عودة الحياة إلى طبيعتها في سيناء انتكاسة للمتشددين لكن الإرهاب لم يهزم

الحكومة المصرية أشاعت أجواء من التفاؤل في سيناء بعد نجاحها في إعادة النازحين إليها، لكنها تحتاج إلى خطوات أبعد من ذلك لهزيمة الإرهاب بشكل نهائي، وعلى رأسها تحقيق تنمية شاملة ودائمة تمهد للاستقرار وتكسب ثقة السكان وخاصة القبائل التي ساهمت في هزيمة المتشددين.
القاهرة- كشفت مصادر مصرية لـ“العرب” أن الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بدأت في حصر الأضرار التي خلفتها الحرب ضد الإرهاب في سيناء، من منازل ومزارع ومحال تجارية، بالتزامن مع عودة الأهالي الذين كانوا نزحوا قبل ست سنوات من المناطق التي كانت تشهد مواجهات عسكرية بين الجيش والتنظيمات المسلحة في شبه الجزيرة.
وشهدت الأيام الأخيرة، توافد سكان قرى وسط سيناء والشيخ زويد، وعودة العديد من الأهالي وأولادهم إلى مقار إقامتهم القديمة، حيث رفعت قوات الجيش الحواجز الأمنية من الطرق، وعادت الحياة إلى طبيعتها مرة أخرى، في مؤشر يعكس تعرض تنظيمي ولاية سيناء وداعش إلى هزيمة ساحقة وفشلهما في جعل سيناء بؤرة للإرهاب.
وفتحت مدارس في مناطق كانت ملتهبة، أبوابها لاستقبال طلاب لأول مرة منذ قرابة ست سنوات، حيث كان الأهالي هجروا الشيخ زويد إلى العريش شمالا أو محافظات إقليم قناة السويس، هربا من خطر الإرهاب الذي لم يكن يفرّق بين العسكريين والمدنيين، وبدأت الهيئة الهندسية للجيش ترميم المؤسسات الحكومية التي تعرضت للقصف أو التخريب خلال المواجهات.
ورأى سياسيون، أن عودة سكان الشيخ زويد إلى بيوتهم رسالة توحي بأن الحكومة نجحت في القضاء على خطر الإرهاب الذي ضرب سيناء على مدار أكثر من عشر سنوات كاملة، ويحمل انتكاسة أخرى لجماعة الإخوان التي ظلت تعيش على أمل استمرار التوتر بشبه الجزيرة ليستمر نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي عاجزا عن فرض الأمن والاستقرار في البلاد، باعتبار أن المخاطر الأمنية في سيناء كانت تنعكس على الأوضاع في العديد من أقاليم الجمهورية.
وبرغم امتنان السكان للجيش، لكن مشاهد التخريب والدمار التي خيّمت على المكان، أشعرت العائدين إلى بيوتهم بالغربة عن موطنهم الأصلي. فأغلب المنازل تعرضت للانهيار، وهناك بنايات بدت مدمرة كليّا وتساوت بالأرض، وحتى المزارع التي كانت تمثل مصدر الرزق الوحيد للكثير من الأسر، صارت صحراء جرداء، وكل ذلك في حاجة إلى جهود حكومية ضخمة لتعويض الأهالي بعيدا عن اختزال النجاح في عودة المهجّرين.
ويعتقد خبراء أمنيون أن تصوير عودة الأهالي إلى الشيخ زويد على أنه بمثابة إعلان سيناء خالية تماما من الإرهاب، هو الخطر بذاته، لأن التحديات الأمنية في شبه الجزيرة لن تنتهي بسهولة، والتعامل مع توطين المهجرين في منازلهم الأصلية باعتباره دليلا على ذلك، قد يمهّد الطريق لوجود ثغرات كثيرة ينفذ منها المتطرفون.
وقال اللّواء ناجي شهود مدير المخابرات الحربية الأسبق، إن القضاء على الإرهاب تماما يتطلب مواجهة طويلة، وعودة السكان إلى ديارهم بعد سنوات من النزوح عنها، رسالة طمأنينة بأن الهجمات الشرسة انتهت، لكن الإرهاب بطبيعته قد يعود في أيّ لحظة، لافتا إلى أن النجاح الحقيقي يتمثل في تقزيم خطر التنظيمات المسلحة، أما القضاء عليها نهائيا فهذا في حاجة إلى وقت وتضحيات وصبر.
وأضاف لـ”العرب”، أن أهم نقطة في هذا الملف، أن الطفل الذي كان عمره ثماني أو عشر سنوات، وهجر منزله وأرضه وهو خائف ويعيش الرهبة، عاد إليها بعد فترة قصيرة وهي آمنة، واستمرار هذه الطمأنينة تحتاج إلى جهود كبيرة على الأرض، بأن تكون كل مظاهر الحياة الطبيعية موجودة، من مدارس ومستشفيات ومنافذ بيع ومراكز شباب وغيرها، وهو ما يقوم به الجيش فعلا، لرد الجميل لأهالي سيناء.
ولم تكن لتنجح الحكومة في تحقيق انتصار على الأرض، وحسم المعركة مع الإرهابيين لصالحها، إلا بتعاون قبائل سيناء، إذ لم يكن بوسع الجيش أن يوجه ضربات شرسة، أو يستخدم “القوة الغاشمة”، إلا بتهجير الأهالي من بيوتهم إلى أماكن أخرى، لأن المسلحين كانوا يستخدمون السكان دروعا بشرية لإجبار قوات الأمن على الدفاع لا الهجوم.
وأكد اللواء محمد الغباشي الخبير العسكري، أن الخطة التي اتبعها الجيش المصري ومكّنته من عودة الحياة إلى طبيعتها في سيناء قامت على عدة محاور أهمها أنه قام بتنفيذ خطط عسكرية ركزت على تطهير الأراضي من البؤر الإرهابية سيرا على الأقدام، بمعنى أن هناك قوات تولت مهمة تطهير المناطق واحدة تلو الأخرى، ووضع مرتكزات أمنية في نطاقها لعدم عودة الإرهابيين إليها مرة أخرى.
وكانت العملية الشاملة “سيناء 2018” بداية هذه التحركات، بعد أن حصل رئيس أركان القوات المسلحة الفريق محمد حجازي في ذلك التوقيت على تعليمات حاسمة من القائد الأعلى للقوات المسلحة (السيسي) لإنهاء خطر الإرهاب في خطة زمنية محددة قبل أن يجري تعديلها في العديد من المرات للقيام بالمهمة.
وأضاف الغباشي في تصريح لـ”العرب” أن القوات المسلحة اكتشفت مخابئ للذخيرة ومراكز اتصالات استخدمت وسائل تكنولوجية حديثة ربطت بين العناصر الإرهابية في سيناء والقوى الداعمة لها في الخارج، وقطع التواصل ما بين الجماعات المسلحة سهل مهمة الأجهزة الأمنية، إضافة إلى القيام بهجمات شرسة ومنظمة على أهم معاقل الإرهاب وهو جبل الحلال الذي كان بمثابة بؤرة قيادة العمليات الإرهابية وجرى تطهيره بالكامل.
ويشير عسكريون إلى أن استمرار الهدوء في سيناء لن يتحقق دون تنمية شاملة تمهد الطريق للقضاء على خطر الإرهاب كليّا، وهذه مهمة سهلة تتطلب إرادة حكومية فقط، لاسيما وأن سيناء بها جميع مقومات التنمية، لكن المهم خلال توطين الناس في المناطق التي اعتاد الإرهابيون استغلال الفراغ السكاني بها، لتنفيذ عمليات التدريب والتسليح وشن الهجمات على قوات الأمن.
وظلت سيناء عبارة عن فضاء واسع من التلال والدروب والمخابئ التي استفاد منها الإرهابيون في التوطن وتصنيع الأسلحة وتخزينها والتدرب على القتال، ما يفرض على الحكومة وضع استراتيجية غير تقليدية تستهدف جذب السكان المحليين ومواطني المحافظات المختلفة لملء هذا الفراغ الجغرافي الذي طالما استفاد منه المسلحون.
ولدى الحكومة خطة متكاملة لتوطين السكان في سيناء، وتهدف إلى استقطاب ثمانية ملايين نسمة، لكن المعضلة في بطء التطبيق على الأرض، ويبدو أن ذلك هو الذي دفع الفريق محمد زكي وزير الدفاع لإصدار قرار قبل أيام، بنقل تبعية جهاز تنمية سيناء من مجلس الوزراء ليكون تحت سلطة القيادة المركزية للقوات المسلحة.
◄ عودة سكان الشيخ زويد رسالة توحي بأن الحكومة نجحت في القضاء على الإرهاب الذي ضرب سيناء أكثر من عشر سنوات
ويعني القرار أن تنمية سيناء ستكون مهمة عسكرية بحتة، ولا دخل لأيّ جهة حكومية أخرى في ذلك، باعتبار أن الجيش يتعامل مع سيناء كمنطقة لها خصوصية، ويرغب في تحقيق أكبر قدر من الفوائد والنجاحات في توقيتات قياسية عقب التفاهمات المصرية الإسرائيلية الأخيرة التي انتهت بإجراء تعديلات تسمح بالوجود العسكري للجيش المصري في سيناء بعدد كبير من القدرات التسليحية، لأسباب أمنية وتنموية.
ودعم اللواء ناجي شهود مدير المخابرات الحربية الأسبق، ربط التنمية بإعلان سيناء خالية من الإرهاب، والمهم أن يكون التحرك التنموي شاملا لكل المناطق لأن كثافة الحضور السكاني، عبر جذبهم بالتنمية، أهم خط مقاومة في مواجهة التهديدات والمخاطر، عبر تشكيل “قرى دفاعية” في كامل شبه الجزيرة، بحيث لا تكون هناك ممرات أو حرية حركة لأيّ عناصر متطرفة.
ما يعرقل فكرة التوطين بسيناء كمدخل لملء فراغها أن الحكومة تتعامل بتضييق شديد مع مواطني المحافظات المختلفة عند العبور إليها، ما يُشعر البعض بأن الذهاب إلى شبه الجزيرة مغامرة غير محسوبة، وهو ما يتطلب إعادة النظر من جانب بعض الدوائر الرسمية في تغيير الصورة الذهنية عنها، بأنها ليست منطقة منعزلة عن باقي الجمهورية، لأن التعامل بذات الطريقة إبان عودة المهجرين إلى منازلهم يوحي بأن سيناء لا تزال منطقة حرب، وتوطين السكان لا يعدو كونه “دعاية سياسية”.