نقل الحياة إلى التلفزيون دون تشويق يفقد الدراما بريقها

يمكن أن تمثّل الموضوعات الفنية المستوحاة من قضايا واقعية ثراء لأي عمل درامي، شريطة أن تكون غير معتادة وتقدّم حكايات غير مطروقة، لكن نقل الصور النمطية من الحياة إلى التلفزيون دون عناصر التشويق والجاذبية المطلوبة يكفي للحكم بفشل العمل قبل مشاهدته، حيث أصبحت الدراما أمرا رائجا في مصر، والتفريط فيها من خلال تقديم أعمال ساذجة يكفي لإصابتها بالتدهور في المستقبل.
القاهرة – عادة ما يعكس نقل الصور النمطية من الحياة إلى التلفزيون دون إضافة أو تشويق فشلا في الطرح الدرامي، وهو ما لامسناه بعد انتهاء قناة “الحياة” المصرية قبل أيام من عرض حكاية جديدة ضمن حكايات الجزء الثاني من مسلسل “وراء كل باب” بعنوان “90 دقيقة”، بطولة نضال الشافعي ودنيا عبدالعزيز وميمي جمال وعفاف رشاد وأحمد حلاوة وهشام إسماعيل، وهو من تأليف ميرنا الفقي وإخراج أحمد صالح.
ويناقش العمل، ككل حكايات مسلسل “وراء كل باب”، بعض المشاكل الاجتماعية. وقد أخفق هذه المرة في معالجة قضية الخلافات الزوجية المعقدة وسقوط الأبناء ضحايا لها، لأن التركيبة التي لجأ إليها جاءت خالية من الدسم الفني.
عزفت الحلقات الخمس معزوفة رتيبة إلى حد الملل، بين زوج قام بدوره نضال الشافعي وزوجته التي قامت بدورها الفنانة دنيا عبدالعزيز التي تلعب دور البطولة للمرة الأولى في عمل درامي مصري، ولا يستطيعان التفاهم معا، فإذا ذهب الزوج يمينا ذهبت الزوجة يسارا أو العكس، وهي قضية أزلية تتكرّر في عدد كبير من البيوت المصرية، وجرت معالجتها بأشكال متنوّعة في العديد من الأعمال من بينها “وراء كل باب” نفسه في الجزء الأول.

المباشرة والحِكم الوعظية والدروس الاجتماعية التقليدية التي أتت على لسان بعض أبطال المسلسل أفقدت الحكاية جاذبيتها
الطريق السهل
أقحمت حكاية “90 دقيقة” قضية تشتّت الأبناء بسبب خلافات الزوجين، حيث انعكس التشاجر المستمر والتشنج المفرط بين “خالد” وزوجته “شهيرة” على طفلتهما “خديجة”، وهو أمر عادي أيضا، وبدا أن المؤلفة والمخرج اختارا الطريق السهل لتناول المشكلة عبر الاعتماد على عدد كبير من المشاهد المفتعلة التي تكرّس الاقتناع بأن الطرفين على خطأ، ومن الضروري أن يقدّم كلاهما تنازلات متبادلة.
بدت اللقطات التي تجمع الزوجين معا أو تجمع أحدهما مع صديقه أو صديقتها، أو والديه أو والديها، سردية فقيرة لوضع المسؤولية على عاتق الطرف الآخر، مع تباين في التفاصيل؛ فخالد الذي تربى في أسرة متوسّطة سويّة بدا سلوكه غير السويّ مع زوجته ناجما عن نصائح من أحد أصدقائه، وشهيرة اكتسبت تسلطها من والدتها التي لا تتورّع عن تحريضها باستمرار على زوجها وحضّها على التخلّص منه، بعد إصابتها شخصيا بعقدة الطلاق، وكان حريّا بها أن تصبح حريصة على تقديم نصائح إيجابية لابنتها.
نقلت العديد من المشاهد صورة مصغرة لما يمكن أن يشاهده أي فرد في البيئة الاجتماعية المحيطة به، ولم يبذل المخرج جهدا كافيا في تطوير عملية التصوير بحيث تتجاوز اللقطات العادية، فلم يلجأ إلى استخدام الموسيقى التصويرية مثلا لتضفي جوا بديعا على المشاهد، ولم يطوّر كادراته العشوائية أحيانا، بما يمنح مساحة من التخييل كان مطلوبا في لقطات كثيرة.
واستمدت المؤلفة ميرنا الفقي قصتها من وحي المجتمع، وهي قصة واقعية إلى حد كبير، وعندما أرادت تحويلها إلى عمل فني انحرفت بها في المبالغة وتكثيف انفعالات الزوج والزوجة وردود أفعال كليهما نحو الآخر، والصدمة العصبية التي أصابت الطفلة وجعلتها تفقد الثقة في والديها وتكره الحديث مع أي منهما.
واتخذت المؤلفة من الحالة السيئة التي تمر بها الطفلة وسيلة لضبط الدفة الفنية في العمل، غير أنها اختصرت المسافات سريعا، وبرّرت عودة الزوجين وعدم المضي في الانفصال بالحالة التي وصلت إليها خديجة، وهي ثيمة عادية وخالية من الابتكار والإبداع، لأن المشاهد يمكنه أن يتوقّع بسهولة عودتهما بمجرد أن أصيبت الطفلة بأزمة نفسية، في محاولة للتأكيد على أن عاطفة الأبوة والأمومة تقصي أي خلافات زوجية.
كان بإمكان المؤلفة أن تصنع حبكة فنية رائقة وأكثر عمقا لو تطرقت إلى تفسير حالة التعنت التي أصابت الزوج والزوجة وأثّرت على الطفلة بدلا من المط والتطويل في تبرير تصرّف كليهما، وزيادة جرعات الحكي مع الأصدقاء. وبدا الاستسهال ظاهرا، ربما إلى حد التلفيق، من خلال افتعال مشاهد يبدو فيها الزوج كأنه يُخرج من زوجته غيرتها الداخلية، وهي كذلك عندما شاهدها تخرج من مقر عملها مع أحد زملائها فانتابه شعور مماثل.
وقفة مع الحكايات

تحمل هذه النوعية من المشاهد رغبة جامحة من جانب طاقم العمل في إيجاد مساحة للإثارة الفنية، لكن هذا الاختراع لم يحالفه الحظ وجاء من قبيل الحشو الفني الذي لا توجد مبرّرات كافية للاقتناع به، ويسهم في إضعاف القصة الحقيقية، فهذه نماذج مألوفة ليست في صالح الحبكة الدرامية، ومن السهولة أن يستشف الجمهور هدفها.
ولعب العمل على فكرة التناقض بين أسرتي الزوج والزوجة أملا في الاستفادة من الجرعات الفنية التي يجلبها اللجوء إلى هذا الاختيار؛ ففي الوقت الذي كان فيه والد خالد (أحمد حلاوة) متسامحا أكثر من اللازم كانت والدته (عفاف رشاد) شبه متغطرسة، وفي الوقت الذي كانت فيه والدة شهيرة (ميمي جمال) قاسية ظهر شقيقها (هشام إسماعيل) ودودا وتبنى مواقف لطيفة ومرنة عكس والدته. ورغم أهمية العبارات وما تنطوي عليه من حكم وعظية على لسان البعض، فإن المباشرة والدروس الاجتماعية التقليدية أفقدتا الحكاية جزءا من بريقها الفني في هذا الجانب.
وتعاني الدراما المصرية حاليا من أزمة مالية أجبرتها على اللجوء إلى أعمال لا تحتاج إلى إنفاق مالي كبير وعدم الإسراف باللجوء إلى نجوم الصف الثاني، مثل نضال الشافعي ودنيا عبدالعزيز وهشام إسماعيل، والاستعانة بنجوم كبار السن مثل أحمد حلاوة وميمي جمال وعفاف رشاد، بشكل يوحي بأن تجسيدهم لهذه الأدوار جاء كأنه شفقة، مع الاحترام طبعا لقدراتهم الفنية وخبراتهم الطويلة.
وجعلت هذه التقديرات الأداء العام للفنانين الكبار يبدو مفتعلا، فالمدرسة الفنية التي تعتمد على مفردات الصواب والخطأ والخطاب الاجتماعي الذي يعتمد على قاموس وعظي وما يجب عمله أو تركه تكاد تكون تلاشت في الدراما.
ولجأ طاقم حكاية “90 دقيقة” الذي استغل عنصر الزمن والغموض في عنوانها إلى سرد الأحداث بعيدا عن تقدير طبيعة المشكلة والسعي لوضع حلول لها، فالعمل انتهى إلى سلام ووئام واعتراف كل طرف بأخطائه ووعود بعدم تكرارها وإصلاح ما أفسدته الخلافات الزوجية، والطفلة استردت عافيتها، وهي نهاية مكرّرة.
وتسبّبت الجرعات الدرامية الزائدة من الحلقات المنفصلة المتصلة في خسارة ما اكتسبته في الموسم الأول من مسلسل “وراء كل باب”، وبدأ رصيدها الفني الذي تراكم العام الماضي بنجاح يتراجع الآن، لأن التكثيف الذي تظهر عليه ويستخدم عناوين عديدة في معالجة قضايا اجتماعية لم يعد بنفس مستوى الزخم السابق، وهو ما يفرض على منتجي هذه الأعمال مراجعتها قبل أن يُصيبها الركود.
