الالتباس بين الإرهاب والمعارضة يعيق الجزائر عن مراقبة الوضع الداخلي

مخاوف من تحويل تهديد حركتي استقلال القبائل "ماك" و"رشاد" إلى تصفية حسابات مع الحراك الشعبي.
السبت 2021/10/02
خطر الإرهاب يتواصل

الجزائر- تتجه السلطة الجزائرية إلى طي صفحة الاحتجاجات السياسية بشكل نهائي، بالقطع بين ما تسميه الحراك “المبارك الأصيل”، وبين الحراك “المفتعل والمغرض”، فالأول بالنسبة إليها أنقذ البلاد من الانهيار، حسب تصريح الرئيس عبدالمجيد تبون، أما الثاني فهو نشاط إرهابي يستهدف أمن واستقرار البلاد.

ويجري تحويل موجة الحرائق التي شهدتها منطقة القبائل خلال الصائفة الماضية والجريمة البشعة التي استهدفت الناشط المتطوع جمال بن إسماعين، إلى منصة تتم من خلالها مراجعة المقاربة المطبقة في التعاطي مع المعارضة الداخلية، خاصة بعد ظهور حركتي استقلال القبائل “ماك” و”رشاد” على السطح.

ورغم الإجماع الرسمي في البلاد على انتصار مؤسسات الدولة على الإرهاب الإسلامي، إلا أن الخطاب الأمني عاد بقوة خلال الأشهر الماضية، بعد إدراج الحركتين المذكورتين كتنظيمين إرهابيين يخضعان للنصوص والقوانين المعالجة للظاهرة.

وأمام تشديد القبضة الأمنية في المنطقة بشكل غير مسبوق، تحدثت تقارير أمنية للسلطة عن سلسلة من الوقائع الميدانية، تشير إلى تفكيك شبكات وتوقيف عناصر تابعة إلى ماك ورشاد، تنشط في إطار مخطط لإثارة الفوضى واستهداف أمن واستقرار البلاد.

وقدمت روايات عرضت في وسائل إعلام حكومية وخاصة إفادات عن ضلوع عدد من عناصر حركة “ماك” في موجة الحرائق التي عاشتها منطقة القبائل خلال الأشهر الماضية، وهو ما مهّد الطريق أمام سن ترسانة قانونية لمعالجة قانونية رادعة في إطار موجة جديدة من الحرب على الإرهاب. 

الخطاب الأمني عاد بقوة بعد إدراج حركتين "ماك" و"رشاد" كتنظيمين إرهابيين يخضعان للنصوص والقوانين المعالجة للظاهرة
الخطاب الأمني عاد بقوة بعد إدراج حركتين "ماك" و"رشاد" كتنظيمين إرهابيين يخضعان للنصوص والقوانين المعالجة للظاهرة

وأبدت أوساط حقوقية، تخوفها من خطوات السلطة لإشاعة أجواء أمنية على المشهد العام في البلاد، بشكل يعيد سيناريو حقبة العشرية الدموية إلى الأذهان، في ظل التوجه لتثبيت إجراءات مشددة على التباس بالوضع السياسي القائم، وبالحق في معارضة السلطة.

وتذكر “التنسيقية المستقلة للدفاع عن معتقلي الرأي”، بأن “وتيرة التوقيفات والاعتقالات تسارعت في الآونة الأخيرة بشكل غير مسبوق، وأن الانتماء إلى ‘ماك’ و’رشاد’ صار وسما يلصق بالناشطين والمعارضين لتبرير القبضة الأمنية وقمع الحريات”.

ورغم الكشف عن اعترافات قدمها الإعلام المحلي، ذكر أصحابها علاقتهم بقيادات التنظيمين والعمل لتنفيذ مخطط يستهدف إثارة الفوضى والصدام الداخلي، والمساس بالأمن والاستقرار، كما تم الكشف عن خيوط تمويل بين شبكات داخلية ومصادر خارجية تقيم في بعض العواصم والمدن الأوروبية، فإن ناشطين يصرون على أنها مجرد تبرعات شعبية للتضامن مع عائلات المساجين والموقوفين، وأنه لا علاقة لها بما يروج له عن نشاط “ماك” و”رشاد”.

وعبرت أوساط حقوقية، عن مخاوفها من استغلال السلطة للحركتين المذكورتين من أجل الانقضاض على الحراك الشعبي والناشطين السياسيين المعارضين، والانتقال من المعالجة السياسية للوضع الداخلي، إلى قبضة حديدية بدعوى محاربة الإرهاب والإرهابيين، وهو ما تم التمهيد له بمشروع القانون الجديد الذي طرحه مجلس الحكومة المنعقد أمس الأول.

وذكر في هذا الشأن بيان المجلس، بأن “الحكومة استمعت إلى عرض قدمه وزير العدل حافظ الأختام، حول مشروع مرسوم تنفيذي يحدّد كيفيات التسجيل في القائمة الوطنية للأشخاص والكيانات الإرهابية والشطب منها، والآثار الـمترتبة على ذلك”.

وأضاف “هذا النص يأتي تطبيقا للتعديل الأخير لقانون العقوبات، الذي تم بموجبه تعزيز النظام الوطني لـمكافحة الإرهاب والمساس بالأمن والوحدة الوطنيين، من خلال وضع القائمة الوطنية للأشخاص والكيانات الإرهابية ولجنة تصنيف الأشخاص والكيانات الإرهابية”.

ولفت إلى أن “النص يهدف إلى تحديد تشكيلة وعمل اللجنة الـمذكورة، وكيفيات التسجيل في قائمة الأشخاص والكيانات الإرهابية والشطب منها، وكذا كيفيات تنفيذ الآثار القانونية الـمترتبة على ذلك”.

أمام تشديد القبضة الأمنية تحدثت تقارير عن سلسلة من الوقائع تشير إلى تفكيك شبكات تابعة لـ"ماك" و"رشاد"
أمام تشديد القبضة الأمنية تحدثت تقارير عن سلسلة من الوقائع تشير إلى تفكيك شبكات تابعة لـ"ماك" و"رشاد"

ويرى متابعون للشأن الجزائري، بأن التحوّل المسجل في قيادة السلطة الأمنية والعسكرية، بعد رحيل القائد السابق للمؤسسة العسكرية الجنرال أحمد قايد صالح، سمح بعودة ما يعرف بـ”الصقور”، وهو الجناح المعروف بتشدده في المسائل الأمنية منذ تسعينات القرن الماضي، حيث كان حينها يرفض رفضا قاطعا أي معالجة سياسية للحرب الأهلية مع الإسلاميين، ويتبنى مقاربة أمنية بحتة في التعاطي مع الأزمات الداخلية، بما فيها الاحتجاجات السياسية التي فجرها الحراك الشعبي في فبراير 2019.

ومع ذلك يبقى أكبر عائق أمام تجسيد التوجه الجديد للسلطة الجزائرية، هو غياب الإجماع على مفهوم محدّد لمصطلحات الإرهاب والتنظيمات الإرهابية، الأمر الذي يعيق اجتثاث التنظيمين، على اعتبار أن قيادتهما ونواتهما الأولى تقيم على أراض أوروبية لم تبد حكوماتها أي تفاعل مع المقاربة الجزائرية، في ظل وجود التباس بين ما تراه السلطة إرهابا وما يراه هؤلاء معارضة سياسية.

4