الأردن يواجه التأثيرات الخارجية عبر تحصين الجبهة الداخلية

يسعى العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني لتحصين الجبهة الداخلية عبر توجيهه بعفو خاص عن المدانين بجرائم إطالة اللسان، في وقت تقول فيه السلطات إن المملكة تتعرض إلى حملة تشويه خارجية تستهدف استقرارها.
عمّان- فتح القرار الملكي بالأردن الصادر قبل أيام والمتعلق بإصدار عفو خاص عن المدانين بتهمة “إطالة اللسان” على العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني باب التحليلات والتكهنات حول دلالاته وأهدافه.
وتزامن القرار مع تسلم الملك عبدالله الثاني مخرجات ونتائج لجنة تحديث المنظومة السياسية بالبلاد، واستبق نشر وثائق باندورا التي تحدثت عن “امبراطورية عقارية سرية” للعاهل الأردني اعتبرت عمّان أنها تضمنت افتراءات وتشهيرًا بالملك عبدالله الثاني.
ويرى مراقبون أن هذه المعطيات ذات أبعاد داخلية وخارجية تدلل على أن قرار العاهل الأردني بالعفو الخاص “كان مدروسا من حيث التوقيت وله مغزى سياسي”، إذ يشير إلى جديته في مسألة الإصلاح والتي بدأها بنفسه، وحرصه على مواجهة تأثيرات خارجية عبر تحصين الجبهة الداخلية.

صالح العرموطي: كنت أتمنى أن يكون عفوا عاما لفتح صفحة جديدة
ولم يكتفِ الملك عبدالله الثاني بما صدر عن ديوانه من رد على ما ورد في وثائق باندورا، فقد بين خلال لقائه الإثنين الماضي بعدد من شيوخ البادية الوسطى ووجهائها إلى أن محاولات إرباك جبهة الأردن الداخلية لم تتوقف منذ زمن، قائلاً “هنالك حملة على الأردن، ولا يزال هنالك من يريد التخريب ويبني الشكوك”.
وأضاف “لا يوجد ما يتم إخفاؤه”، مؤكداً أن “الأردن سيبقى أقوى، فهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها استهدافه”.
وذكرت الوثائق التي تشمل مزاعم بشأن ثروات حوالي 35 من قادة العالم الحاليين والسابقين، أن العاهل الأردني “أنفق أكثر من 100 مليون دولار لتكوين إمبراطورية عقارية سرية في المملكة المتحدة والولايات المتحدة”.
وعلى صعيد الإصلاح لفت العاهل الأردني إلى أن التحديث السياسي مستمر، وأنه يجب أن يتزامن مع الإصلاح الاقتصادي لتحقيق النتائج المرجوة، ولإحداث نقلة نوعية يشعر المواطن بأثرها.
والأحد الماضي تسلّم الملك عبدالله الثاني تقرير لجنة تحديث المنظومة السياسية، بعد أن استكملت الأخيرة أعمالها في التاسع عشر من الشهر الماضي بإقرار مسودة قانون الانتخاب، ومقترحات لتعديلات دستورية متصلة بقانوني الانتخاب والأحزاب وآليات العمل النيابي.
وأكد العاهل الأردني خلال لقائه برئيس اللجنة وأعضائها في الديوان الملكي أن “نتائج منظومة التحديث ستسير بحسب المقتضى الدستوري، حيث تتبناها الحكومة وتتعامل معها بكل حياد وإيجابية وترسلها إلى مجلس الأمة (البرلمان بشقيه)”.
وكانت الحكومة الأردنية قد أعلنت عن بدء حصر القضايا المتعلقة بإطالة اللسان وإحضار الملفات الخاصة بها من المحاكم المختلفة ودوائر الادعاء العام، تمهيدا لتنفيذ العفو الملكي.

ليث نصراوين: العفو الخاص إشارة إلى أن هناك رغبة حقيقية في الإصلاح
وتنص المادة 195 من قانون العقوبات على أنه “يعاقب بالحبس من سنة إلى 3 سنوات كل من تثبت جراءته بإطالة اللسان على الملك أو أرسل رسالة خطية أو شفوية أو إلكترونية أو أي صورة أو رسم هزلي إلى الملك وقام بوضع تلك الرسالة أو الصورة أو الرسم بشكل يؤدي إلى المس بكرامته أو يفيد بذلك، وتطبق العقوبة ذاتها إلى حمل غيره للقيام بأي من تلك الأفعال”.
وقبل عام 2017 كان المتهمون في هذه القضايا يحاكمون أمام محكمة أمن الدولة، لكنها تحولت بعد ذلك إلى المحاكم النظامية.
واعتبر ليث نصراوين، أستاذ القانون الدستوري بالجامعة الأردنية (حكومية)، أن “العفو الخاص تزامن مع تقديم اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية تقريرها للملك عبدالله الثاني، ما يعني إشارة منه إلى أن هناك رغبة حقيقية في الإصلاح، ودلالة ذلك أن العاهل الأردني قد بدأ بنفسه عبر إصدار القرار بالعفو عمّن أساء إليه”.
ويرى صالح العرموطي، عضو مجلس النواب الأردني (الغرفة الأولى للبرلمان) أن “العفو الخاص استحقاق دستوري يشمل كل الجرائم، وكنت أتمنى أن يكون عفوا عاما لطيّ صفحة مضت وفتح صفحة جديدة”.
وتابع البرلماني الأردني وهو قانوني مختص ونقيب سابق للمحامين أن “اختيار التهمة له أبعاد سياسية، لأن معظم القضايا المتعلقة بهذا الشأن كيدية وغير مبررة، وأخذت بعدا إعلاميا في الداخل والخارج”.
وأردف “هذه القضايا تسيء للعاهل الأردني لأنها تظهر وجود خصومة بينه وبين الشعب، وعندما كنت نقيبا للمحامين طالبت بإلغاء المادة 195 من قانون العقوبات الأردني”.
وعبّر العرموطي عن توقّعه ألا تكون الأعداد المشمولة بالعفو كبيرة، وستكون “محدودة جدا وربما تقدر بالمئات؛ لأن الكثير من القضايا التي صدرت بها أحكام خفضت العقوبة فيها إلى ثلاثة أشهر واستبدلت بغرامة”.
ووجه العاهل الأردني حكومته السبت الماضي إلى دراسة جميع القضايا المتعلقة بـ”إطالة اللسان” والسير في إجراءات عفو خاص عنها.
العاهل الأردني أكد خلال لقائه برئيس اللجنة وأعضائها في الديوان الملكي أن “نتائج منظومة التحديث ستسير بحسب المقتضى الدستوري
وأوضح المحلل السياسي عامر السبايلة أن “هذه التهم تتعارض مع فكرة مناخات الحريات والإصلاح السياسي”.
واضاف السبايلة “من الطبيعي إذا أردنا مرحلة من الإصلاح السياسي أن تبدأ بإعطاء انطباعات إيجابية، لهذا فنحن نتحدث عن ضرورة خلق هذا المناخ، والتي يجب أن تتبعها مصالحات سياسية وخلق مظلة من الدولة تضم الجميع”.
ولفت إلى أن ما يدفع نحو ذلك هو أن “السنتين الأخيرتين شهدتا حالة من الاستعداء بين الكثير من الأطراف، نقابات وعمال وناشطون، وتم خلق حساسيات في المجتمع لم تكن موجودة حتى إبان الربيع العربي”.