الاستثمار ورقة أردوغان الناعمة للتمدد في آسيا الوسطى

تركيا أكثر البلدان تأسيسا للشركات في أوزبكستان.
الجمعة 2021/11/12
إحياء الخلافة العثمانية

تعتبر أوزبكستان إحدى أبرز المناطق التي يعول عليها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتعزيز نفوذه في آسيا الوسطى. ويوظف الرئيس التركي إلى جانب الاستثمارات عوامل الترابط التاريخية واللغوية والدينية لخدمة أجنداته التوسعية في المنطقة الاستراتيجية.

طشقند ( أوزبكستان) - تمثل الاستثمارات إحدى الركائز الرئيسية لتثبيت نفوذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أوزبكستان، الشريك الرئيسي في “مجلس تعاون الدول الناطقة باللغة التركية” الذي يمثل ذراع أنقرة الطولى في التغلغل في آسيا الوسطى، وتعزيز أجنداتها التوسعية في المنطقة الاستراتيجية الغنية بالموارد الطبيعية.

وأظهرت بيانات رسمية أن تركيا تصدرت قائمة البلدان الأكثر تأسيسا للشركات في أوزبكستان خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الحالي.

وبحسب معطيات لجنة الإحصاء الحكومية في أوزبكستان، فإن تركيا أسست 321 شركة في البلاد خلال الفترة بين يناير وأكتوبر 2021. وحلّت روسيا في المركز الثاني بواقع 296 شركة، تلتها الصين بـ219 شركة.

وتركزت الشركات الأجنبية خلال الفترة المذكورة في العاصمة طشقند ومدن سمرقند، وسرهاندريا وفرغانيا.

ورغم أن عددا من المحللين يشككون في دفع الشركات التركية للاقتصاد الأوزبكي ومساهمتها في التنمية، إلا أن تركيز أنقرة على المزيد من الاستثمارات في طشقند يخدم في نهاية المطاف أجنداتها التوسعية في آسيا الوسطى، إذ تعتبر طشقند بوابة رئيسية لتحقيق الأهداف غير المعلنة.

وشدد وزير التجارة التركي محمد موش على ضرورة إزالة العقبات التي تعيق تطوير تجارة السلع والخدمات وتحقيق الأهداف المنشودة وتعزيز التعاون بين دول مجلس التعاون التركي.

ودعا موش خلال كلمة ألقاها الخميس خلال مشاركته في المؤتمر التجاري والاقتصادي بين تركيا وباقي “الجمهوريات التركية” بإسطنبول، إلى الارتقاء بالعلاقات التجارية القائمة بين تركيا وباقي الدول الناطقة بالتركية إلى مستوى الروابط التاريخية والثقافية القائمة بين الجانبين.

محمد موش: يجب الارتقاء بالتجارة إلى مستوى الروابط التاريخية

وفي 2009 أسست تركيا ما يسمى بمجلس تعاون الدول الناطقة باللغة التركية، الذي يضم كلاّ من أذربيجان وشمال قبرص وتركمانستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وكازاخستان، حيث يسعى أرودغان من خلاله إلى جمع الدول الناطقة باللغة التركية تحت خيمته.

ويتمثل الهدف الرئيسي المعلن لمجلس تعاون الدول الناطقة بالتركية في تأسيس وتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في قضايا السياسة الخارجية والاقتصاد والمواصلات والجمارك والسياحة والتعليم والإعلام، والرياضة والشباب.

كما يتمثل في تعميق العلاقات بين الدول الناطقة بالتركية، وتوسيع مجالات التعاون الدولي في العالم الإسلامي، وبين بلدان الشرق الأوسط والمنطقة الأوراسية.

وتعتبر أوزبكستان ثاني أكبر دولة ناطقة باللغة التركية بعد تركيا من حيث عدد السكان، حيث تجاوز عدد سكانها وفق إحصاء عام 2016 الـ31 مليون نسمة.

ويريد الرئيس التركي من خلال هذا المجلس، حسب مراقبين، إعادة تأسيس إمبراطورية تركية بمواصفات جديدة. إمبراطورية معنوية قائمة على شبكة المصالح والارتباطات مع دول قائمة ومهمة ومؤثرة أو مع دول تنتظر دعمه.

ويقول كبير الباحثين في أكاديمية وزارة الخارجية الروسية فلاديمير أفاتكوف، إنّ “أنقرة تريد أن تصبح سيدة العالم التركي. فأكثر القوميين الأتراك تطرفا واثقون من أن جميع الأتراك يجب أن يتوحدوا تحت راية تركيا ويعيشوا وفقا للقواعد التركية”.

وتمزج تركيا في بسط نفوذها بين عوامل العرق واللغة والدين ثم تبني عليها المصالح الاقتصادية والاستراتيجية.

ويقول محللون إن تركيا تحاول أن توظف التاريخ المشترك مع هذه الدول الغنية من أجل فتح الطريق أمام الشركات التركية للتسلل إلى هذه الدول، لكن الأهم هو السيطرة على قنوات وخطوط نقل الغاز إلى أوروبا لتصبح تركيا نقطة ربط رئيسية يمر عبرها الغاز الروسي، وكذلك غاز الجمهوريات التركية.

وترى أنقرة في الموارد الطبيعية والإمكانيات الاقتصادية الهائلة لأوزبكستان ودول آسيا الوسطى أحد أهم السبل لدفع اقتصادها المتعثر.

وتعزيز أنقرة للتعاون مع أوزبكستان ليس مفاجأة، حيث إن البلد الذي يبلغ عدد سكانه 32 مليون نسمة هو سوق استهلاكية كبيرة نسبيا للشركات الحكومية والخاصة التركية، وهذا ما يشجع تركيا دوما على توقيع العديد من الاتفاقيات وإنشاء المشاريع الاستثمارية في الاقتصاد والتجارة والنقل والخدمات اللوجستية والطاقة والعلوم والتعليم والسياحة.

وعلاوة على ذلك فإن آسيا الوسطى تزخر بموارد الطاقة “النفط والغاز الطبيعي” اللذين يمثلان العامل الجيوسياسي الرئيسي والمحوري، الذي يحظى بأولوية متقدمة في عمليات التخطيط الاستراتيجي لأردوغان.

تركيا تمزج في بسط نفوذها بين عوامل العرق واللغة والدين ثم تبني عليها المصالح الاقتصادية والاستراتيجية

وسلكت تركيا طرقا عدة لاختراق الاقتصاد الأوزبكي، الذي يملك أسواقا واعدة بفضل الموارد المتعددة والثروات الضخمة، بوصف الدولة تملك سادس أكبر احتياطي من الذهب في العالم، وسابع أكبر إنتاج للغاز الطبيعي بنسبة 34 في المئة من الاحتياطي العالمي، ورابع أكبر منتج لليورانيوم، أما النفط فتبلغ احتياطاته 27 في المئة من الاحتياطي العالمي، فضلا عن منشآت توليد الطاقة العملاقة، ما منحها مرتبة أكبر منتج للكهرباء في آسيا الوسطى، تضاف إلى ذلك مكوناتها الاقتصادية ومواردها المالية كسادس أكبر منتج للقطن في العالم.

ويدرك أردوغان ما تمتلكه أوزبكستان من ثروات طائلة وأسواق واعدة، للمرور عبر بوابتها إلى دول آسيا الوسطى لبسط النفوذ وإحياء القومية التركية والسيطرة على منابع النفط، إذ تأتي أوزبكستان على رأس مخطط الرئيس التركي في التوجه نحو آسيا الوسطى، دعما لفكرة القومية التركية، عن طريق استغلال ما يربط الدولة بتاريخ يتضمن اللغة والدين والعادات والتقاليد المشتركة، لدعم طموح يتمثل في بناء “عالم تركي” قائم على الوحدة الثقافية التركية.

ويقول المحلل السياسي الروسي ألكسندر سامسونوف إنّه “بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، بدأت تركيا تدريجيا في بناء سياسة عسكرية واقتصادية جديدة في المناطق التي كانت في السابق جزءا من الإمبراطورية العثمانية، في البلقان والشرق الأوسط والقوقاز. وهذه العملية ملحوظة بشكل خاص في ظل حكم أردوغان”.

وعززت تحركات أنقرة في آسيا الوسطى مخاوف روسيا، وأثارت انزعاجها من النفوذ التركي المتصاعد في منطقة ما زالت تعتبرها موسكو منطقة نفوذ تاريخي لها، وتخشى من تحركات أردوغان غير المتوقعة في تلك المنطقة.

5