عودة الاحتجاجات إلى الشوارع تنذر بهبّة شعبية يخشاها الأردن

مسيرة احتجاجية في عمّان ضد ارتفاع الأسعار وقانون الدفاع.
السبت 2021/11/13
فاض الكأس

تنذر عودة الاحتجاجات المطلبية إلى شوارع العاصمة عمّان بهبّة شعبية تخشى الحكومة الأردنية المأزومة اقتصاديا تداعياتها على السلم الأهلي والاستقرار الهش داخل المملكة. وفي ظل ارتفاع منسوب الاحتقان الشعبي خلال الأشهر الماضية رفعت الحكومة في الأسعار رغم التحذيرات بأنها ستكون شرارة لعودة الاحتجاجات.

عمّان - عادت الاحتجاجات إلى شوارع عمّان الجمعة لتضاعف الضغوط على الحكومة الأردنية التي اتخذت إجراءات تقشفية وضريبية تراها ضرورية لكبح عجز الموازنة، بينما يرى فيها المواطنون إثقالا لكاهلهم ونتيجة طبيعية للفشل الحكومي في الإصلاحات واستفحال الفساد في المملكة.

وشارك المئات من الأردنيين في مسيرة احتجاجية بالعاصمة عمّان رفضا للزيادة في أسعار السلع والمحروقات، واستمرار العمل بقانون الدفاع المثير للجدل.

وانطلقت المسيرة من أمام المسجد الحسيني وسط عمان عقب أداء صلاة الجمعة باتجاه ساحة النخيل (تبعد عن المسجد بنحو كيلومتر) وسط تواجد أمني كثيف.

وانتظمت الفعالية بدعوة من أحزاب العمل الإسلامي (الجناح السياسي للإخوان المسلمين)، والمستقبل، والشراكة والانقاذ وأردن أقوى بالإضافة إلى قوى شعبية ممن يطلق عليها “الحراك الموحد” و”الحركة الشعبية للتغيير”.

ورفع المشاركون لافتات كتبت عليها شعارات منها “لا لرفع الأسعار.. لا لقانون الدفاع، يوجد هنا شعب”، و”المساعدات والمنح في بطون الفاسدين” و”لا لسياسة التجويع والإفقار”.

وشهد الأردن خلال الأشهر القليلة الماضية ارتفاعا غير مسبوق في أسعار السلع التموينية، إضافة إلى زيادة مستمرة في أسعار المحروقات تكررت نحو 8 مرات خلال أقل من عام.

وردد المتظاهرون هتافات منددة بالإجراءات الحكومية ونهج إدارة البلاد، مُطالبين بإسقاط قانون الدفاع.

سالم الفلاحات: صوت الأردنيين لا يسمع بل زاد منسوب الالتفاف على إرادتهم
سالم الفلاحات: صوت الأردنيين لا يسمع بل زاد منسوب الالتفاف على إرادتهم

ومن تلك الهتافات “من السماء حتى القاع، يسقط قانون الدفاع”، و”مطالبنا شرعية.. خبز وعدالة وحرية”، و”ياللي (يا من) بترفع الأسعار.. وبده (يريد) البلد تولع (تشتعل) نار”.

وقال نائب أمين حزب الشراكة والإنقاذ سالم الفلاحات إن “الشعب الأردني يرسل الرسائل الوطنية الواحدة تلو الأخرى، ولم يسمع لصوته على الإطلاق، بل زادت القوانين العرفية وغيرها التفافا على إرادة المواطنين”.

وأضاف الفلاحات “الأسعار ترتفع بشكل جنوني وإرادة الشعب مغيبة، وقانون الدفاع مهيمن على كل صغيرة وكبيرة (…) فعالية اليوم هي لتذكير الأردنيين بأن هذا وطنكم وهذه مسؤوليتكم”.

ولا يستبعد مراقبون أن تتوسع الاحتجاجات لتشمل باقي مدن المملكة في ظل عجز حكومي عن كبح الأسعار بالإضافة إلى التضييق على الحريات والتعويل على القبضة الأمنية في شل أي تحركات مطلبية اعتمادا على قانون مثير للجدل يطالب الأردنيون بإلغائه لانتفاء الأسباب التي أدت إلى تفعيله.

ويعيش الأردن ركودا اقتصاديا أدى إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، فيما حذر مراقبون في وقت سابق من توحّد الهم الشعبي وانعكاسه على صورة احتجاجات شعبية مثيلة باحتجاجات 2018 التي أطاحت برئيس الحكومة الأسبق هاني الملقي.

وسعت الحكومة الأردنية برئاسة بشر الخصاونة إلى استباق شرارة الاحتجاجات بتعديل وزاري كبير شمل تسع حقائب وزارية بما فيها حقيبة العمل واستحداث وزارة جديدة تعنى بالاستثمار.

وتهرول الحكومات الأردنية المتعاقبة إلى التعديل الوزاري كلما اشتد الغليان الاجتماعي، إلا أن هذا الإجراء لم يعد يخمد غضب الأردنيين وأصبح بمثابة مقياس حراري للإطاحة بها.

وفي ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية والنفط عالميا لم تجد الحكومة الأردنية بديلا عاجلا سوى الترفيع في الأسعار، رغم تحذيرات نيابية بأن ذلك سيوقد شرارة الاحتجاجات.

والأردن معرض لضائقة اقتصادية هي الأشد منذ الأزمة المالية التي ضربته نهاية الثمانينات، وذلك بسبب تداعيات جائحة كورونا التي أثرت سلباً على التمويل الخارجي، وارتفاع النفقات لمعالجة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لانتشار الفايروس.

وما زاد من حجم الأزمة أن أسواق التمويل العالمية كبحت المساعدات والقروض، فيما تسعى الحكومة للمحافظة على الإنفاق على شبكات الأمان الاجتماعي والصحي.

Thumbnail

وعادة ما تحمّل عمان أطراف خارجية لا تسميها مسؤولية تأجيج الأوضاع داخل المملكة، إلا أن هذه المسوغات لم تعد تؤتي أكلا في ظل تفاقم البطالة وانسداد آفاق التشغيل، إذ أن 50 في المئة من الشباب الأردني يعانون من البطالة حسب إحصائيات شبه حكومية.

ويعد التضييق على الحريات أحد الأسباب الرئيسية أيضا في عودة الاحتجاجات في ظل تعثر الإصلاحات السياسية التي لا يثق الأردنيون في نتائجها ويحملون ذكرى سيئة تجاه ما يعلن عنه من برامج إصلاحية.

وقالت المشاركة في الاحتجاجات سلوى صندوقة إن المتظاهرين خرجوا ليقولوا إن “الشعب يرفض الكثير من السياسات التي تمارس وأن عناصر الديمقراطية غائبة”.

ويُطالب الأردنيون بوقف العمل بقانون الدفاع بعد مضي أكثر من عام ونصف العام على تفعيله بموجب مرسوم ملكي لمواجهة تفشي جائحة كورونا وذلك لما يعتبرونه “تعسف السلطة في استخدامه”.

وتنص المادة 124 من الدستور الأردني على أنه “إذا حدث ما يستدعي الدفاع عن الوطن في حالة وقوع طوارئ فيصدر قانون باسم قانون الدفاع”، وهو بمثابة قانون طوارئ يعطي صلاحيات واسعة غير مقيدة وغير مكتوبة لرئيس الوزراء.

وفي ظل تحسن لافت في الوضع الوبائي سمحت الحكومة الأردنية بإعادة العمل في مختلف القطاعات وألغت حظر التجوّل بشكل كامل، وهو تطور ينهي الأسباب المعلنة التي دفعت إلى اتخاذ القرار.

وقال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن “استمرار العمل بقانون الدفاع يؤكد السلوك الانتقائي في تطبيق القانون، خاصة مع استخدام السلطات للقانون ذريعة لتقييد الحريات العامة في عدة أحداث شهدتها البلاد منذ مارس 2020”.

وذكر المرصد أن “السلطات الأردنية استخدمت قانون الدفاع للحد من الحريات العامة، ومن ذلك قرارها بإغلاق نقابة المعلمين بصفة غير قانونية بتاريخ الخامس والعشرين من يوليو 2020، وقمع الاحتجاجات التي رافقت الأزمة حيث احتجزت حينها نحو 720 معلمًا لعدة ساعات بحجة تطبيق أوامر الدفاع”.

واعتبر النائب في البرلمان الأردني صالح العرموطي أن “استمرار العمل بقانون الدفاع من شأنه وقف العمل بكل قوانين الدولة، ويصبح صاحب القرار في الدولة هو شخص رئيس الوزراء فقط أو من يفوضه”.

وأضاف “الواجب ونحن دولة المؤسسات والقانون وقف العمل بقانون الدفاع لأنه أصبح قانون جباية وتضييق على الحريات وحقوق المواطنين والتعسف في استعمال الحق، وانعكس سلبا على اقتصاد البلاد”.

2