الأوروبيون غير مقتنعين بالاتهامات الإسرائيلية للجمعيات الفلسطينية

القدس – لا يحتوي ملف إسرائيلي سري يُفصّل العلاقات المزعومة بين جمعيات حقوق الإنسان الفلسطينية ومنظمة إرهابية دولية أدلة ملموسة كثيرة، كما فشل في إقناع الدول الأوروبية بالتوقف عن تمويل الجمعيات.
وصنفت إسرائيل خلال الشهر الماضي ست منظمات مجتمع مدني فلسطينية على أنها جماعات إرهابية، قائلة إنها مرتبطة بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وهي حركة سياسية يسارية علمانية ذات جناح مسلح نفذت هجمات دامية ضد إسرائيليين. وتعتبر إسرائيل والدول الغربية الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين منظمة إرهابية.
لكن إسرائيل لم تتخذ المزيد من الإجراءات ضد الجماعات التي تعمل في الضفة الغربية المحتلة بشكل علني.
وتنفي المجموعات الست، التي يرتبط بعضها بعلاقات وثيقة مع جماعات حقوقية في إسرائيل وخارجها، هذه المزاعم. وتقول إن تصنيفها إرهابية يهدف إلى تكميم أفواه منتقدي الاحتلال العسكري الإسرائيلي للأراضي التي يريدها الفلسطينيون لدولتهم المستقبلية على مدى نصف قرن.
والجماعات المحددة هي مؤسسة الحق، ومؤسسة الضمير لحقوق الإنسان، والحركة العالمية للدفاع عن الأطفال/فلسطين، ومركز بيسان للبحوث والإنماء، واتحاد لجان المرأة الفلسطينية، واتحاد لجان العمل الزراعي.
ويعتمد الملف بشكل شبه كامل على استجواب سعيد عبيدات وعمرو حمودة، اللذين كانا يعملان محاسبين في اتحاد اللجان الصحية، وهي مجموعة منفصلة حُظرت في يناير 2020. وأفادت التقارير أنهما فصلا في 2019 بتهمة اختلاس الأموال قبل أن تعتقلهما الشاباك (جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي).
ولا يبدو أن أيّا منهما قد عمل على الإطلاق مع المنظمات الست التي حُظرت الشهر الماضي.
وفي مقتطفات منقحة من استجوابهما لدى السلطات الإسرائيلية، زعما أن المنظمات الست هي فروع للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، لكنهما لم يقدما أي دليل بخلاف تسمية حفنة من أعضاء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين المزعومين الذين توظفهم الجمعيات. وزعما تزوير بعض الموظفين للإيصالات لسحب أموال المانحين، لكنهما لم يقدما دليلا أو يقولا أين ذهبت الأموال.
وقال عبيدات عن اتحاد لجان العمل الزراعي “على حد علمي، هي تابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”. وتوقع ذلك لأن نفس شركة الطباعة التي ساعدته في تزوير الفواتير ساعدت الجمعية الأخرى.
ولم يذكر الأنشطة المسلحة حتى عند وصفه لعمله في تحويل الأموال إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. ونُقل عنه قوله “لقد مولنا أنشطة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مثل الأنشطة الجامعية، والجرحى والمرضى التابعين للجبهة، وعائلات شهداء الجبهة وسجنائها”.
وتقول إسرائيل إن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وجماعات مسلحة أخرى تستخدم مثل هذه الأنشطة لتجنيد أعضائها وتقديم الدعم المالي للمقاتلين وأسرهم.
كما يُفصِّل الملف عدة فواتير مزورة، جميعها من اتحاد اللجان الصحية. وقال عبيدات “أتوقع أن هذه الأموال ذهبت إلى أنشطة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”. وفي حالات أخرى، لم يكن من الواضح أين ذهبت الأموال، وتوقع عبيدات أن بعضها استخدمت لسداد ديون التغطية الصحية الشاملة.
وعبر العديد من المسؤولين الأوروبيين عن شكوكهم بشأن هذه المزاعم.
وفي رسالة إلى المشرعين الهولنديين في 12 مايو، قالت وزيرة الخارجية المؤقتة سيغريد كاغ إن المعلومات الإسرائيلية الجديدة عن منظمتين فلسطينيتين تمولهما هولندا بشكل غير مباشر “لا تقدم أي دليل ملموس على وجود روابط مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”.
وأقرت كاغ أن اثنين من الموظفين السابقين في اتحاد لجان العمل الزراعي الذين تلقوا رواتب من مشروع ممول هولندي مشتبه بهما في تفجير أغسطس 2019 في الضفة الغربية المحتلة توجهت أصابع الاتهام فيه إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وقالت إن الحكومة أوقفت بالفعل تمويل هذا المشروع لحين إجراء تحقيق مستقل.
وقالت وزيرة التنمية البلجيكية أمام لجنة برلمانية في يوليو إن حكومتها حققت أيضا في معلومات إسرائيلية وردت في مايو لكنها لم تجد “أدلة مادية ملموسة على احتيال محتمل في المنظمات الشريكة”.
وقالت الوزيرة مريم كيتير إن الحكومة دققت أيضا في عمليات المراجعة السنوية للمجموعات بمساعدة شركات دولية مثل ديلويت وبرايس ووتر هاوس كوبرز دون العثور على أي مخالفات.
وتابعت “لذلك لا أرى سببا اليوم لتجميد الأموال ولا لإجراء تحقيقات خارجية إضافية”.
منتقدون يقولون إن الجماعات الموالية لإسرائيل تهدف إلى تشويه سمعة نشطاء حقوقيين فلسطينيين من أجل حماية إسرائيل من الانتقادات في هيئات عالمية
وخلال الشهر الماضي أعرب وزير الخارجية الأيرلندي سيمون كوفيني عن قلقه بشأن التصنيف الإرهابي، قائلا إن المزاعم السابقة ضد منظمات المجتمع المدني الفلسطينية المدعومة من أيرلندا والاتحاد الأوروبي “لم تثبت”.
وسافر مسؤولو الشاباك إلى واشنطن الأسبوع الماضي لاطلاع المسؤولين الأميركيين على التصنيفات. وامتنع المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس عن التعليق على تلك المناقشات أو تحديد ما إذا كانت الولايات المتحدة تشارك إسرائيل تقييم الجماعات الفلسطينية.
وتقول منظمة إن.جي أو مونيتور، وهي مجموعة مؤيدة لإسرائيل تبحث في المنظمات غير الحكومية الفلسطينية، إنها حددت 13 منظمة وظفت معا أكثر من 70 فردا تربطهم صلات بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
وقال رئيس المنظمة جيرالد شتاينبرغ إن إسرائيل ركزت انتباهها على الشبكة المزعومة بعد هجوم أغسطس 2019، الذي قتل فتاة إسرائيلية تبلغ من العمر 17 عاما.
ويقول منتقدون إن الجماعات الموالية لإسرائيل تهدف إلى تشويه سمعة نشطاء حقوقيين فلسطينيين من أجل حماية إسرائيل من الانتقادات في هيئات عالمية مثل المحكمة الجنائية الدولية، التي فتحت تحقيقا في مارس في جرائم حرب إسرائيلية مزعومة. وتعارض إسرائيل التحقيق بشدة، وترى أن المحكمة الجنائية الدولية وغيرها من المنظمات الدولية متحيزة ضدها.
وقال مايكل سفارد المحامي الإسرائيلي البارز الذي يمثل الفلسطينيين في كثير من الأحيان، إن الملف “لا يرقى إلى أي شيء على الإطلاق” عندما يتعلق الأمر بالمنظمات الست.
وأكد سفارد أن المعتقلين الاثنين لا يمكن اعتبارهما من الشهود الموثوق بهم، وأن أقوالهما لا تثبت أي شيء.
وتابع “إنه الذنب بالتبعية. حتى لو كان صحيحا أن الأشخاص الذين يعملون في منظمات معينة هم نشطاء في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، فلا يعني ذلك أن التنظيم نفسه جزء منها”.