ليبيا تواجه العنوسة بصرف منحة الزواج

قررت الحكومة الليبية بدء صرف منحة زواج لكل شاب وشابة يرغبان في الارتباط وذلك كإجراء للحدّ من ارتفاع ظاهرة العنوسة التي فاقمتها سنوات الحرب. كما أن الغلاء الفاحش في الأسعار خاصة السكن، وتكاليف المعيشة مقارنة بالرواتب المعروضة وغياب السيولة في المصارف وانتشار البطالة والحروب المستمرة ساهمت في انتشار الظاهرة.
طرابلس - مر المجتمع الليبي كغيره من المجتمعات العربية بتحولات لافتة فرضتها ظروف اقتصادية واجتماعية وعوامل خارجية أدت إلى تزايد حالات الطلاق وارتفاع نسب الإخفاق في الزيجات الحديثة، وارتفاع عدد العوانس وتأخر سن الزواج لدى الجنسين.
ويقول المشرفون الاجتماعيون إن المعطيات حول واقع الزواج والطلاق في المجتمع الليبي تحتم تناول الظاهرتين من خلال بحوث عميقة، عبر جوانب اجتماعية وثقافية واقتصادية وصحية ونفسية وقانونية وحتى إعلامية.
ويعاني عدد كبير من الشباب الليبي من تأخر الزواج نتيجة الغلاء الفاحش في الأسعار خاصة السكن، وتكاليف المعيشة مقارنة بالرواتب المعروضة وغياب السيولة في المصارف وانتشار البطالة والحروب المستمرة؛ ما أدى إلى انتشار ظاهرة العنوسة التي تخطت 35 في المئة ممّن وصلوا إلى سن الزواج، بحسب بيانات غير رسمية.
وللحد من ظاهرة العنوسة أعلن رئيس الحكومة الليبية عبدالحميد الدبيبة مؤخرا، بدء صرف منحة زواج لكل شاب وشابة يرغبان في الارتباط.
جاء ذلك خلال مؤتمر صحافي عقده الدبيبة مع وزير الشباب فتح الله الزني وعدد من الوزراء في حكومته.
وقال الدبيبة عقب افتتاحه منظومة التسجيل الإلكترونية في منحة الزاوج “ها نحن اليوم نحتفل بالبدء الفعلي في صرف منحة الزواج التي وعدنا بها الشباب”.
وأضاف أنه أعلن رسميا إطلاق خدمة التقديم على المنحة إلكترونيا في عمل منظم تنتهي فيه الإجراءات الإدارية والمالية خلال 24 ساعة.
وأوضح أن “قيمة هذه المنحة 40 ألف دينار (نحو 9 آلاف دولار) لكل شاب وشابة مقبلين على الزواج دون أي قيود أو أي شروط”.
ويمكن للشباب الاستفادة من المنحة بأثر رجعي يبدأ من تاريخ إعلان الدبيبة عنها في الثاني والعشرين من أغسطس الماضي.
الأحداث الدامية التي رافقت الثورة وما نتج عنها من خسائر بشرية ومادية رفعت من نسبة عنوسة الفتيات وأخرّت زواجهن
ففي فعالية احتفالية أُقيمت بمدينة الخمس غربي ليبيا، آنذاك، بمناسبة اليوم العالمي للشباب، أعلن الدبيبة تخصيص مليار دينار (222 مليون دولار) كـ”منحة زواج” بالإضافة إلى مليار و700 مليون دينار (377 مليون دولار) قروضا سكنية لمساعدة الشباب على الاستقرار، والتقليل من عزوفهم عن الزواج.
وقال حينها مخاطبا جمهور من الشباب “ابتداء من شهر سبتمبر المقبل، سيحصل 50 ألف شاب وشابة على دعم منحة الزواج بشرط أن يقدم الشاب ما يثبت إقباله على الزواج”.
وجعلت الحرب الأهلية وغياب الأمن والمشكلات الاقتصادية الآلاف من الفتيات العازبات في ليبيا يواجهن خطر العنوسة، وأصبحت هذه العوامل عائقا أمام زواجهن.
فخلال السنوات الأخيرة، علا صوت رصاص الحرب على صوت الزغاريد، ما قضى على آمال الفتيات في لبس ثوب أبيض حيث أصبح الموت والعنف والاقتتال وما عقبها من بؤس شعارا للمرحلة ألقى بظلاله على كل مظاهر الفرح.
وفي العام 2015 حصد الاقتتال الداخلي في ليبيا والذي امتد حوالي 8 أشهر، الآلاف من الأرواح وتسبب في فقدان الكثيرين لأفراد من عائلاتهم وذويهم، كما تشير التقديرات إلى مقتل قرابة 10 آلاف ليبي أغلبهم من الشباب غير المتزوجين بنسبة 65 في المئة.
واعتبرت مفيدة الجروشي ناشطة اجتماعية، أن الأحداث الدامية التي رافقت الثورة وما نتج عنها من خسائر بشرية ومادية رفعت من نسبة عنوسة الفتيات وأخرّت زواجهن، مضيفة أن البعض منهن فقدن أحباءهن في جبهات المعارك والبعض الآخر تعسرّ عليهن الحصول على زوج بسبب الظروف التي خلفتها الثورة.
وبينت الجروشي أن انخفاض نسبة الرجال في البلاد والحالة الاقتصادية الصعبة، أصبحا يشكلان عوامل قلق كبير لشريحة واسعة من الفتيات اللواتي على وشك الزواج، تخوفا من احتمال بقائهن في بيوت أهاليهن. ويؤكد الخبراء الاجتماعيون أن العنوسة وارتفاع معدلاتها بين الفتيات أحد الوجوه المخفية للحرب في ليبيا، وقد ساهمت تقاليد المجتمع المحافظ في تغييبها عن الأنظار.
وقال الخبراء إنه باستثناء إشارة في دراسة للأكاديمي الأردني إسماعيل الزيود عن العنوسة في العالم العربي أصدرها عام 2010، لم يتطرق أيّ باحث أو جهة متخصصة إلى العنوسة في ليبيا. التقارير الإعلامية غالبا ما تستقي أرقامها من دراسة الزيود تلك، وتصل فيها نسبة العنوسة إلى 30 في المئة من الإناث أي 300 ألف عانس تقريبا.
وقد ضاعفت الحرب المستمرة التي راح ضحيتها الآلاف من الشبان على مدار السنوات الماضية هذه النسبة في أعقاب عام 2010. ويبدو ذلك جليا من خلال قرارات المسؤولين الليبيين بإنشاء “صندوق دعم الزواج” ما يعكس تنبههم إلى تفاقم هذه الظاهرة.

وبحسب مدير البرنامج الليبي للإدماج والتنمية بوزارة الشؤون الاجتماعية في الحكومة المؤقتة السابقة، إبراهيم البرغثي فإنّ الحكومة أصدرت عام 2012 قرارا رسميا بإنشاء صندوق تابع للبرنامج بذمة مالية مستقلة، لكنّ الأموال التي صرفت له لم تتجاوز بضعة آلاف فقط.
يقول البرغثي “الصندوق بقي حبرا على ورق وكان من الممكن أن يساهم في الحد من تنامي العنوسة” التي لا تملك الوزارة حتى اليوم تمويلا لها ولا سبلا لحلّها كما يقول. يضيف “كان قرار إنشاء الصندوق ولوائحه كارثيا، فقد اشترطت تلك اللوائح حتى على الجهات الأهلية الخيرية التنسيق معه، وبذلك حدّ من نشاط الخيّرين في هذا المجال بسبب توقف الصندوق عن العمل وبقاء قوانينه وتشريعاته عقبة أمام أيّ ساع للخير”.
من جهته، أشار الدكتور عبدالله سويدان العضو في جمعية “تكافل” الخيرية في طرابلس، إلى انعكاسات الحروب على الشباب.
وقال سويدان “العزوف كبير بين الشبان عن فكرة الزواج، فهناك من تجاوز الثلاثين ولم يحصل على فرصة عمل، كما أنّ التدهور الاقتصادي في البلاد أفقد الكثيرين الأمل في العمل في القطاع الخاص”.
ولفت إلى أنّ بعض الشبان قرروا الهجرة بطريقة غير شرعية عبر قوارب الموت إلى بلدان أوروبية، في مؤشر يعكس يأسهم من إمكانية تأمين المستقبل في بلادهم. ويذكر سويدان أنّ “انخفاض أعداد الرجال في البلاد والتدهور الاقتصادي سيكون لهما انعكاس خطير على ارتفاع نسبة العنوسة وغلبة نسبة الإناث في البلاد”.
كما يركز المشرفون الاجتماعيون على الجانب الاقتصادي من خلال التعرض لظواهر البطالة والفقر ومحدودية الدخل وعلاقتها بظاهرتي الطلاق والزواج. وارتفاع تكاليف الزواج والمبالغة في الحفلات، والمعاش الأساسي للمطلقات والأرامل ودوره في ارتفاع مؤشر الطلاق.
وقالت الصحافية سالمة الشعاب عن ظاهرة العنوسة إنها تعود إلى أسباب منها غلاء المهور، وعدم قدرة الشباب على تحمل تكاليف الزواج.. وامتناع الفتاة واعتذارها عن الزواج المبكر بحجة إكمال التعليم. ورفضها الارتباط برجل متزوج من أخرى.
إضافة إلى الشروط التعجيزية من جهة أهل الزوجة للشاب المتقدم أو العكس. أما طرق حلول المشكلة فترى أنه ينبغي على أهل الفتاة البحث عن الرجل المناسب الذي يستطيع أن يسعد ابنتهم، ويحفظ دينها ويصونها.