براك وهذيان الأشياء

بيكاسو بشهرته وألمعيته وعبقريته الاستثنائية استطاع أن يحتكر التكعيبية ويتركها وراءه في الوقت نفسه.
الاثنين 2021/11/08
جورج براك لم يكن تكعيبيا دائما

نصف المدرسة التكعيبية في الفن الحديث هو من ابتكار جورج براك. أما النصف الثاني فإن الفضل في ابتكاره يعود إلى بابلو بيكاسو. تلك قسمة لا بد أن تكون غير منصفة إذا ما تعلق الأمر بحدث فني لا يزال غامضا. فلا شيء في الفن يصلح للمناصفة. لذلك قد يكون جورج براك (1882 - 1963) هو الأصل غير أن بيكاسو بشهرته وألمعيته وعبقريته الاستثنائية استطاع أن يحتكر التكعيبية ويتركها وراءه في الوقت نفسه.

ارتبط اسم براك بالتكعيبية كما لو أنه لم يرسم إلاّ من خلالها وهو تصوّر خاطئ أو ناقص. ذلك لأن الرسام الفرنسي كان قد أنجز تجارب تصويرية قبل مرحلته التكعيبية وبعدها. أي أنه لم يكن تكعيبيا دائما ولم يقض حياته كلها وهو يرسم وفق الأسلوب التكعيبي.

صحيح أن تكعيبيته كانت أكثر رصانة وعمقا من تكعيبية بيكاسو، غير أنه كان رساما انطباعيا ومن ثم تأثّر بالمدرسة الوحشية، أما حين اهتم بالأشكال الهندسية فقد رسم مناظر من قريته.

خلت رسومه يومها من المباني بصورتها التقليدية لتحلّ محلّها أشكال هندسية هي عبارة عن مكعبات. حدث ذلك بتأثير مباشر من رسوم بول سيزان. وهنا بالضبط دخل بيكاسو على الخط وأعلن الشاعر غيوم أبولينير عن ولادة المدرسة التكعيبية.

لم يغادر براك التكعيبية سريعا مثلما فعل بيكاسو بل بقي ملتزما بها لسنوات أنتج أثناءها لوحات كثيرة، غير أنه في نهاية حياته عاد إلى رسم الحياة الصامتة والطيور والمناظر الطبيعية. غادر براك يومها التكعيبية غير أن شيئا منها بقي لصيقا برسومه. ذلك ما جهّزه بطريقة نظر جديدة إلى العالم من حوله. لم يرسم موضوعاته التقليدية مستعينا بمنظور تقليدي، بل بلغ تحسّسه الهندسي للأشياء أنه رسم الطيور بخطوط خارجية حادة كما لو أنها أدوات جارحة تشقّ الفضاء.

لقد أضفى براك على مفردات الحياة الصامتة روحا جديدة. تلك هي روح الرسام الخارج من مكعب. ذلك ما يسلّط عليه الضوء المعرض اللندني “جورج براك: شعرية الأشياء” المقام في غاليري برنارد جاكبسون.

14