الدراما البدوية كسدت سوقها ولم تعد مربحة

عصام حجاوي يدعو إلى حلول وطنية لتستعيد الدراما الأردنية إشعاعها عربيا.
الاثنين 2021/08/30
شحّ الإمكانيات المادية عرقل مسيرة الدراما الأردنية

تحاول الدراما الأردنية منذ أكثر من عقدين استعادة ألقها ورونقها، حين كانت واحدة من الدراما الرائدة في الوطن العربي، حيث تميّزت بخصوصية تختلف عن باقي الأعمال العربية خلال فترة ثمانينات القرن الماضي وتسعيناته، وهي التي جسّدت أعمالها الكثير من الخطابات والقصص العربية التاريخية ذات الطابع البدوي والريفي وغيرها، إلاّ أنها عرفت انتكاسة كبرى بحلول الألفية الجديدة، الأمر الذي أضعف حضورها على المستوى العربي بشكل لافت.

عمان – لم تعد الدراما عنصرا من عناصر التسلية والرفاهية فحسب، بل أصبحت في الوقت الحاضر وجها آخر للجانب الحضاري والثقافي، وأحد عناصر الجذب السياحي للدول، كما يعدّ الفنانون سفراء يمثلون بلدانهم في المهرجانات والمحافل العالمية. ولأجل ذلك كله يدعو المنتج التلفزيوني الأردني عصام حجاوي الجهات المسؤولة في بلده إلى إيجاد حلول وطنية لدعم الإنتاج الدرامي.

ويقرّ حجاوي أن للدراما التلفزيونية دورا أساسيا في رسم ملامح الهوية الأردنية، والترويج لصورة البلد إلى جانب الترويج السياحي بشتى أشكاله.

ويضيف حجاوي “إن الإنتاج التلفزيون الدرامي الجيّد والمدروس استثمار يدرّ على الوطن ربحا ماديا مجزيا، إلى جانب انتشال المئات من الفنانين والفنيين والعاملين من بؤرة البطالة”.

وفي ردّه على سؤال حول أهمية الدراما الأردنية عربيا، أشار إلى أن “الدراما التلفزيونية الأردنية تصدّرت الشاشات العربية وعملت على تطوير أساليبها وأدواتها”، مبيّنا أن الدراما الأردنية تميّزت بخصوصية عن باقي الأعمال العربية خلال ثمانينات القرن الماضي وتسعيناته، عبر الكثير من الأعمال الاجتماعية والقصص التاريخية وكذلك الطابع البدوي والريفي وغيرها.

أزمة مستفحلة

عصام حجاوي: الأعمال الجيدة ستؤدّي إلى الخروج من أزمة استفحلت لعدة عقود
عصام حجاوي: الأعمال الجيدة ستؤدّي إلى الخروج من أزمة استفحلت لعدة عقود

حول تراجع تنافسية الدراما الأردنية، أشار حجاوي إلى تعرّض الأعمال الأردنية إلى المقاطعة العربية نتيجة موقف الأردن السياسي من حرب الخليج عام 1990، جاء وقعها قاسيا على القطاع الفني بشكل عام، فوقعت خسائر مادية إلى جانب الخسائر المعنوية والموضوعية المتراكمة.

وشهدت تلك المرحلة انزواء جيل بأكمله خلف المرض والفقر والديون، وافتقاد جيل لاحق لأبسط حقوق الفُرص النوعية، وبقاء عناصره بالتالي رهن العطاء في دائرة مغلقة، مع استثناء بعض التجارب الفردية لنجوم مثل صبا مبارك وإياد نصار ومنذر رياحنة، الذين غيّروا وجهتهم إلى مصر ليتوّجوا أبطالا لأعمال مهمة بدلا من ضياع مشروعهم الفني بانتظار الجديد والتجديد على الساحة الأردنية الذي لم يتحقّق حتى اللحظة.

في الأثناء شهدت المرحلة صعودا مدوّيا للدراما السورية، المستفيد الأكبر من المقاطعة العربية للمُنتج الأردني، بدعم من شركات الإنتاج الخليجية التي حوّلت تمويلاتها للدراما من عمّان إلى دمشق، فظهرت في مرحلة أولى العديد من مسلسلات الفانتازيا التاريخية على غرار “البركان” و”الجوارح” و”الكواسر” و”البواسل”، وأخرى تاريخية كـ”العبابيد” و”صلاح الدين الأيوبي” و”صقر قريش” وغيرها، إلى جانب الدراما الكوميدية الاجتماعية التي حقّقت انتشارا عربيا كبيرا على غرار “يوميات جميل وهناء” و”عيلة سبع نجوم” و”يوميات مدير عام”، ثم وفي مرحلة متقدّمة موجة دراما البيئة الشامية التي اكتسحت الفضائيات العربية، خاصة الخليجية منها، إلى أن بدأ بريقها يخفت تدريجيا في الآونة الأخيرة.

ويقول حجاوي “بعد أن انحسرت موجة المقاطعة لم تعد الحركة الإنتاجية الأردنية قادرة على العودة إلى الساحة العربية والمنافسة بسبب شحّ الإمكانيات المادية وبعد أن ارتفعت تكلفة الإنتاج”.

جهود متقطعة

التكرار يطبع المسلسلات البدوية
التكرار يطبع المسلسلات البدوية

حول دور القطاع الخاص في الإنتاج الفني يرى حجاوي أن جهود القطاع الخاص للإنتاج جاءت متقطعة ومتباعدة، كما تدنّى مستوى بعضها لشحّ القدرات المالية ممّا قلّص مساحة التوزيع والاستثمار وساهم بالعزوف عن مشاهدتها وحلّت إنتاجات أخرى مكانها.

وظل القطاع الخاص يُراوح مكانه منذ العام 2011، بتركيزه على المسلسلات البدوية على اعتبارها “تجارة رابحة”، حيث أنها مطلوبة في القنوات الفضائية العربية التي تتحكّم في تفاصيل التنفيذ.

وما يعيب هذا الإنتاج – فيما عدا بعض الاستثناءات – أنه ظل رهن البيئة الصحراوية التي جفّت موضوعاتها المتجدّدة دراميا، وأصبحت تجترّ نفسها، ودخلت في عباءة النمطية المعتمدة على ثيمة الحب بين فارس مغوار وابنة شيخ القبيلة اللذين تعترضهما الخلافات العائلية ومتاهات الثأر والانتقام والمعارك المفتعلة، وحتى عندما حاولت تغيير مشهدية الصورة، جنحت إلى جماليات وإكسسوارات وملابس وأماكن وعادات لا تمت للبادية بصلة، وتحجّجت بالفانتازيا، لتمرير ذلك فواجهت اعتراضات إضافية.

وهذه النوعية من المسلسلات مثلها مثل أيّ جذر في الدراما، تكتسب شعبية ثم تذوي ويحلّ محلها دراما تاريخية وأخرى عاطفية وثالثة كوميدية ظلت حبيسة محليتها الضيقة، حيث لم تحقّق الانتشار العربي المرجوّ منها وسط صعود متنام للإنتاج الدرامي المحلي في جميع الدول العربية التي آمنت بجدوى الاستثمار في الدراما التي تعدّ وجها من الوجوه الحضارية والثقافية للتطوّر والانفتاح على الآخر، وأحد عناصر الجذب السياحي كما هو الحال مع الدراما التركية التي انتعشت سياحتها بشكل مُضاعف مع الظهور الأول لمسلسل “نور” المُدبلج إلى اللهجة السورية في العام 2005.

حجاوي يقترح تشكيل مجلس أعلى للدراما من أصحاب الخبرة وبموازنة معتدلة لتجاوز معوقات تطوّر الدراما في بلده

ويشير حجاوي إلى أن هناك محاولات من قبل بعض المنتجين وصفها “غير كافية لإعادة الحياة والألق والاستمرارية المرجوة للدراما التلفزيونية الأردنية”، مضيفا “لا نريد أن نقف عند الخلل والمعوقات والأسباب، بل نبحث عن الحلول المجدية ونسعى لتحقيقها”.

ويرى نقاد أن الأعمال الدرامية الأردنية تنقل قصصا وحكايات متداولة بعزل تام عن واقعها السياسي والاجتماعي، وهو ما يؤكّده الناقد السينمائي الأردني ناجح حسن الذي يرى أن على الدراما الحقيقية الجادة أن تركّز على الشخصيات الثانوية التي قد تكون عاملا مؤثرا ومحركا للأحداث في سيرورة العمل لاحقا، بحيث تتشكّل كيفية صعودها بحكم تحوّلات عصيبة تعرّضت لها المجتمعات، وما تثيره من جدل.

أما الكاتب والمنتج والمخرج سهيل إلياس فيرى أن السوق العربي لا يعترف سوى بالأعمال الدرامية الأردنية البدوية، معتبرا أن الخوض في أيّ عمل درامي مهما كان نوعه اجتماعيا معاصرا أو تاريخيا أو كوميديا لن يلقى سوقا عربية له. وهو يدعو أصحاب المشاريع الإنتاجية الدرامية إلى أن يمتلكوا عناصر أساسية لأيّ عمل درامي متقن قبل أن يبدؤوا فيه لكي تكتمل جميع أطراف المعادلة، التي تتمثل في الوقت والموهبة والتمويل، مؤكّدا ضرورة إعطاء الوقت الكافي لكتابة نص متكامل ومراجعته لأكثر من مرة ليصبح مقنعا قبل التنفيذ.

ويشير حجاوي إلى أن العودة لإنتاج درامي أردني يلبّي رغبات الجمهور وبدعم متوازن وتعاون كفيل بعودة إقبال المشاهد الأردني والعربي ويحفّز المعلن والمستثمر المحلي والعربي، مشيرا إلى أن الأعمال الجيدة ستؤدّي إلى الخروج من أزمة استفحلت لعدة عقود.

طفرة منقوصة

طروحات مستنسخة عن حب مستحيل بين فارس مغوار وابنة شيخ القبيلة
طروحات مستنسخة عن حب مستحيل بين فارس مغوار وابنة شيخ القبيلة

شهد الموسم الرمضاني الأردني الأخير طفرة غير مسبوقة على مستوى الكمّ الإنتاجي، حيث تزاحمت تسعة مسلسلات على الشاشات المحلية، سبعة منها أردنية بالكامل، وواحد مشترك أردني – سوري، وآخر أردني – يمني.

وتعود الوفرة الإنتاجية لاستكمال الكثير من الأعمال التي توقف العمل عليها في العام 2020 بسبب إغلاقات كورونا، إضافة إلى إنتاج مسلسلات جديدة بمشاركة القطاع العام ممثلا بالتلفزيون الأردني والقطاع الخاص.

ودارت أربعة من المسلسلات الرمضانية في إطار كوميدي مثل “بلاقي عندك شغل” و”ياسمين وصبري” و”أربعة في واحد” و”وطن على وتر”، فيما أتى المسلسلان “جلمود الصحارى” و”الحنين إلى الرمال” ضمن الدراما البدوية، أما “كرم العلالي” و”لعبة الانتقام” فعالجا مواضيع اجتماعية.

وهناك أيضا المسلسلان المشتركان “صقار” من بطولة فنانين أردنيين وسوريين، و”عيال قحطان” بمشاركة يمنية، والعملان يحملان طابعا بدويا.

ورغم هذه القفزة النوعية على مستوى الكمّ أجمع النقاد أن التكرار بدا واضحا في المضامين التي طبعت مسارات المسلسلات البدوية وأشكال الصراع الدرامي المفترض، والقائم دائما وأبدا على النزاع على المراعي ومصادر المياه، والتناحر على مركز شيخ العشيرة وحبك المؤامرات والدسائس وقضايا الثأر والحب.

كما أجمع النقاد أن الدراما الاجتماعية المقدّمة في الموسم الرمضاني الأخير ظلت تشير من بعيد إلى النقد السياسي ولا تدخل فيه، فأتت إسقاطاتها السياسية على استحياء في زمن تطرح فيه الدراما الأحداث والوقائع بشكل مباشر وتسمّي الأشياء بمسمّياتها، وهو ما لم يخدم هذه النوعية من الدراما نتيجة خجلها المفرط في إظهار السلبيات وقول ما هو مسكوت عنه بشكل واضح، وإذا أظهرتها فبغلاف مزوّق، يبدو مريحا للمُشاهد ولا يخدش الصورة النمطية للوطن والمواطن، وهي صورة خاضعة للتعليمات الأمنية والرقابة المُربكة والمُركّبة الحائرة بين منطقتي الفن والإعلام.

الإنتاج الدرامي الأردني ظل رهن البيئة الصحراوية التي جفّت موضوعاتها المتجدّدة دراميا، ممّا أسقطها في عباءة النمطية
الإنتاج الدرامي الأردني ظل رهن البيئة الصحراوية التي جفّت موضوعاتها المتجدّدة دراميا، ممّا أسقطها في عباءة النمطية

أما المسلسلات الكوميدية فيرى النقاد أنها لم تقدّم جديدا يُذكر، بل سقطت في الافتعال المبالغ فيه من أجل انتزاع الضحكات بشكل مبتذل ومملّ ومكرّر، ويبرز ذلك خاصة في مسلسل “وطن على وتر” الذي قال عنه الأكاديمي المتخصّص بالفنون عمر نقرش “بدا مسخا فنيا مفكّكا بلا هوية، معتمدا على ‘الأفيهات’ التي لا تخرج عن الهراء والإثارة المصطنعة والادعاء الأجوف، والتلميحات الجنسية الفجة والممجوجة، التي تلوّث وتسطّح الذوق العام والعقل والقلب والفكر والوجدان”.

هكذا بدا وجع الدراما الأردنية اليوم ينخر كافة أطرافها، ابتداء من الإنتاج، مرورا بالنصوص والتمثيل وصولا إلى الإخراج. والمعضلة بأطرافها السابقة تنسحب على إنجازات القطاع العام، ممثلا في التلفزيون الأردني والقطاع الخاص، بشركاته المحدودة، ومحاولاته المنقوصة.

ويتحدّث العاملون في الدراما الأردنية عن سحب بساط نوعها الاجتماعي المعاصر من تحت ثباتها السابق، وصعوبة استعادته طالما ظل رهن القطاع العام.

ولتجاوز مثل هذه المعوقات يقترح حجاوي تشكيل مجلس أعلى للدراما من أصحاب الخبرة وبموازنة معتدلة، مؤكّدا أن شراء التلفزيون الأردني حق بث تلك الأعمال الدرامية على شاشته كفيل بتغطية جزء كبير من تكلفة الإنتاج.

ويقول “يأتي التسويق بمعظمه كأرباح لتغذية صندوق المجلس لضمان الاستمرارية والتطوير، وأن يختصّ هذا المجلس في إنتاج الدراما الأردنية المعاصرة، وأن يترك إنتاج الأعمال التاريخية والبدوية والريفية للقطاع الخاص”.

وربما من الحلول العملية الأخرى التي يراها حجاوي قادرة على النهوض بالدراما الأردنية من كبوتها المستفحلة، ويُساعدها على استعادة سالف إشعاعها العربي، ضرورة اعتمادها على الدراما العربية المشتركة، وهو ما أعلنه مؤخرا على صفحته الرسمية على فيسبوك ضمن استراتيجيته لبقية العام 2021 والعام 2022، حيث كتب “بفضل الله تعالى تم اعتماد خطة عمل عام 2022 بالإضافة لعام 2021، حيث في عام 2021 بدأنا بسلسلة ‘نشميات من البادية’، والآن نقوم بتصوير المسلسل الاجتماعي ‘على بعد مسافة من الحب’ وهو عمل مشترك أردني – إماراتي – سعودي”.

وتابع “سوف نختم عام 2021 بالمسلسل القروي الأردني السوري ‘النمرة’ ونبدأ بالمسلسل الضخم ‘أرملة بني معروف’، ونختم عام 2022 بالمسلسل العربي ‘ما وراء النجوم’..”.

وعصام حجاوي منتج أردني لمع اسمه عربيا وحقّق نجاحا كبيرا بإنتاجه مسلسلات محلية لاقت مشاهدة جماهيرية كبيرة لينطلق بعدها عربيا، وتعاون مع المخرج العالمي محي الدين قندور عندما قام بإنتاج فيلم بعنوان “الشراكسة” والذي حاز على عدد من الجوائز في مهرجان موناكو.

17