في أي عالم يعيش سامح شكري: يعرض مفاوضات مع إثيوبيا في قلب الأزمات

أجهزة سياسية وأمنية في القاهرة تدخلت أكثر من مرة لتصويب أداء وزارة الخارجية.
الأربعاء 2021/11/10
تصريحات شكري هدفت إلى إرضاء بلينكن

القاهرة- أظهر بيان لوزارة الخارجية المصرية دعا فيه الوزير سامح شكري الاثنين الحكومة الإثيوبية إلى استئناف مفاوضات سدّ النهضة “في أسرع وقت ممكن”، عمق الأزمة التي تعيشها الدبلوماسية المصرية وانفصامها عن تطوّرات الأحداث وكأن الوزير يعيش في عالم سياسي آخر، أو أنه لا يتابع ما يجري في أهم الملفات التي تهم بلاده، ولا يبني مواقفه وتصريحاته وفقها.

ودعا وزير الخارجية المصري في بيان، بعد لقائه مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، إلى استئناف مفاوضات سد “النهضة” في “أسرع وقت ممكن”، وهو تصريح أثار تساؤلات في مصر كما خارجها عن واقعية حديث سامح شكري عن مفاوضات مع دولة تعيش أوضاعا أمنية معقدة لا يعرف إلى أين تنتهي.

ويعلم شكري أن الأوضاع في أديس أبابا لن تسمح للحكومة باستئناف المفاوضات حول سد النهضة في هذه الأجواء، وقد بدا وزير الخارجية المصري كمن يحفظ عبارات يرددها في هذا النوع من المناسبات دون مراعاة للزمان والمكان والهدف المطلوب توصيله إلى من يهمهم الأمر.

عزت سعد: شكري فكّر في كسب النقاط على حساب أديس أبابا

وقالت مصادر سياسية مصرية مطلعة لـ”العرب” إن هذه النوعية من البيانات والتصريحات الرسمية تنعكس سلبا على الأداء المصري في قضايا خارجية حيوية، وهو ما جعل أجهزة أمنية وأدوات سياسية أخرى تتدخل في محاولة لتصحيح الوضع في أحيان كثيرة وضبطه.

وأشارت هذه المصادر إلى أن حديث شكري عن المفاوضات في أثناء وجوده في واشنطن هو من باب “الكليشيهات” السياسية لإظهار أن مصر مع المفاوضات كما تريد الولايات المتحدة، وأنها تجاوزت مرحلة التلميح للخيار العسكري لحل الخلاف مع إثيوبيا، ليبدو حديثا مسقطا وفاقدا لأيّ مبرر.

وجاء البيان المصري الداعي لاستئناف المفاوضات مع أديس أبابا مفاجئا، حيث ترافق مع تصعيد عسكري لجبهة تحرير تيغراي وحلفائها من عرقيات مختلفة وضغط “وجودي” على الحكومة الإثيوبية برئاسة آبي أحمد، إذ تتقدم قوات الجبهة نحو العاصمة بخطوات سريعة وتعتزم مع شركائها من الأورومو الإطاحة بالحكومة، وهو الوضع الذي يفرض على آبي أحمد إظهار المزيد من التشدّد في مختلف الملفات وعلى رأسها سد النهضة. كما لا توجد قدرة لدى حكومته على الحديث أصلا في هذه القضايا الجانبية.

ويعكس الحديث بهذه الطريقة محدودية فهم الرجل لأزمة سد النهضة وآليات حلها دبلوماسيا، ويفسر منهجه لماذا مرت عشر سنوات على الأزمة دخلت خلالها القاهرة مفاوضات في عواصم متباينة ومع حكومات مستقرة في أديس أبابا ولم يتحقق أي تقدم ملموس.

وقالت المصادر السابقة إن تصرفات شكري أرهقت أجهزة سيادية في مصر جراء تعامل الخارجية المصرية بصورة نمطية وعقيمة أحيانا مع أزمة سد النهضة، وبلا مراعاة دقيقة لطبيعة التطورات الإقليمية والدولية حيال هذا الملف.

وذكرت “العرب” في تقرير سابق أن مذكرة رفعها مبعوث مصر السابق لدى الأمم المتحدة محمد إدريس، قبيل ترك منصبه مؤخرا، إلى جهات عليا عدّد فيها مجموعة من الأخطاء حمّلت شكري نفسه مسؤولية إخفاقات واجهتها وزارة الخارجية في ملف سد النهضة داخل مجلس الأمن في اجتماعه الأخير بشأن السد، وأدت إلى النتيجة السلبية التي تظهر عليها حاليا، والتي خلت من اللياقة الدبلوماسية.

محمد إدريس حمّل شكري مسؤولية إخفاقات واجهتها وزارة الخارجية في ملف سد النهضة داخل مجلس الأمن

وكان يمكن للوزير شكري، وهو يرأس وفد مصر للحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، أن يستخدم الفشل العام الذي تواجهه الحكومة الإثيوبية لصالح بلاده كدليل على صواب موقف القاهرة وأنّ قدرتها على التفاهم مع حكومة تتقاتل مع شعوبها أصبحت معدومة، وأنه من غير المتوقع أن تحل حكومة بهذا العقل أزمة إقليمية مثل سد النهضة، ويثبت أن هناك مشكلة هيكلية في الإدارة الإثيوبية أدت إلى العديد من النتائج السلبية، وعلى المجتمع الدولي التدخل لإنقاذ إثيوبيا أولا من رئيس حكومتها.

لكن مدير المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير السابق عزت سعد دافع عن شكري وقال لـ”العرب” إن البيان أراد التأكيد على موقف مصر الساعي للمفاوضات مهما تبدلت الظروف في إثيوبيا والتأكيد أنه لا بديل عن الحلول السلمية للأزمة.

وأضاف أن الوزير عمل من أجل كسب نقاط سياسية جديدة على حساب أديس أبابا التي صدر عنها كثيرا خطاب كراهية ضد مصر واستخدمت عبارات حادة أشارت إلى أنه لا توجد موانع لديها لأن “تقاتل” لحمايته وتحشد مليون مواطن.

وذكر لـ”العرب” أن وزير الخارجية دحض الأقاويل التي تتهم مصر بتبنيها الحلول العسكرية في التعامل مع الأزمة وبعث بإشارات مرنة بأن الدبلوماسية المصرية منفتحة على الحل السياسي مع أديس أبابا وتريد توظيف السد لأهداف التنمية.

ويقول مراقبون إن تصرف رئيس الدبلوماسية المصرية لم يكن موفقا ليس فقط في سد النهضة، حيث انعكست حساباته البيروقراطية في ليبيا على صورة بلاده لدى السلطة التنفيذية في طرابلس، بعد أن أوفد قائما بأعمال سفارة مصر في ليبيا عقب وقت طويل من التردد، بينما أرسلت دول أجنبية العديد من السفراء لها ويعملون من طرابلس.

كما أن القائم بالأعمال (السفير محمد ثروت)، والذي لم يكن مؤهلا لهذه المهمة في هذا التوقيت، يمارس عمله من فندق يقيم فيه بطرابلس ولا يمكّنه من ممارسة عمله السياسي بسهولة، ولم يتمّ فتح مقر السفارة المصرية بطرابلس كما أُعلن من قبل عن ذلك، لأسباب مجهولة، الأمر الذي أوصل رسائل سياسية خاطئة إلى الشعب الليبي.

1