فنانو الكويت يسردون شغفهم بالبحر والصيد بمفردات تراثية

الكويت - اهتمت الحركة التشكيلية الكويتية بتراث البلاد البحري وارتباط أهل الكويت بصناعة السفن والغوص والصيد، وكل ما يتعلّق بشغفهم بالبحر على مرّ الزمان، وضمن هذا التوجّه استضاف المرسم الحر بالعاصمة الكويت أخيرا معرضا حمل عنوان “التراث البحري”، وذلك بمشاركة ثلاثة وعشرين فنانا وفنانة من الكويت، بينهم علي النعمان ومحمود أشكناني وعبدالرضا باقر وثريا البقصمي ومحمد الشيباني وابتسام العصفور وجاسم مراد ووليد سراب ومرزوق القناعي وأحمد الأيوب وأحمد دشتي وآخرين.
والمعرض الذي أقيم برعاية بدر الدويش الأمين العام المساعد للفنون التشكيلية بالمجلس الوطني الكويتي للثقافة والفنون والآداب، ضم العشرات من اللوحات التي توثّق التراث البحري الكويتي.
وعبّرت مسؤولة المرسم الحر سارة الخلف عن سعادتها بعودة الحياة مجدّدا إلى المرسم وبدء تنظيم الأنشطة التشكيلية على أرض الواقع، وذلك بعد توقّف دام قرابة عام ونصف العام جراء جائحة كورونا التي تسبّبت في إقامة كافة الفعاليات الفنية بالمرسم افتراضيا.

علي النعمان يرسم نسوة أشبه بحوريات بحر يتهادين بخيلاء على سطح الأرض بتوزيع متساو بين النور والعتمة
ولفتت إلى أن المعرض ضم أعمالا وصفتها بـ”الرائعة” والتي تصوّر مشاهدات فناني الكويت من التراث البحري لبلادهم. وأضافت الخلف بأن بعض الأعمال تناولت أبرز مهنة خليجية وهي الغوص للبحث عن اللؤلؤ، والبعض الآخر تناول صيد الأسماك والتجارة وما ارتبط بهما من حرف وصناعات.
وقالت عضو المرسم الحر الفنانة الكويتية ابتسام العصفور “المعرض عرض الكثير من الأوجه التي يتفرّد بها تراث الكويت البحري من خلال رؤى فنية معاصرة لفنانين ينتمون إلى أجيال ومدارس فنية مختلفة”.
وأضافت بأن لوحات المعرض دارت حول مهنة الغوص وصيد اللؤلؤ والأسماك، والتجارة البحرية، والسفن القديمة مثل “البغلة” وما يتعلّق بصناعة السفن قديما، وغير ذلك من الحرف ذات العلاقة بالتراث البحري في الكويت.
ولفتت العصفور إلى أن مشاركتها في المعرض جاءت في إطار مشروعها الخاص لتوثيق كل ما يتعلق بتاريخ الكويت وتراثها في شتى المجالات، بما في ذلك البحر وما يتعلق به من مهن وصناعات، والفن والموسيقى، والمباني القديمة، والمواقع والاكتشافات الأثرية وغيرها.
وأكّدت الفنانة الكويتية على أهمية دور الفنون التشكيلية في توثيق تراث الكويت بما في ذلك التراث البحري، كصناعة السفن، وأدوات الصيد كالشباك و”السالية” و”الحظرة” واستعداد الغواصين لدخول البحر، ورفع الأشرعة إيذانا بانطلاق السفن في رحلة الغوص وفلق المحار وغيرها.
وأضافت العصفور بأن الشواهد والمكتشفات الأثرية على سكان الكويت أثبتت أنهم اعتمدوا قديما على البحر في معيشتهم، وامتلكوا خبرة واسعة في ركوب البحار، واشتهروا بمعرفة العلوم البحرية قبل أن يصل البرتغاليون إلى المنطقة.
وحول مصادر موضوعات أعمالها الفنية ومفرداتها التشكيلية، قالت الفنانة الكويتية إن معظم أعمالها مستوحاة من التراث الكويتي والعربي أيضا، ودائما ما تكون موضوعات لوحاتها هي المباني القديمة، والمعالم التاريخية والأثرية، وكذلك الشخصيات التي كان لها حضور وتأثير في تاريخ الكويت وفنونها.
وعن قيمة الذاكرة في أعمالها أوضحت أنها تعني أشياء لا يمكن نسيانها، فهي المشاهد التي تصمد أمام حركة الزمن المتسارعة، وأضافت “في أيامنا العربية الراهنة الكثير ممّا يمكن أن يوثّق ويقال ويكتب ويرسم أيضا (…) والريشة واللون يلعبان دورا كبيرا في ترسيخ الأحداث في الذهن كي لا تنساها أجيالنا القادمة”.

وعن تركيزه على المرأة في لوحاته قال علي النعمان “تناولت العديد من الأفكار خلال أعمالي السابقة، إذ ركّزت على موضوع معاناة الصياد والألعاب الشعبية والموروثات القديمة البحرية والصحراوية، وفي لوحاتي الجديدة حرصت على التركيز على المرأة وبهائها وانسجامها مع النسمات القادمة من البحر”.
وهو في ذلك يرسم نسوة أشبه بحوريات بحر يتهادين بخُيلاء على سطح الأرض بتوزيع متساو ودقيق بين النور والعتمة، مشكّلا منهنّ مادة بصرية تستقيم بتوازن الضوء والظل أو الألوان الفاتحة مع الألوان الغامقة.
وعرضت أعمال النعمان في مدريد وبرشلونة وصوفيا وموسكو وباريس وبكين ومسقط وبيروت والرباط والمنامة والرياض والشارقة وتونس ودمشق، وهو حاصل على مجموعة من الجوائز منها ذهبية معرض الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية لعدة دورات، والشراع الذهبي في بينالي الكويت الدولي عام 1996، وجائزة الدانة الذهبية في عام 2003.
المعرض يقدّم العديد من الأوجه التي يتفرّد بها تراث الكويت البحري عبر رؤى فنية متنوعة لفنانين من أجيال مختلفة
وتدلّنا المخطوطات والكتب التاريخية التي خلفها الرحالة العرب القدامى أن الكويت ودول الخليج العربي قد عرفت صناعة السفن وعلوم الملاحة منذ أقدم العصور.
ولأهل الكويت وللخليجيين بشكل خاص والعرب والمسلمين بشكل عام باع طويل في ركوب البحر والملاحة وعلومها، وهي علوم يُعتمد عليها الآن، خاصة في مجال رصد النجوم التي تحتفظ بأسمائها العربية حتى اليوم.
وقد عرفت الكويت صناعة السفن قديما، ويأتي ذكرها في معظم المراجع التي تتناول تاريخ الملاحة والسفن، وبات الخليج العربي مقصدا لكل باحث في تاريخ الملاحة والسفن وركوب البحر بهدف التجارة أو الصيد. كما تمتلئ المكتبات الجامعية والبحثية في العالم بالمئات من الخرائط والوثائق والمخطوطات والكتب حول الملاحة في العالم الإسلامي والعربي ومنطقة الخليج.
والعرب بحارة متمكنون، حيث كانوا يقومون برحلاتهم تجاه الهند حين تهب الرياح الموسمية الجنوبية الغربية، ويقومون برحلة العودة في الشتاء، وكانت المئات من السفن الشراعية تتنقل من ميناء إلى آخر في الخليج وعُمان، وكانت الكويت والبحرين ومسقط مراكز تجارية عامة مرتبطة بالرحلات البحرية لسفن البحارة بالمدن الساحلية الخليجية. وفي العصور الوسطى ذاع صيت العرب في بناء سفن كانوا يجوبون بها بحار العالم.