العُماني محمود الزدجالي يوثّق حركة المكان والزمان والإنسان فوتوغرافيا

يسعى الفنان العُماني محمود الزدجالي لإيجاد هوية خاصة به في مجال الفن البصري ويرسّخ الواقع المفاهيمي في صور شتى، فهو يقترب من المكان والزمان برؤى تتقاطع أفكارها وتنتج مشهدا تفاعليا مغايرا. وعلى مدى تجربته في السنوات الماضية أثبت أن الخوض في التنوّع هو المثال الأجدر للحصول على التفرّد أيضا.
مسقط - الراصد لتجربة التشكيلي العُماني محمود الزدجالي الفنية يرى أنها تدور حول التجربة الإنسانية في المجتمع المحيط به، والأخذ بالشكل التصاعدي لأن تصل إلى غايات ذات أبعاد ونطاقات جغرافية بعيدة، فهو يفصح عن خيال هذه التجربة، والأسباب التي دعته للاتجاه إلى الفن المفاهيمي على وجه الخصوص، فيقول في ذلك “من المهمّ الذكر أن واقعي الفني الأساسي يكمن في إنتاج الأفلام، وقد أَثّر في طريقة عملي، وأصبحت أنظر إلى كل شيء من منظور إنساني وأسعى للإبداع الذي لا ينسى البشر أولا وأخيرا، ولذلك أتجه إلى التجربة الإنسانية”.
ويضيف “أجد الفن المفاهيمي يناسب منظوري، فهو وبكل تأكيد يسمح لنا أن نستكشف المواضيع الدفينة في مخيّلتنا وأهم ما تكنه مشاعرنا، وكذلك فإن هذا النوع من الفن يترك للمتلقي المجال لأن يُفسّر العمل بطريقته الخاصة، وبذلك يصبح المتلقي جزءا من عملية الإبداع، إنه من الممتع أن ننظر إلى لوحة فنية بها شجرة تحترق على سبيل القول، وأن نفكّر في ماهية الطبيعة وعلاقتنا معها، وأن تأخذنا الأفكار حتى نصل إلى الاحتباس الحراري، وكل هذا من لوحة واحدة”.
وفي ما يتعلق بالنطاقات الجغرافية يُشير الزدجالي إلى أنه من الطبيعي أن يضع الشرق الأوسط، العرب والمسلمين وسلطنة عُمان نصب عينه. ويؤكّد بقوله “فهذه هي هويتي كإنسان، ولكن الفن بشكل عام والفن المفاهيمي على وجه الخصوص يستكشفان قصص البشر، كلنا نشترك في بعض أجزاء هذه التجربة، ولذلك أجد تفاعلا من نطاقات جغرافية أخرى، خاصة وأن أسلوبي الجمالي يتناسق مع بعض المعايير الفنية في الدول الأخرى”.
وتعبّر الكثير من الأعمال الفنية للزدجالي عن الروح العربية الحديثة، وهي تبلور التجربة الإنسانية في الشرق الأوسط، فهو يشير إلى السبب الذي دعاه للتوجه إلى هذا المسار، واصفا أعماله الفنية بأنها تتمحور حول التجربة الإنسانية، ويقول “الشطر الأهم من هويتي هو كوني عُمانيا عربيا خليجيا من الشرق الأوسط، ولذلك نرى هذه الهوية ظاهرة في أعمالي، بالإضافة إلى أن هوية الشرق الأوسط مرّت بأحداث ومتغيّرات غاية في الأهمية منذ ولادتي وخاصة التداخل المتّصل بتوسّع الاتصالات والإنترنت، وشخصيا أرى أنه لا بد من توثيق هذه النقاط في القصص والحكايات التي تسردها أعمالي الفنية، أرى أن الشرق الأوسط مثير للاهتمام ويجب علينا أن نروي قصصنا الحديثة لنتعرّف على أنفسنا بشكل أفضل”.
والزدجالي إلى جانب كونه فنانا تشكيليا بصريا، فهو أيضا صانع محتوى، فقد عمل بشكل وثيق في إنتاج البرامج الإعلامية والأفلام منذ عام 2014. وهنا يتحدّث عن تلك المسيرة الفنية، وكيف وجد ذاته في صناعة المحتوى، وعن الشغف الذي يمارسه في هذا الجانب، فيقول “لا بد أن أعترف بأنني وجدت نفسي في مجال إنتاج الأفلام بالصدفة، فقد كنت أعمل حينها في وكالة مواهب، وفي تلك الفترة عملت ضمن فريق يعدّ لفعالية ثقافية في السلطنة، وطُلب منّي أن أقوم بتغطية الفعالية بالصور والفيديو، وجدت من تلك الفرصة ملاذا، فقد أسرتني فكرة توثيق اللحظات، لم أستطع نسيان تلك اللحظة، وبدأت ممارسة التصوير الفوتوغرافي وإنتاج الأفلام بشكل جدّي، خاصة وأن السوق لا يزال ينمو، ممّا يسمح للمصوّر بأن يترك بصمته الخاصة وأن يغيّر ما حوله”.
ويضيف الزدجالي “ما أزال شغوفا بالتأثير على إنتاج الأفلام والتصوير، وهذا ما أدّى إلى تأسيس منصة ‘فون آرت عُمان’ التي تُعنى بتطوير مهارات الناس في التصوير والفن باستخدام هواتفهم، واتخذت هذه الخطوة بالإضافة إلى حياتي المهنية، ولا أنفك أقول إن حياتي تدور حول التصوير والفنون المرتبطة بها في سلطنة عُمان”.
ويجد المتابع لأعمال الزدجالي علاقته غير الطبيعية بمسقط، وتعلقه الشديد بطرقاتها وتفاصيلها، وهنا يشرح الفنان العُماني ماهية تلك العلاقة وكيف أصبحت مصدر إلهام وشغف حاضرين في أعماله، ويقول “مسقط، وما أدراك ما مسقط! لقد ترعرعت فيها، وعلاقتي تكاد تكون أكثر حميمية بمطرح بالذات، فأولى ذكرياتي تتمحور حول سوق مطرح، ففي كل مرة أذهب هناك أجد زاوية جديدة ومنظرا مدهشا أو طريقا لم أعلم به، فمسقط ومطرح هما إلهامي، لدرجة أن أي ذكرٍ لسلطنة عُمان يذكّرني بمسقط، وهي ما يربطني بعُمان، كانت مطرح مصدر إلهام للكثيرين، فبعض أهم المشاركات في مبادرة ‘فون آرت عُمان’ بدأت في مسقط”.
ويضيف “كنا ننشئ تحدّيا وهو ‘جولة الصور’ حيث ينطلق ما بين خمسة وخمسة وعشرين شخصا مع بعضهم البعض في جولة حول مطرح ويلتقطون الصور، ثم يقارنون أعمالهم الفنية. حتى وإن صوّر شخصان نفس المنظر، كنا نجد دوما العديد من الفروقات بين الصور. كما علّمتنا مطرح أن لا عينين تنظران من نفس المنظور، وأن لكل شخص وجهة نظر خاصة”.
هناك رسائل مكشوفة وواضحة في أعمال الفنان العُماني الفنية تحاول الاقتراب من الجانب الإنساني الاجتماعي للسلطنة ومعالجة بعض قضاياها، ويكشف الزدجالي عمّا إذا حقّق غايته ورضاه الفني في هذا الجانب، ويوضّح بقوله “لم تكن لي يوما نيّة في تغيير المجتمع أو معالجة قضية فيه، فلا حقّ أو قدرة لي في ذلك، بل إن المجتمع هو الذي يتناول قضاياه وكلنا مشتركون في ذلك، كل ما أحاول فعله هو التعبير عن رأيي أو مشاعري في ما يخصّ العالم من حولي، وعبر الأعمال الفنية أحاول دعوة الآخر لأن يتأمّل الموضوع وأن يتناول المجتمع/ القضية ويناقشها بطريقته، قد أكون غير راضٍ عن الحلول التي تطرأ لحل المشكلات حولي، لكني لا أعتقد أني حلّلت شيئا، ولكني في غاية الرضا عن ردّ فعل الجمهور الذي يرى في أعمالي فرصة للنقاش، وأشكر كل فرد على ذلك”.
والقارئ للأعمال الفنية للزدحالي يجد أيضا أنها تركّز على مواضيع التحوّل والإحساس بالحريّة بلمسة عُمانية، وهنا يوضّح واقعية ذلك التحوّل، ويشير إلى أن التغيير جزء أساسي من الحياة، ويؤكّد قائلا “نحن نحتاج إلى أن نتأمّل أنفسنا وأن نتغيّر للأفضل، ولذلك علينا أن نسمح أيضا لأنفسنا بالتعمّق في التفكير، ونخرج من ذلك التفكير بتغيير إيجابي، وهنا يتشكّل معنى الحرية بالنسبة إليّ، وباختصار عليك أن تفكّر في ذاتك وأن تستلهم من ذلك شخصا أفضل، فأنا لا أريد أن أغيّر أي شخص حتى يشبهني، وإنما عليه أن يفكّر، أما اللمسة العُمانية، فهي تأتي من كوني عُمانيا بالأساس”.
وللفنان محمود الزدجالي رؤيته الخاصة للفن المفاهيمي في سلطنة عُمان، وهنا يبيّن الفنان أن الفن المفاهيمي كان ولا يزال في تطوّرٍ يثير الفخر، ويؤكّد “الفن المفاهيمي يُطلب منه التطوّر الدائم في كل جيل، كل عام، كل يوم، وعلينا كفنانين أن نبقى صادقين مع أنفسنا. لطالما كان الفن ملاذًا للناس وطريقة لكي نُلامس كفنانين حياة الآخرين، وأتمنى كمجتمع أن نسمح للمشهد الفني أن يستمرّ في تطوّره”.