"لعبة الحبار" دراما كورية تنتقد التفاوت الطبقي تتحوّل إلى ظاهرة عالمية

مسلسل "لعبة الحبار" يعتبر أشهر مسلسل كوري جنوبي في نتفليكس منذ إطلاق المنصة يتميز بالتشويق والإثارة.
السبت 2021/10/09
نقد لاذع للمجتمعات الرأسمالية الحديثة

سيول- بعد نجاح موسيقى الكاي-بوب وتتويج السينما الكورية الجنوبية بجائزة الأوسكار في العام الماضي عبر فيلم “طفيلي” للمخرج بونغ جون هو، أحدثت الدولة الآسيوية انقلابا في مشهد المسلسلات التلفزيونية العالمية من خلال “لعبة الحبار” (سكويد غايم) الذي أنتجته نتفليكس، ويمزج بين الرمزية الاجتماعية والعنف الشديد من خلال رؤية بائسة لمجتمع مستقطب.

وتدور أحداث المسلسل حول مجموعة مكوّنة من 456 شخصا، بينهم مهاجر هندي وهارب من كوريا الشمالية، مدينين ويائسين، يشاركون في لعبة البقاء على قيد الحياة، حيث تتاح لشخص واحد فقط الحصول على 45.6 مليار وون كوري (حوالي 38.1 مليون دولار)، إذا فاز بسلسلة من ست مباريات دموية، فيما يُقتَل الخاسرون في هذه الألعاب.

واستقطب المسلسل جمهورا كبيرا جدا من كل أنحاء العالم بفضل مجموعة من العوامل، أحدها جمعُه بين التسلية الطفولية وعواقبها المميتة، إضافة إلى الإنتاج المتقن والسينوغرافيا الضخمة.

وما لبث أحد مسؤولي نتفليكس أن صرّح بعد أيام قليلة من إطلاق “لعبة الحبار” الشهر الماضي، بأن ثمة “احتمالا كبيرا بأن يصبح أكبر مسلسل على الإطلاق في تاريخ المنصة”.

وتشكّل ظاهرة “سكويد غايم” أو لعبة الحبار أحدث التجليات المعبّرة عن تأثير كوريا الجنوبية المتزايد على المشهد الثقافي العالمي، بعد النجاح الهائل الذي حققته فرقة البوب الكورية “بي.تي.أس” وفوز فيلم “طفيلي” (باراسايت) بالسعفة الذهبية في مهرجان كان، وتمكنه من أن يصبح أول عمل بغير اللغة الإنجليزية ينال جائزة الأوسكار لأفضل فيلم.

لعبة طفولية تقود مشتركيها إلى الهلاك
لعبة طفولية تقود مشتركيها إلى الهلاك

ورأى النقاد أن نجاح المسلسل رغم كون أحداثه تدور في إطار كوري بحت، يعود إلى أن المواضيع التي يتناولها وتسليطه الضوء على تجاوزات الرأسمالية تجد صدى عالميا، وشكّلت تاليا مفتاح نجاحه في كل مكان.

وذكّرت أستاذة الدراسات الكورية في جامعة نوتردام في الولايات المتحدة شارون يون بأن “الميل المتزايد إلى تغليب الكسب المادي على رفاهية الفرد هو ظاهرة موجودة في كل المجتمعات الرأسمالية حول العالم”.

ويبدو أن الموجة الكورية لن تتلاشى قريبا، إذ أعلنت نتفليكس في فبراير الماضي عن خطة لاستثمار خمسمئة مليون دولار خلال السنة الجارية وحدها، في مسلسلات وأفلام منتجة في كوريا الجنوبية.

ولاحظ الرئيس المشارك للمنصة تيد ساراندوس أن “العالم وقع على مدى العامين الأخيرين في حب الأعمال الكورية المذهلة التي تُصنَع في كوريا ويشاهدها العالم أجمع على نتفليكس”. وأضاف “لدينا التزام قويّ تجاه كوريا، وسنواصل الاستثمار والتعاون مع رواة القصص الكوريين من خلال أنواع وأشكال عدّة”.

وسعى الفنانون من خلال طرح مواضيع السلطة والعنف والقضايا الاجتماعية إلى معالجة المسائل التي طبعت تاريخ كوريا الجنوبية، من حرب وفقر وحكومات استبدادية. وأنتج ذلك مشهدا ثقافيا نابضا بالحياة أثارت مختلف فئاته اهتمام جمهور عالمي مدى العقود الأخيرة.

فالمسلسلات التلفزيونية المسماة “كاي دراماز” أو الدراما الكورية، غزت الشاشات الصغيرة في آسيا، قبل أن تفوز السينما الكورية الجنوبية بجوائز مرموقة في المهرجانات الأوروبية، وتنتشر موسيقى الكاي-بوب في شتى أنحاء العالم.

وكوّن فيلم “طفيلي” الروائي شهرة عالمية للسينما الناطقة باللغة الكورية، من خلال تناوله بأسلوب ساخر الفجوة المتزايدة بين الأغنياء والفقراء في الدولة التي يحتلّ اقتصادها المركز الثاني عشر عالميا.

ظاهرة "سكويد غايم" أو لعبة الحبار تشكل أحدث التجليات المعبّرة عن تأثير كوريا الجنوبية المتزايد على المشهد الثقافي العالمي
ظاهرة "سكويد غايم" أو لعبة الحبار تشكل أحدث التجليات المعبّرة عن تأثير كوريا الجنوبية المتزايد على المشهد الثقافي العالمي

وأنجز المخرج هوانغ دونغ هيوك سيناريو “لعبة الحبار” قبل عشر سنوات، لكن المستثمرين أحجموا عن المراهنة على عمل وجدوه “دمويا جدا وغير مألوف وغامض”. وقبل هذا المسلسل، عالج المخرج في أعماله العديد من المواضيع، منها الاعتداءات الجنسية والتبني الدولي والإعاقة، انطلاقا من وقائع حقيقية استوحى منها بحريّة مجموعة من الأفلام الروائية.

أما مسلسله عبر نتفليكس، وهو الأول له، فيتضمّن إشارات واضحة إلى عدد من الصدمات التي لا تزال تطبع إلى اليوم الذاكرة الجماعية لكوريا الجنوبية، كالأزمة المالية الآسيوية عام 1997 وعمليات صرف العاملين في شركة “سانغيونغ” لصناعة السيارات عام 2009، وهما حدثان أدّيا إلى حالات انتحار.

وعن سبب نجاح المسلسل وتعلّق الجمهور من مختلف دول العالم به، قال هيوك لعبة “يرجع ذلك إلى بساطة المسلسل وشخصياته التي يمكن الارتباط بها، أردت أن أكتب قصة كانت قصة رمزية أو حكاية عن المجتمع الرأسمالي الحديث، شيء يصوّر منافسة شديدة إلى حد ما مثل المنافسة الشديدة في الحياة”.

وأضاف “لكنني أردت التعويل على شخصيات تشبه من نقابلهم في الواقع.. الحياة باعتبارها لعبة البقاء على قيد الحياة، فهي ترفيه ودراما إنسانية، والألعاب المصوّرة بسيطة للغاية وسهلة الفهم، وهذا يسمح للمشاهدين بالتركيز على الشخصيات بدلا من تشتيت انتباههم بمحاولة تفسير القواعد المعقدة”.

وقال أستاذ الدراسات الكورية في جامعة أوسلو فلاديمير تيخونوف إن “كوريا الجنوبية تحوّلت في الآونة الأخيرة وبسرعة خلال العقدين الماضيين مجتمعا يتّسم بدرجة كبيرة من عدم التكافؤ”.

وهو يرى أن إمكان الارتقاء الاجتماعي من فئة إلى أخرى أصبح “أقل بكثير” اليوم مقارنة بما كان عليه قبل عام 1997، مُشيرا إلى أن “صدمة تفاقم التفاوت الطبقي ما انفكت تنعكس على الشاشات”.

أما أستاذ السينما في جامعة سان دييغو العامة في الولايات المتحدة براين هو، فاعتبر أن الشعبية التي حصدها المسلسل في أكثر من مئة دولة دليل على أنه لم يُنتَج لمشاهدي الغرب فقط.

وقال إن “الجمهور الغربي كان دائما يربط بين وسائل الإعلام الأجنبية والفقر، وأصبح ذلك وسيلة للنظر بازدراء إلى بقية العالم الذي يُنظر إليه على أنه متخلف”. وأضاف أن ما يميّز “لعبة الحبار” و”طفيلي” هو أن هذين العملين “رغم كونهما يتناولان الفقر وعدم المساواة الطبقية، يفعلان ذلك بطريقة تُبرز الحداثة الفنية والسينمائية في كوريا”.

ويعدّ مسلسل “لعبة الحبار” أشهر مسلسل كوري جنوبي في نتفليكس منذ إطلاق المنصة، وهو صنف تشويق وإثارة وصلت حلقاته موسمه الأول إلى تسع حلقات.

15