"بيت عز".. رهان مصري متجدّد على الدراما الاجتماعية

أصبحت قضايا المرأة واحدة من الوجبات الدسمة التي تلجأ إليها الدراما المصرية مؤخرا لتعدّد موضوعاتها وتشعّب القصص التي يمكن النفاذ منها إلى الكثير من المشاكل الحياتية التي تعاني منها السيدات حاليا. وحاولت حكاية “بيت عز” التي عرضت قبل أيام على قناة “دي.إم.سي” المصرية تشبيك عدد من القضايا المطروحة على الساحة -والتي تهتم بها الحكومة- في عمل واحد فبدت الجرعة شيقة ومكثفة دراميا.
القاهرة – حوت حكاية “بيت عز” التي تتكوّن من عشر حلقات “كوكتيلا” من القضايا التي تتعلق بالتحرش بالمرأة في العمل والتنمر عليها، والخداع الذي تجده من أقرب الناس إليها، والحب الزائف، والخيانة الزوجية المستمرة، والأب المهموم بمستقبل ابنته، والعلاقة بين الأقارب والأحقاد التي تنمو أحيانا بسبب الغيرة، وكلها ملفات تثير شغف المُشاهدين من أعمار مختلفة، خاصة إذا تناغم التصوير والإخراج والسيناريو والحوار مع الفكرة الرئيسية التي ناقشت أمورا متفرّقة في عمل واحد وأوجدت لها سياقا مناسبا.
دراما إعلامية
ويتضمّن الجزء الثاني ست حكايات تُعالج قضايا اجتماعية مقتبسة من نماذج حقيقية تهمّ المرأة، وهي البطل الرئيسي في جميع الحلقات، وجاءت هذه البطولة مستمدة من أحداث تزاحمت خلال الفترة الماضية وجعلت السيدات مادة خصبة في الكثير من وسائل الإعلام، حيث جرى تناول الموضوعات التي تهمهنّ باستفاضة مصحوبة بإثارة لافتة.حلقات “بيت عز” هي أولى حكايات الموسم الثاني من مسلسل “إلاّ أنا” الذي عرض الجزء الأول منه العام الماضي، وتضمن ثماني حكايات منفصلة تركّز على الأسرة المصرية، وأشرف عليها الكاتب يسري الفخراني. وبعد أن شهد الجزء الأول نجاحا فكّرت شركة الإنتاج في إلحاقه بآخر.
وحكاية “بيت عز” من تأليف أمين جمال وشريف يسري ومحمد أبوالسعد، وإخراج أحمد يسري، وبطولة عدد من النجوم المصريين في مقدّمتهم سهر الصايغ وتامر نبيل ورشدي الشامي وسلوى محمد علي وصفاء الطوخي ومحمد الصاوي وعصام السقا وهاجر الشرنوبي وأحمد الشامي، وقد أثبتوا أن معادلة الجمع بين الأجيال من السمات الرئيسية لضمان نجاح العمل الفني.

تسليط الضوء على قضايا تتعلق بالمرأة، كالتحرش والتنمر عليها والخيانة الزوجية
وتحاول هذه النوعية من الأعمال التي تركّز على مشاكل الأسرة المتوسطة توسيع دائرة الاعتماد على مؤلفين جدد وبلورة أفكار تتواءم مع الواقع أو تكون قريبة منه، وتوفّر قدرا من العافية عقب تزايد الاعتماد عليها كأداة إعلامية أكثر منها درامية.
وشجّع نجاح الجزء الأول من مسلسل “إلاّ أنا” على تكرار التجربة بحماس مع الجزء الثاني والتطرّق إلى مشكلات حسّاسة اجتماعيا، وكسب طاقم العمل الرهان بعد عرض الحكاية الأولى التي قدّمت فيها الفنانة سهر الصايغ واحدا من أهم أدوارها الدرامية، لأن الجزء الكبير من العمل اعتمد على موهبتها وقدرتها على تشخيص دور الفتاة المأزومة “عاليا”، حيث واجهت مشكلات مختلفة وتمكنت من التغلب عليها بطريقة عقلانية.
وحقّقت الصايغ شهرتها من بساطتها في الأعمال التي شاركت فيها، إذ تبدو قريبة في تلقائيتها من الفنانة عبلة كامل التي جذبت الأنظار إليها بما تتمتّع به من سلاسة في التمثيل، وتشعر الجمهور في كل دور تجسّده كأنها تعيد تقديم سيرتها الذاتية لما يلمسه المُشاهد من لحظات صدق في جميع الأدوار، خاصة في تلك التي تجسّد فيها دور الفتاة المغلوبة على أمرها وتستردّ قوتها في لحظة معينة، وعندما يصل الفنان إلى مستوى الانسجام مع الدور يستطيع إيصال رسالته إلى الجمهور بسهولة.
ويعزى نجاح الصايغ إلى من أسندوا لها هذا الدور وراهنوا على كفاءتها في التعامل معه بإتقان وجدية، فقد جسّدت دور فتاة شابة وحيدة والديها، ماتت أمها بمرض السرطان، وأمضت الحياة بين فرح وحزن مع والدها الذي أدى دوره الفنان رشدي الشامي الذي يثبت في كل عمل يشارك فيه أنه يملك حضورا طاغيا.
كشفت التحوّلات الدرامية في العديد من المشاهد أن موهبة الصايغ بلا حدود؛ فقد برعت في مشهد معرفتها بمرض والدتها وحالة الصمت التي خيّمت عليها واستخدامها تعبيرات الوجه، لأن مشاعرها الحزينة انتقلت إلى الجمهور دون حاجة إلى الصراخ، كما أن فاجعة الموت ذاتها من أقسى المشاهد التي أشارت إلى أن الصايغ تركت مهنة الطب لأجل مهنة أخرى تعبّر من خلالها عن قدرة عالية على التأثير في الناس.
حفلت حكايات “بيت عز” المستوحى اسمها من المنزل الذي تملكه والدتها (صفاء الطوخي) في منطقة راقية في حي مصر الجديدة بمعان رمزية متباينة، بدءا من العنوان حتى التفاصيل الصغيرة في العمل التي جاءت قريبة من المُشاهدين، كأن العمل يحكي قصة قريبة منهم محورها الأساسي المرأة ومشاكلها التي باتت منتشرة في وسائل الإعلام، وهو ما وفّر للحكاية طاقة فنية للتجاوب معها ظهرت في ردود الأفعال الإيجابية على مواقع التواصل الاجتماعي، وتفاعل البعض معها بتقديم نصائح للصايغ بعد انتهاء كل حلقة، والتي أشارت إليها في أحد الحوارات التلفزيونية أثناء عرض العمل.
بين الجمهور والفنان

عبّرت الصايغ عن عمق سعادتها بتجاوب الجمهور مع دورها، فنصائحه لها أكّدت نجاحها في تمثيل دور كان مليئا بالانفعالات المتناقضة، ولم تنتظر حتى نهاية الحلقات كي تعرف مدى النجاح الذي حقّقته؛ فردّ الفعل الأول ينبع من حرص على المتابعة، والحكاية مسّت وترا مهما لدى البعض لأن العمل كان قريبا من الناس بما يكفي إلى حد أنّهم انجذبوا إلى رصد سيناريو النهاية.
وعندما يصل المشاهد إلى هذا الالتحام فإن ذلك يعني أن العمل مؤثّر ويحمل رسائل تهمّ أوجاع الناس، الفتيات تحديدا، لأن جزءا كبيرا منه دار في فلك الهموم التي تهم مصريات كثيرات حاليا لم يجدن من يعبّر عنهنّ بهذه الطريقة من الوضوح والصدق، وهي من العناصر الحاسمة التي جعلت الأجواء الفنية مهيأة للنجاح وجني الثمار فورا، لكنها تفرض على الصايغ أن تكون حريصة على ألاّ تنزل أعمالها القادمة إلى ما هو دون هذا المستوى.
اقرأ أيضا:
أصبح تركيز الدراما المصرية على الجوانب الاجتماعية ملاذا لها لما تحويه من موضوعات شيّقة، وجد فيها كتاب السيناريو وسيلة للاقتراب من الجمهور، لكنها أيضا تعفيهم من الدخول في مناطق شائكة تتعلق بالقضايا السياسية التي اختفت تقريبا من الأعمال باستثناء المسلسلات التي تهتم بها الدولة وتتعلق بقضايا وطنية تبعث من خلالها رسائل معينة، الأمر الذي ظهرت ملامحه في أعمال فنية مثل “الاختيار” و”كلبش” بأجزائهما المختلفة، وأخيرا “هجمة مرتدة”.
وتؤدّي ازدواجية الدراما الاجتماعية والوطنية إلى فراغ في الجانب السياسي؛ فمهما كان اختيار نماذج حياتية للتطرّق إليها أو قضايا تهم الدولة فإنهما في النهاية يندرجان ضمن الدراما الموجهة، أو هكذا يوحي التركيز الحاصل، فهناك أعمال فنية متنوّعة تطرّقت إلى أمور سياسية سابقا، والتجاهل المقصود الآن يترك للبعض فرصة البحث عن همومه السياسية عبر وسائل أخرى يمكن أن تكون نظرتها مُغرضة.
لا يعني نجاح الدراما الاجتماعية الاستغراق فيها طوال الوقت، ولا يعني نجاح الحلقات القصيرة المنفصلة والمتصلة تحويلها إلى “موضة” أو نمط عام؛ فعند حد معيّن قد يصاب الجمهور المصري بتخمة وينصرف عن هذه النوعية من الأعمال، وما لم تتعدّد الأفكار وتتنوّع المعالجات العميقة ويعاد الاعتبار للقضايا السياسية المهملة ستصاب الدراما بانتكاسة بعد أن تحوّلت إلى سلاح مهم في يد الدولة، فالتجديد من العوامل الحيوية التي توفّر طاقة للاستمرار.
