مشاريع الاستثمار في الجزائر تدفع ضريبة رسوخ البيروقراطية

يقر المسؤولون الجزائريون بأن البيروقراطية الإدارية لا تزال تبطئ المشاريع الاستثمارية رغم المحاولات لكسرها، وهو ما يؤكد القناعة لدى الأوساط الاقتصادية بأن معركة السلطات لإنهاء هذه المشكلة تبدو صعبة وتزيد من تكبيل مناخ الأعمال المحاصر أصلا بالعديد من المشكلات.
الجزائر - تكشف آخر الإحصائيات التي تملكها وزارة الصناعة الجزائرية عن واقع صعب تمر به المشاريع الاستثمارية الجديدة والتي لم تدخل حيز الخدمة لأسباب إدارية.
وقال وزير الصناعة أحمد زغدار في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية إن “اللجنة الوطنية لمتابعة الاستثمارات العالقة أحصت 402 مشاريع موزعة على 58 ولاية استكملت أشغال إنجازها لكنها لم تدخل حيز النشاط لأسباب إدارية”.
وأوضح أن 56 في المئة من هذه المشروعات تتعلق بالقطاع الصناعي مقابل 44 في المئة تتعلق بالقطاعات الأخرى لاسيما السياحة والخدمات.
وأشار زغدار إلى التوجيهات التي أسداها رئيس الوزراء وزير المالية أيمن عبدالرحمن مؤخرا من أجل رفع كل القيود على المشاريع الاستثمارية.
ويكشف الواقع المالي للبلد النفطي مدى هشاشة خطط الإصلاح، إذ لا يوجد ما يوحي بأنها تسارع الخطى نحو محاصرة الفوضى الاقتصادية، والتي من أبرز علاماتها بيئة الأعمال الطاردة للاستثمار رغم إدراك المسؤولين بأن تحسين المؤشرات السلبية يحتاج بعض الوقت.

أحمد زغدار: 402 مشاريع جاهزة لكنها لم تدخل حيز النشاط لأسباب إدارية
وتكافح الحكومة لإنقاذ الاقتصاد المتعثر ورفع نسب النمو وخفض استنزاف النقد الأجنبي وتنويع الاقتصاد ومصادر دخل الموازنة التي تعتمد على النفط بنسبة 94 في المئة.
وبالنسبة إلى مشكلة العقارات الصناعية، كشف زغدار أنه منذ انطلاق برنامج إعادة تأهيل المناطق الصناعية ومناطق النشاط، تم استكمال 161 عملية بقيمة إجمالية تفوق 18 مليار دينار (نحو 130 مليون دولار).
وتخص هذه العمليات 55 منطقة صناعية و59 منطقة نشاط في كافة مناطق البلاد حسب الوزير، الذي أكد التوجه الجديد للحكومة والمبني على مبدأ العقار لمن يستثمر.
وحتى يتم تجاوز هذه العراقيل، تعمل الحكومة على تعديل قانون صادر في 2008 يحدد شروط وكيفيات منح الامتياز على الأراضي التابعة للأملاك الخاصة للدولة والموجهة لإنجاز المشاريع الاستثمارية.
ويمثل اقتصاد البلد العضو في منظمة أوبك والذي تهيمن عليه المؤسسات الحكومية تحديا للشركات، حيث يتذمر المستثمرون المحليون والأجانب على السواء من البيروقراطية وتغييرات متكررة في القوانين التي تنظم الاستثمار، رغم أن القطاعات المتعددة توفر فرصا للنمو على المدى الطويل.
وتشكو الشركات الأجنبية العاملة في الجزائر من أن القوانين واللوائح تتغير باستمرار وتطبق بشكل غير متساو، مما يزيد المخاطر التجارية على المستثمرين الأجانب.
ويخشى معظم المستثمرين المجازفة بالدخول في مشاريع استثمارية في الجزائر بسبب نقص ضمانات الحقوق القضائية، وطول مسار التقاضي الذي يعدّ من أكبر العقبات في بيئة الاستثمار في البلاد.
وتتقاطع انطباعات خبراء اقتصاد مع تقارير المؤسسات المالية الدولية في نقطة رئيسية مفادها أن حملة مكافحة الفساد المستمرة منذ الإطاحة بالرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، أدت إلى زيادة الحذر في ما يتعلق بالمشاريع الاستثمارية واسعة النطاق.
وكانت الجزائر قد ألغت في العام 2019 القيود على امتلاك الأجانب لأكبر أسهم في الشركات، لكن ذلك لن يشمل قطاعات استراتيجية وهي صناعات الطاقة والتعدين والأدوية.
وعلى الرغم من طرح قانون جديد للاستثمار للمناقشة قبل أكثر من عامين، لكن إلى حد الآن لم ير النور ولذلك تعمل الحكومة على الإسراع في هذه الخطوة في الوقت الحالي من أجل نفض غبار الشلل الذي يصيب الاستثمارات.
ومن المتوقع أن يتم عرض مشروع القانون على البرلمان قبل نهاية 2021. ويقول زغدار إنه يتضمن عدة إجراءات من شأنها تحسين مناخ الأعمال بما في ذلك إلغاء حق الشفعة وكذلك القاعدة 49/51 على نشاطات إنتاج السلع والخدمات غير الاستراتيجية.
وتؤكد الحكومة أن قانون الاستثمار الجديد تم إعداده ليتماشى مع الرهانات الاستراتيجية الحالية، من خلال خلق مناخ أعمال ملائم يشجّع الاستثمار المنتج ويسمح بجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
162
هو ترتيب الجزائر في مؤشر سهولة الأعمال للبنك الدولي 2020 من أصل 182 بلدا
كما يتعلق الأمر بإعادة هيكلة أنظمة الحوافز المقدمة في المستقبل وفقا للقيمة المضافة للاستثمارات في الاقتصاد المحلي وتأثيرها على تنمية القطاعات.
وتريد الجزائر إقرار حوافز مالية ضريبية وشبه ضريبية حسب كل نظام، بدءا من نظام الحوافز العام القاعدي ووصولا إلى أنظمة الاستثمارات المهيكلة، وتلك التي يتم إنجازها في محافظات الجنوب التي تقدم لها مزايا معتبرة.
كما تم اقتراح إعادة هيكلة أجهزة الاستثمار بإعادة تنظيم وبعث دور الوكالة الوطنية للاستثمار، بالإضافة إلى إنشاء هيكل تابع لها قصد التكفل السريع بالمشاريع الاستثمارية الكبرى.
وحتى تتمكن من إقناع المستثمرين بجدوى خططها الإصلاحية تستهدف الجزائر تحديث النظام المصرفي والمالي الذي ظل بعيدا عن المساهمة في التنمية، وإصلاح القطاع العام وحوكمة المؤسسات الحكومية وتعزيز دمج السوق الموازية ضمن الاقتصاد الرسمي.
وصنف آخر تقرير عن مؤشر مناخ الأعمال الصادر عن البنك الدولي الجزائر في المركز 162 من أصل 182 بلدا، متراجعة بذلك تسعة مراكز إلى الوراء مقارنة بالتقرير السابق.
وإلى جانب ذلك كله تدفع الأزمة الحكومة إلى البحث عن حلول للحد من البطالة البالغة نحو 11.5 في المئة من تعداد سكان يبلغ 43 مليون نسمة، عبر تحفيز المشاريع الصغيرة وتشجيع رواد الأعمال رغم مطبّات البيروقراطية لتعزيز مساهمة القطاع في إنعاش النمو.
ويرتبط الاقتصاد الجزائري بشكل عضوي بعائدات النفط، وقد تأثر البلد بشكل كبير بالتراجع الكبير لأسعار النفط، إذ تراجعت المداخيل إلى النصف وباتت في حدود 30 مليار دولار سنويا بعدما كانت بين 60 و70 مليار دولار قبل سبع سنوات.
وبلغت احتياطات البلد النفطي من النقد الأجنبي ذروتها منتصف 2014 عندما تجاوزت 194 مليار دولار، لكنها سرعان ما تهاوت بفعل الأزمة النفطية. وتتوقع الحكومة أن ترتفع اعتبارا من 2022 لتصل إلى 47.5 مليار دولار ثم إلى 50 مليار دولار في 2023.