تحلية مياه الصرف الذاهبة إلى سيناء تدحض توصيل مياه النيل إلى إسرائيل

أثار افتتاح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي محطة معالجة مياه مصرف بحر البقر، مطلع هذا الأسبوع، الكثير من الشكوك، وتعرّض لاتهامات خاصة من تنظيم الإخوان وأبواقه الإعلامية التي تزعم أن النظام المصري يسعى إلى إمداد إسرائيل بمياه النيل، في حين يؤكد خبراء الزراعة والمياه المصريين أن هذا المشروع العملاق لا يهدف إلا لتحقيق الاكتفاء الذاتي وإحداث قفزة تنموية في المناطق الزراعية التي تشكو من شحّ المياه، مما يساعد الدولة في مكافحة الإرهاب الذي يعدّ الفقر وقودا له.
القاهرة - تجدد الجدل في مصر حول قضية توصيل مياه النيل إلى إسرائيل مع افتتاح محطة معالجة مياه مصرف “بحر البقر” في شرق سيناء، والمقرر توظيفها لأبعاد استثمارية ترتبط بالتنمية، في وقت تبنى فيه تنظيم الإخوان حديثا يدعم زعم أن الخطوة تحمل دلالات على إمكانية تنفيذ مخطط قديم مع انسداد أفق الحل في أزمة سد النهضة الإثيوبي، ويهدف إلى توصيل مياه النيل عبر ترعة السلام إلى إسرائيل.
وربط مراقبون بين تعقيدات أزمة سد النهضة وبين الدعم الإسرائيلي لإثيوبيا بعد أن راجت معلومات حول تدشين تل أبيب دفاعات جوية لحماية السد من أي عمل عسكري يمكن أن تقدم عليه مصر، ما منح فرصة لأصحاب سيناريو توصيل مياه النيل إلى إسرائيل لترويج مزاعم أن أنفاق سيناء الجديدة ومشروعات تحلية المياه تستهدف ترتيب صيغة تضمن مستقبلا وصول مياه النيل إلى إسرائيل مقابل حث إثيوبيا على عقد اتفاق ملزم ومرض مع القاهرة يمنع وقوع ضرر أو التأثير على حصتها من مياه النيل.
وتعد محطة “بطن البقر” الأضخم من نوعها على مستوى العالم بتكلفة حوالي 18 مليار جنيه مصري (حوالي مليار و100 مليون دولار) بطاقة إنتاجية تبلغ 2 مليار متر مكعب من المياه المعالجة ثلاثياً في العام الواحد، على أن يجري نقلها إلى أراضي شمال سيناء لتساهم في استصلاح 476 ألف فدان في إطار المشروع القومي لتنمية سيناء ولتعزيز منظومة الاستخدام الأمثل للموارد المائية للدولة، بمعنى أن الحديث ينصب على الأراضي المصرية والاستفادة منها في الزراعة وتعميرها بالبشر وهي من الأدوات المهمة في حماية الأمن القومي.
بنية أساسية متكاملة

هبة البشبيشي: إسرائيل تضغط على مصر عبر إثيوبيا للقبول بتوصيل المياه
تعبر الخطوة عن اكتمال البنية الأساسية لمشروع ترعة السلام الذي يستهدف نقل مياه النيل إلى سيناء وجرى البدء فيه منذ تسعينات القرن الماضي، ومتوقع حال جرى ضخ المزيد من المياه العذبة أن تتضاعف الأراضي المزروعة.
أكدت آراء سياسية وفنية صعوبة تنفيذ ما جرى الحديث بشأنه في عهد الرئيس الراحل أنور السادات في سبعينات القرن الماضي عندما وجه في ذلك الحين نحو البدء في حفر ترعة السلام العملاقة لتوجيه مياه النيل إلى سيناء، وقيل وقتها إنها تمهيد لأن تذهب لإسرائيل قبل أن يواجه المشروع اعتراضات عديدة أخرجت تل أبيب من المعادلة.
وأشارت التقديرات إلى أن إشراف الجيش المصري على مشروعات استصلاح الأراضي ومحطات التحلية وأنفاق قناة السويس حاليا تجهض اجتهادات تحاول تسويق سيناريو توصيل المياه إلى إسرائيل وكررت المعزوفة لأن هذا الخيار مرفوض استراتيجيًا، فالعقيدة المصرية لا تقبل حلولا تؤثر على هيبة الدولة.
ومن الملاحظ أن الحديث عن دور إسرائيل في ملف المياه يجري ترويجه في سياقات سياسية داخلية للطعن في شرعية النظام المصري أو التشكيك في المشروعات العديدة التي يدشنها وتقليل أهميتها التنموية، وما يدعم هذه الرؤى أن إسرائيل ماضية في طريقها نحو تدشين علاقات متقدمة مع الدول الأفريقية.
وأشارت أستاذة العلوم السياسية بكلية الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة هبة البشبيشي، إلى أن الأطماع الإسرائيلية في مياه النيل لم تتوقف وتحاول بشتى الطرق معالجة أزمات شح المياه لديها بالحديث من وقت لآخر عن توصيل مياه نهر النيل إليها، ولديها رؤى مستقبلية لتأمين حاجتها من المياه إلا أن ذلك لن يكون على حساب مصر.
وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن حكومات إسرائيلية عديدة عرضت على مصر توصيل المياه عبر سيناء، لكن طلبها قوبل بالرفض، وهو ما دفعها نحو تدشين علاقات أكبر مع إثيوبيا أملا في الضغط على القاهرة لإجبارها على القبول بتوصيل المياه.
ويشير بعض خبراء الزراعة إلى أن إسرائيل تعيش أزمة مياه خانقة، بالرغم من تقدمها في مجال الزراعة وتعيد تدوير حوالي 90 في المئة من المياه المستخدمة ولديها 5 محطات لتحلية مياه البحر، كما أن عدم تنفيذ مشروعها نحو استيراد 50 مليون متر مكعب من المياه عبر تركيا كان من المفترض أن يبدأ العام الماضي دفع نحو تجدد الحديث حول إمكانية استفادتها من مياه النيل كبديل مناسب.
رسائل بحر البقر
أوضحت البشبيشي لـ”العرب” أنه من الطبيعي أن تكون هناك أهداف إسرائيلية في مياه النيل، لكن افتتاح محطة “بحر البقر” بعث برسائل سياسية عدة، مفادها أن مياه النيل لن تصل إلى إسرائيل، وأن الأولوية في الوقت الحالي لتعمير وتنمية سيناء.
كما أن اسم المحطة الجديدة يرسُخ في وجدان المصريين بـ”مجرزة مدرسة بحر البقر” التي ارتكبتها إسرائيل في العام 1970 وراح ضحيتها العشرات من الأطفال، ما يقطع الطريق على محاولات توظيف المشروع الأخير لصالح توصيل المياه لإسرائيل، وبدا التركيز الأكبر على مواجهة الإرهاب في سيناء بالتنمية والتعمير.

عباس شراقي: مصر لديها أهداف سياسية من توصيل المياه إلى إسرائيل
وتركز الإرهاب لفترة طويلة في سيناء ما أعاق عمليات التعمير التي تجري هناك حاليا، وباتت القوات المسلحة مكلفة بتأمين المشروعات كي لا يطولها الإرهاب، وأن الحرب ليس في مواجهة التنظيمات المتطرفة فسحب لكنها تشمل تأمين التنمية.
ويعد مصرف بحر البقر من أطول المصارف في العالم ويصل طوله إلى 207 ويمر بست محافظات مصرية ويحتوي على محطة ترفع المياه من المصرف مباشرة عن طريق سبعة وحدات عملاقة لضخها عبر نفقين من أنفاق السلام تحت ممر قناة السويس، وتتلقف تلك المياه محطة معالجة تتعامل مع تلك الكمية وتنقيها للمستوى الثلاثي بصورة تجعلها صالحة لري المزروعات.
وأوضح أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة عباس شراقي، أن مياه النيل تصل إلى سيناء منذ تسعينات القرن الماضي عبر ترعة السلام، وجرى تطوير سحارات نقل المياه ليصل عددها إلى أربع في العام 2011، ما أتاح وصول كميات أكبر من المياه بلغت حوالي 4 مليارات متر مكعب سنوياً، وأن المشروع الحالي استهدف تحلية 2 مليار متر مكعب من المصارف إلى جانب مليارين آخرين من مياه النيل.
وأشار لـ”العرب” إلى أن المشروع الحالي كان من المقرر الانتهاء منه في عام 2017 وشارك نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك في إنهاء الجزء الأكبر منه، لكن تغير نظامه والأحداث التي مرت بها مصر بعد ذلك أديا إلى تأجيله.
تطويع سيناء
لم ينعكس التغيير على مواصفات ترعة السلام التي جرى إمدادها لتصل إلى وسط سيناء وليس إلى العريش أو رفح في أقصى الشمال الشرقي من سيناء على الحدود المصرية الإسرائيلية لتبقى على بعد 150 كيلومترا من حدود إسرائيل وليس 50 كيلومترا كما ذهبت تقديرات سابقة بشأن إقامة الترعة، وهو ما يقطع الشكوك حول إمكانية وصول المياه إليها.
وأكد شراقي أن الدولة المصرية لديها العديد من الأهداف السياسية من وراء مشروع توصيل مياه النيل إلى إسرائيل تجعلها تتجاهل أي أبعاد متعلقة بالكلفة الضخمة لمشروع ترعة السلام وتبلغ 150 مليار جنيه (10 مليارات دولار تقريباً)، تتمثل في توطين ما يقرب من ثلاثة ملايين مواطن بالقرب من الأراضي الزراعية المستصلحة، وشغل المساحات الشاسعة التي تجعل التهديد يأتي دائما من جهة الجبهة الشرقية.

نادر نورالدين: إسرائيل تدرك أن أي مطلب لتوصيل المياه سيقابل بالرفض
ولفت أستاذ الموارد المائية والري بجامعة القاهرة نادر نورالدين، إلى أن الحكومات المصرية السابقة قصدت توصيل مياه المصارف الزراعية والصناعية والصرف الصحي عبر مصرف “بحر البقر” إلى سيناء حتى تكون إحدى وسائل صد المطالب الإسرائيلية الخفية بالحصول على مياه النيل، بحجة أنها غير صالحة للشرب.
وتدارك السيسي هذه المسألة ضمنيا مشددا على ضرورة حماية المزارعين والمواطنين وقرر تحلية المياه وتوظيفها في استصلاح الأراضي الزراعية بشكل مباشر التي تأتي ضمن مشروعات قومية متعددة في سيناء.
وقال نورالدين لـ”العرب” إن إسرائيل تدرك جيداً أن مصر دولة فقيرة مائيًا في الوقت الحالي ولديها عجز سنوي يبلغ 22 مليار متر مكعب من المياه وأي مطالب بتوصيل المياه وإن كان عبر الضغط من جهة سد النهضة سيقابل بالرفض، وأن القاهرة ترى أهمية الاستفادة من أي كميات إضافية في الداخل وليس من أجل التصدير.
تستهدف مصر زيادة رقعتها الزراعية لتقليل الفجوة الغذائية التي تدفعها إلى استيراد 65 في المئة من أغذيتها بتكلفة سنوية تبلغ 15 مليار دولار، كما أنها تريد الحفاظ على صحة المزارعين وتحسين جودة منتجاتهم لتكون صالحة للتصدير، وتخدم هذه المشروعات التنموية الأمن القومي المصري، لأن زرع البشر في سيناء بات أهم من زراعة الحجر لمواجهة الإرهاب وأي مستجدات تحاول استغلال الفراغ في سيناء.