع مرسوم رئاسي يحل محل القانون الحالي للمجلس وهي خطوة يرفضها الأخير، ما يؤشر على احتدام المواجهة في المرحلة المقبلة خاصة أن الرئيس سعيد أشار الخميس إلى أن المرسوم سيكون جاهزا حتى قبل الخميس المقبل.
تونس - تلوح في الأفق بوادر مواجهة مفتوحة على كل السيناريوهات بين القضاة في تونس والرئيس قيس سعيد في ظل رفض هياكل هؤلاء لخطط وضعتها الحكومة برئاسة نجلاء بودن لإصلاح القطاع.
وتصاعدت في الأيام الأخيرة السجالات بين الطرفين في أعقاب لقاء عقده الرئيس سعيد مع عميد المحامين إبراهيم بودربالة تطرق فيه لمرسوم تعكف وزيرة العدل ليلى جفال على إعداده ليحل قانونا للمجلس الأعلى للقضاء الذي رد في بيان برفض هذه الخطوة.
والخميس رد الرئيس التونسي خلال انعقاد مجلس الوزراء على هذا الرفض قائلا إنه لا وجود لدولة القُضاة
بل يوجد قُضاة الدولة وهو ما يدفع إلى التساؤل عن السيناريوهات المحتملة لهذه المواجهة خاصة أن الحكومة تبدو مصممة على إصدار مرسوم ينظم عمل المجلس.
وقال الرئيس سعيد “لا دخل للقضاة في الانقلابات وعليهم التزام الصمت احتراما لواجب التحفظ”.
لم يتردد الرئيس سعيد منذ فترة في توجيه وابل من الانتقادات إلى القُضاة، خاصة بعد التلكؤ في حسم عدة قضايا على غرار الاغتيالات السياسية التي عرفتها تونس بعد ثورة الرابع عشر من يناير 2011 والتي طالت سياسيين بارزين على غرار القياديين اليساريين شكري بلعيد ومحمد البراهمي والقيادي بحركة نداء تونس لطفي نقض.
قضاء مسيَس
تدرج الرئيس سعيد من انتقاد قضاة قال إنهم مسيسون ومن تسرب السياسة إلى قصور العدالة وفق وصفه إلى اقتراح تغيير قانون المجلس الأعلى للقضاء، وهو ما جوبه بالرفض التام من قبل المجلس الذي يُعد مؤسسة دستورية مستقلة.
وقال الخميس إن “المرسوم المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء، الذي تعده وزارة العدل، سيكون جاهزا قريبا وربما قبل الخميس المقبل”، في خطوة قد تسرع في وتيرة المعركة بين القضاة والرئيس سعيد.

وقال المحامي حازم القصوري إن “المجلس الأعلى للقضاء تتجسد فيه المحاصصة وجرى تفكيكه خدمة لمصالح سياسية، لن يتم الانتظار كثيرا، في اعتقادي أنه سيتم البت نهائيا في مصير المجلس في الأيام المقبلة".
وأضاف القصوري في تصريح لـ"العرب" أن "العشرية السوداء التي عاشتها تونس تميزت بخرق واضح للقضاء بأدلة دامغة بإعفاء قضاة من طرف نورالدين البحيري (وزير العدل الأسبق) والقصد الأساسي التنكيل بهم لأنهم نظروا في قضايا تهم حركة النهضة".
وتابع أن "رئيس الجمهورية سيراجع المنظومة القضائية وأكبر مراجعة تمر من خلال المجلس الأعلى للقضاء الذي يستغل من المجموعة الوطنية أموالا كثيرة وامتيازات، لقد تحول إلى دولة داخل الدولة، أكبر اختبار كان للمجلس بتعلة الحصانة القضائية".
ويأتي ذلك في وقت تم فيه وضع البحيري قيد الإقامة الجبرية قبيل حلول العام الجديد في خطوة أثارت جدلا واسعا لكن مراقبين ربطوها بملف القضاء واستقلاليته.
وقال القصوري "إيقاف البحيري مثّل رفعا نهائيا ليده عن القضاء، رئيس الجمهورية يحاول الحفاظ على مؤسسات الدولة".
ودعا عضو الحملة التفسيرية للرئيس سعيد رضا شهاب المكي ضمنيا مساء الخميس إلى تطهير القضاء، قائلا في تدوينة نشرها على صفحته بموقع فيسبوك “أعتقد أنه بات من الواضح أن الجوقة السياسية بمجلس نوابها ليست وحدها من تمثل الخطر الداهم أو الجاثم على صدور أبناء شعبنا وأمام مصالحه وتوقه للتطهير والإصلاح، بل هنالك مجالس أخرى نست أو تناست أنها مرفق يشتغل داخل الدولة التونسية وليس خارجها".
واستنتج “أعتقد أيضا أن الحلول القيصرية في مجابهة هذه المشكلة أصبحت أمرا ضروريا". وفي مقابل الدعوات إلى حل المجلس الأعلى للقضاء، تُحذر أوساط سياسية وحقوقية من الخطوة المحتملة خاصة في ظل التوتر السياسي الذي يُخيم على البلاد قبل وبعد الخامس والعشرين من يوليو، تاريخ اتخاذ الرئيس سعيد للإجراءات الاستثنائية بعد تفعيله للفصل 80 من الدستور الذي يُنظم الحالة الاستثنائية.
معركة خاسرة
ووصف الناشط السياسي منجي الحرباوي ما يحصل بين القضاء والرئيس سعيد بالمعركة لكلا الطرفين قائلا إنه “من الأجدى إصلاح القطاع بعيدا عن هذا التصعيد".
وأردف الحرباوي في تصريح لـ"العرب" أن "العلاقة متوترة جدا بين الطرفين، السلطة التنفيذية لديها برنامج متكامل في علاقة بمكافحة الفساد وغيره، لكن يبدو أن السلطة القضائية غير متناغمة مع هذا البرنامج ويبدو أنها لم تكن مستعدة للسرعة التي تتوخاها السلطة التنفيذية ورئيس الجمهورية يُحمل كل المسؤولية للمجلس الأعلى للقضاء وهو أمر غير صحيح".
وتابع أن "السلطة القضائية ليست خاضعة لسيطرة المجلس، هو جزء منها وليس له الحق في التدخل في القضاة، أعتقد أن رئيس الجمهورية مخطئ في ضغطه على المجلس، المجلس ليست له أي سلطة مباشرة على القضاة لتحريك الملفات التي يريد رئيس الجمهورية تحريكها".

لطالما دعا الرئيس سعيد القضاة إلى التحرك خاصة في ملفات حساسة على غرار تقرير محكمة المحاسبات، وهي أعلى هيئة قضائية رقابية في البلاد، بشأن الإخلالات التي عرفتها الانتخابات العامة السابقة لأوانها في 2019.
وتُعد دعوة المجلس الأعلى للقضاء منظوريه إلى تحمل مسؤولياتهم في محاربة الفساد والإرهاب والبت في النزاعات في آجال معقولة في بيانه الصادر في الخامس من يناير الجاري من المرات النادرة التي يتطرق فيها المجلس لهذه النقاط سواء النظر في قضايا الإرهاب أو الإسراع في البت في القضايا.
لكن الثابت أن الأيام المقبلة ستشهد تطورات في المعركة بين الرئيس سعيد والمجلس الأعلى للقضاء خاصة في ظل تشبثه بإصدار مرسوم جديد يحل محل القانون الحالي للمجلس ورفض الأخير لذلك، وأيضا بعد دخول أطراف سياسية معارضة على خط المواجهة.
والجمعة دعت مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" المحسوبة على حركة النهضة الإسلامية إلى "الوقوف بجانب السلطة القضائية والدفاع عن استقلاليتها أمام محاولات وضع اليد عليها".
وأضافت في بيان أنها "تتابع بكثير من الانشغال والقلق تزايد تدخل سلطة الأمر الواقع في الشأن القضائي، وهو أمر بدأ مع خطاب الخامس والعشرين من يوليو الانقلابي، وأصبح ممارسة متكررة ومتصاعدة بشكل يومي وسياسة منتهجة"، مشيرة إلى أن "سلطة الانقلاب تسعى لاستغلال الظروف الاستثنائية وانفرادها بالسلطة واستعمال آلية المراسيم والأوامر للتدخل في السلطة القضائية بحجة إصلاحها وإعادة هيكلتها، وتتالي المحاولات السافرة لوضع اليد عليها وضرب استقلاليتها".