عواطف آلية

موضوع أن يصبح الذكاء الاصطناعي شريكاً حقيقياً لنا في سُكنى هذا الكوكب، محسوم، وما هي إلا مسألة وقت ونرى جيراناً من أولئك الآليين أو زملاء دراسة أو منافسين في المهن.
انظر إلى الأرقام؛ التقديرات تقول إنه من المتوقع أن يصل حجم سوق الروبوتات العالمي إلى 10.47 مليارات دولار أميركي في العام 2027، بمعدل يصل إلى 43.4 بالمئة، وفقاً لتقرير “إنيرجي سايرن“ المنشور مؤخراً.
دعنا نفكر بالشكل التالي؛ هل تعرف ما هو معدّل التزايد السكاني العالمي؟ سأقول لك. نسبة النمو السكاني حول العالم كله هي 1.17 في المئة، ما يعني أنها أقل بأربعين مرة من نسبة تزايد إنتاج الآليين. وعليك الحساب.
ولكن ماذا سنفعل بكل هؤلاء، حين يتطور ذكاؤهم إلى درجة أنهم سيتمتعون بوعي وإدراك كافيين للتفاعل مع البشر؟ لا مفرّ من أن نتفاعل نحن معهم بدورنا.
الإنسان كائن خائف قلق دائم التوجّس، ومنذ أن كان في كهفه القديم، وعلاقته مع المحيط الخارجي تقوم أولاً على الشك، ثم بناء الثقة، وليس العكس. وهذا ما فعله مع جميع الموجودات من حوله، سواء كانت بشراً أو كائنات حية، أو حتى فضائيين مفترضين تخيّل الإنسان مسبقاً أنهم غزاة متوحشون يريدون إفناء البشر. واللعبة تتكرر اليوم مع الآليين.
غالبية التصورات التي قدمها البشر عن الآليين تفترض أنهم أعداء سيتمردون على خالقهم، وربما كان هذا قادماً من وعي الإنسان لنفسه، وقياسه على حاله هو وكيف تعامل مع خالقه، ومن ثم كيف تعامل هو مع من استعبدهم عبر التاريخ كسيّد آمر مُطاع.
وقد قرأت مؤخراً أن العم سام، صاحب أكاديمية أبوغريب للتحضّر والديمقراطية، يموّل مشروعاً لتعزيز الثقة بين البشر والآليين. وقد قبض العالم آرون شيكتر المتخصص في نظم المعلومات الإدارية بكلية تيري في جامعة جورجيا، مليوني دولار من الجيش الأميركي لكي يدرس ذلك التفاعل الخطير والهام بين الإنسان والرجل الآلي.
القاعدة العربية تقول على لسان محمد بن حازم الباهلي ”وَإِنّي لَذو وُدٍّ لِمَن دامَ وُدُّهُ، وَجافٍ لِمَن رامَ الجَفاءَ مَلولُ. وَفي اليَأسِ مِن ذُلِّ المَطامِعِ راحَةٌ، وَفي الناسِ مِمَّن لا يُحِبُّ بَديلُ“، ووفقاً لذلك فإن الإنسان لا يمكنه أن يشعر حيال أحد بالعاطفة، فضلاً عن الثقة، من دون أن يكون هناك تبادل فعلي لها من قبل الطرف الآخر. وهنا المشكلة.
الإنسان الآلي عالم غامض نزوّده نحن بالعواطف على شكل خوارزميات، ولا تحدّثني عن عواطف البشر الجميلة الزاهية الملوّنة، فصورة الأرض اليوم خير مثال عليها، وبالتالي فإن ما سنحقن به البشر الآليين من تلك العواطف سيكون مطابقاً لبضاعتنا الحالية، وعندها سيحصد الإنسان ما زرع.