استشراء غسيل الأموال يقوّض مناخ الاستثمار في تركيا

إسطنبول- حاولت تركيا الدفاع عن نفسها بشأن تحذيرات مجموعة العمل المالي الدولية (فاتف)، التي حملت في طياتها دليلا آخر على عدم قدرة أنقرة على الإيفاء بالتزاماتها الدولية بشأن مراقبة حركة الأموال العابرة للحدود.
ومنحت فاتف، وهي هيئة رقابية دولية أسستها مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى لحماية النظام المالي العالمي، أنقرة تقييما سلبيا لتقاعسها عن التصدي لغسيل الأموال، ووضعتها في القائمة الرمادية، في قرار قد يؤدي إلى تراجع الاستثمارات الأجنبية بصورة أكبر واستمرار انحدار قيمة الليرة.
وتركيا التي تشهد أزمة عميقة بسبب تدهور عملتها، رغم المؤشرات الإيجابية، التي ساقتها بعض وكالات التصنيف الائتماني مؤخرا بشأن تعافي النموّ من الأزمة الصحية، قد يتضرر اقتصادها بشكل إضافي من جراء هذا القرار.

ماركوس بليير: ثمة مشكلات إشراف خطيرة على البنوك والعقارات وتجارة الذهب
ويقول خبراء إن إدراج دولة ما على اللائحة الرمادية لفاتف، التي تضم 39 عضوا، قد يخلّف تداعيات في مجال الاستثمارات الأجنبية في تلك الدولة من خلال المساس بصورتها، مما يزيد من تراجع تدفق رؤوس الأموال بسبب التأثيرات على بيئة الأعمال.
واعتبرت أنقرة هذا التقييم بأنه “غير عادل”. وقالت وزارة الخزانة التركية في بيان في وقت متأخر من الخميس الماضي “على الرغم من عملنا لملاءمة (الإجراءات المطلوبة) تم وضع بلادنا في القائمة الرمادية وهي نتيجة لم نستحقّها”.
وأضافت الوزارة “في الفترة المقبلة، سنستمر في اتخاذ الإجراءات الضرورية للتعاون مع غافي وكل المؤسسات المعنية لضمان أن بلادنا سترفع من تلك القائمة التي لا تستحقها في أسرع وقت ممكن”.
وقبل سويعات من هذا الرد، قال ماركوس بليير رئيس غافي أثناء مؤتمر صحافي إنه يتعين على تركيا معالجة “مشكلات إشراف خطيرة” على القطاعين المصرفي والعقاري وعلى تجار الذهب والأحجار الكريمة.
وأضاف “على تركيا أن تثبت تصديها بفاعلية لقضايا غسيل أموال معقدة”. على الرغم من أن تقرير المجموعة أشار إلى أنه “منذ عام 2019، حققت تركيا بعض التقدم” في بعض المجالات المتعلقة بهذا الأمر.
وخلص بحث لصندوق النقد الدولي هذا العام، أن الإدراج في تلك القائمة يقلل تدفقات رؤوس الأموال بما تقدّر نسبته بنحو 7.6 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي، كما يؤثر سلبا أيضا على تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
ويأتي قرار غافي في الوقت الذي قال فيه بنك جي.بي مورغان في وول ستريت، إنه يتوقع أن يخفض البنك المركزي التركي أسعار الفائدة 100 نقطة أساس أخرى في نوفمبر المقبل ورفع توقعاته للتضخم بشكل حاد.
وأحدث البنك المركزي التركي صدمة في الأسواق مجددا بخفض سعر الفائدة الأساسي 200 نقطة أساس إلى 16 في المئة على الرغم من التضخم المرتفع المستمر، مما دفع الليرة للتراجع إلى أقل مستوى على الإطلاق، محققا بذلك ما طالب به الرئيس رجب طيب أردوغان.
ويعتبر الرئيس التركي أنّ أسعار الفائدة المرتفعة تسبب التضخم من خلال إجبار الشركات والمؤسسات التجارية على رفع أسعارها للتعويض عن ارتفاع تكاليف الاقتراض.

البنك المركزي التركي خفض سعر الفائدة الأساسي 200 نقطة أساس إلى 16 في المئة على الرغم من التضخم المرتفع المستمر
ويقول محللون إن هذا الوضع سيعرقل على الأرجح نموّ الناتج المحلي الإجمالي للبلاد الذي يعاني من عدة صدمات رغم مكابرة المسؤولين، وعلى رأسهم أردوغان، بأنه يتعافى.
وذكر البنك في بيان أنه “لن يكون هناك سوى فرصة ضئيلة لخفض سعر الفائدة مجددا هذا العام” نظرا لما وصفه بأنه “ضغط الأسعار المؤقت على الأغذية والطاقة وغيرها من الواردات”، وهو ما أدى إلى ارتفاع تكاليف المعيشة مع انخفاض قيمة العملة.
وقال ياركين سيبيشي من جي.بي مورجان في مذكرة للعملاء “مثل هذا التيسير الأولي يشير إلى أن خفض التضخم بطريقة سريعة ليس من أولويات السياسة”. وأضاف “نخشى ألا تؤدي هذه الخطوة إلا إلى تعزيز ضغوط الأسعار فقط وعدلنا توقعاتنا للتضخم إلى 19.9 في المئة لهذا العام وإلى 16.4 في المئة في 2022”.
وكان خفض الفائدة أعلى مرتين من أكثر التقديرات اعتدالا في استطلاع أجرته رويترز والذي توقع خفض سعر الفائدة بنحو 50 أو 100 نقطة أساس فحسب. ويواجه المركزي ضغوطا من أردوغان الذي استبدل الكثير من قيادات البنك هذا العام.
وفاجأ المركزي الأسواق في الشهر الماضي بخفض سعر الفائدة بواحد في المئة، مما أدى إلى تراجع الليرة إلى مستويات متدنية جديدة.
وتؤكد حقائق الواقع أن تركيا لا تملك هامشا كبيرا لتعزيز النمو إلا بالنجاح في تحسين مناخ الاستثمار بدرجة كبيرة، لزيادة استقطاب الاستثمارات الأجنبية التي تراجعت كثيرا بسبب سياسات أردوغان، وكذلك الرهان على عودة السياحة التي تضررت بشكل بالغ جراء الأزمة الصحية.