استمرار العزلة الإيرانية لا يبشر بالخير في المحادثات النووية

المبعوث الأميركي الخاص لشؤون إيران يرى أن إنهاء استبعاد طهران وتعزيز اقتصادها يحفزانها على البقاء في الاتفاق النووي.
السبت 2021/11/27
حان وقت تغيير السياسات مع طهران

يعتقد المبعوث الأميركي الخاص لشؤون إيران روبرت مالي أن هناك طريقة واحدة فقط لحل الأزمة العالمية مع إيران: إنهاء استبعاد طهران وتعزيز اقتصادها لتحفيز النظام الإسلامي على البقاء في الاتفاق النووي.

وبالنسبة لمالي، فشلت العقوبات وليست الحرب خيارا. كما يعتقد مالي أن أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار ومنها الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة والميليشيات الإرهابية، ليست مشاكل الولايات المتحدة، ويجب حلها بشكل مستقل عن المحادثات النووية وفي المفاوضات بين إيران وخصومها الإقليميين.

ومع ذلك، تبقى خطة مالي مليئة بالثغرات التي تجعل دبلوماسيته تبدو وكأنها أيديولوجية. وسيكون طرحه لوجهات نظره قبل وقت قصير على عودة الولايات المتحدة إلى المفاوضات مع إيران في فيينا الأسبوع المقبل، خلال إعادة تشغيل الاتفاق النووي لعام 2015، مصدر قلق خاصة لحلفاء أميركا في المنطقة.

وفي حوار المنامة السنوي، الذي ينظمه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، قال مالي إن “الرفع الكامل للعقوبات ومكاسبها الاقتصادية حافز كاف لطهران للعودة والتمسك بالاتفاق النووي”.

وتكمن مشكلة حجّة مالي في أن للصفقة، المعروفة أيضا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، حدودا نهائية تنتهي في نهاية المطاف، مما يحرر إيران من القيود ويضع برنامجها النووي تحت مراقبة مفتشي الأمم المتحدة. وفشل مفتشو الأمم المتحدة في اكتشاف أو استباق أو وقف الانتشار في أماكن مثل كوريا الشمالية، وحتى الآن مع إيران. ولا تكفي الحوافز وحدها لسحق طموحات طهران النووية.

ثم جادل مالي بأن “معظم الخلل الوظيفي في المنطقة له جذور في استبعاد إيران”. وفشل أمثال مالي الذين يتبنون نهج إنهاء الاستعمار في بلدان مثل إيران، دائما في تخصيص وكالة لدول مارقة بسبب فشلها.

وانتهكت إيران، على سبيل المثال، القانون الدولي في 1979 باقتحام السفارة الأميركية، مما أدى إلى قطع العلاقات. وفعل النظام الجديد في ذلك الوقت الشيء نفسه مع السفارة الإسرائيلية.

ولم يكن النظام الإيراني قد تعلم الدرس بعدُ بحلول 2016. وأرسل أعوانه لإحراق السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد، مما دفع السعودية إلى قطع العلاقات مع إيران.

وفي معظم حالات الدول التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، كانت طهران هي المعتدي. ومع ذلك، غالبا ما ألقى مالي وأنصار إنهاء الاستعمار باللوم على بقية العالم في عزلة إيران.

ولإثبات حجته بأن الحوافز فقط هي التي تعمل مع إيران، قال مالي “لقد اختبرنا البديل” لتعزيز الاقتصاد الإيراني من خلال “الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران وممارسة أقصى قدر من الضغط”. وأضاف “هل توصلنا إلى نتائج فعالة؟” ثم أجاب بالنفي.

وما فشل مالي في ذكره هو أنه بعد أن قتل الرئيس السابق دونالد ترامب قائد الميليشيات الإيرانية قاسم سليماني وفرض سياسة “الضغط الأقصى” على إيران، تراجعت طهران ولم تصعّد إلا في صباح اليوم التالي لهزيمة ترامب وانتخاب الرئيس جو بايدن. ولم يفشل الضغط الأقصى على إيران. وجعلت حوافز مالي الموعودة إيران تطلب المزيد، وتفلت من فعل الحد الأدنى.

وأخيرا، عندما قال مالي “إننا لا نتفاوض على أي شيء آخر غير الملف النووي في محادثات فيينا، لأن أنشطة إيران في المنطقة تهم دول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل وغيرها”، فقد رسم فعليا صورة إقليمية دون وجود واشنطن فيها. لكن الولايات المتحدة لم تفك ارتباطها قبل أن تمنح النظام الإيراني ما يكفي من المال لتثبيت قدمه ومواصلة مهاجمة دول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل.

لقد صمم الرئيس الأسبق باراك أوباما سياسته تجاه إيران على أساس أسلوب دبلوماسية “العصا والجزرة” المعروفة. إذا أوقفت إيران سعيها لامتلاك أسلحة نووية وأنهت سلوكها المزعزع للاستقرار في المنطقة، فإن واشنطن والعالم سيرفعان العقوبات ويبنيان علاقات أكثر دفئا وثقة متبادلة مع إيران، الأمر الذي من شأنه أن يساعد في حل المشاكل غير النووية.

ومع ذلك، لم يخطر ببال أوباما أبدا أن إيران لم تعتبر سلوكها المزعزع للاستقرار مشكلة، لكنها اعتبرت ذلك دائما سببا لوجودها. وكانت إيران هي التي تأمل أن يقبل أوباما وأصدقاء طهران العالميون الجدد سلوكها المثير للمشاكل كتعبير شرعي عن المصالح الوطنية.

وخطا مالي، الذي كان أحد مهندسي اتفاق أوباما النووي، عدة خطوات إلى الأمام. ويعرف أولئك الذين قرؤوا أدب مالي وأدب أصدقائه ذوي التفكير المماثل أن الأولوية القصوى لمالي هي إزالة الاستعمار. لهذا السبب يلوم الآخرين دائما على العلل الإيرانية، لكنه لا يلوم طهران نفسها أبدا.

لا تعتبر السياسة التي ينتهجها المبعوث الأميركي الخاص تجاه إيران دبلوماسية، بل أيديولوجية.

وربما ينبغي على مالي العودة إلى الأساسيات، بأنه في بعض الأحيان لا يمكن أن تواجه قوة إلا قوة أكبر منها، وأن المكافأة والعقاب هما نظام أثبت جدارته ويغير حسابات الحكومات، والأنظمة غير الواقعية مثل طهران.

*سنديكيشن بيورو

6