آبل تقامر بتغييرات جذرية وجريئة لخطب ودّ منتقديها

عملاق التكنولوجيا يقدم تنازلات كبيرة للحد من الضغوط على متجره "آب ستور".
الأحد 2021/08/29
احتكار سوق التطبيقات تهمة تلاحق آبل

في الوقت الذي تواجه فيه المجموعة الأميركية العملاقة آبل انتقادات متعاظمة من شركات في العالم إزاء قواعد الاستخدام المفروضة عبر متجرها للتطبيقات اتخذت الشركة التكنولوجية العملاقة خطوات جريئة لخطب ود منتقديها، وذلك بتقديمها تنازلات كبيرة للحد من الضغوط على متجرها “آب ستور”.

واشنطن - ستسمح آبل لمطوّري التطبيقات المحمولة بأن يعرضوا على زبائنهم وسائل دفع من خارج متجرها “آب ستور”، في تغيّر جذري اعتمدته شركة التكنولوجيا الأميركية العملاقة التي تواجه ضغوطاً متزايدة من السلطات وشركات متعدّدة على خلفية مقاربتها للمنافسة.

وأعلنت المجموعة التي تتّخذ من كاليفورنيا مقرّا لها في بيان عن سلسلة من التعديلات التي ستجرى على القواعد المعتمدة في متجرها الأساسي للتطبيقات. وقبل ذلك ينبغي أن توافق محكمة على هذه التغييرات بغية إنهاء ملاحقات أطلقتها شركات صغيرة مطوّرة للتطبيقات ضدّ عملاق التكنولوجيا.

وأوضحت آبل أن هذا الاتفاق يتيح للمطوّرين تقديم عروض للمستخدمين من خارج تطبيقاتهم على نظام “آي أو أس”، وهو نظام التشغيل المعتمد من آبل.

وبموجب هذه الإجراءات الجديدة يمكن للتطبيقات أن توجّه رسالة إلكترونية إلى المستخدمين لإعلامهم مثلا بأن في وسعهم الحصول على اشتراك عبر موقع الشركة الإلكتروني. وفي هذه الحالة لا يدفع المُعدّ رسوما لآبل.

المجموعة الأميركية قدّمت في السابق تنازلات بشأن العمولات التي توازي 30 في المئة من المبيعات في “آب ستور” ومشتريات السلع والخدمات الرقمية ضمن التطبيقات

وكانت خدمات بثّ تدفّقي مثل سبوتيفاي ونتفليكس تتفادى تسديد إتاوات إلى آبل مع الإحجام عن إتاحة الاشتراك عبر التطبيق. لكن كان يتعذّر عليها توجيه المستخدمين إلى موقعها الإلكتروني.

وكانت رسالة تظهر على تطبيق سبوتيفاي إلى جانب العروض المدفوعة الأجر مفادها “لا يمكنكم الاشتراك في خدمة بريميوم عبر التطبيق. ولا يخفى علينا أن الوضع ليس مثاليا”.

ولم يكن المستخدمون يتوانون عن قصد المنصات الإلكترونية للاشتراك في خدمات رائجة مثل سبوتيفاي ونتفليكس، لكن هذه الحالة لا تنطبق بالضرورة على تطبيقات أضيق نطاقا.

وينصّ الاتفاق أيضا على إعطاء هامش أوسع للمطوّرين لتحديد أسعار برمجياتهم واشتراكاتهم والمشتريات في سياق تطبيقاتهم.

وتنوي آبل إنشاء صندوق لمساعدة صغار منتجي التطبيقات الأميركيين الذين يجنون أقلّ من مليون دولار في السنة لكلّ تطبيقاتها في الولايات المتحدة.

بازار كبير

الرؤية والقواعد تتغير مع السوق
الرؤية والقواعد تتغير مع السوق

وتأمل المجموعة المصنّعة لهواتف “آي فون” الحدّ من الضغوط التي تواجهها على عدة أصعدة من خلال هذه التنازلات.

وتنتظر آبل الحكم المزمع صدوره قريبا بعد النظر في الدعوى التي رفعتها ضدّها مجموعة “إيبيك غيمز”.

فالمجموعة المطوّرة للعبة فورتنايت -وغيرها من المطوّرين الكبار والصغار- تتهّم آبل باستغلال هيمنتها على السوق لاقتطاع إتاوات مرتفعة جدّا من مدفوعات المستخدمين وتريد إلزامها بمتجر “آب ستور” كوسيط أوحد للتوجّه إلى المستخدمين.

ولطالما تذرعت آبل بدواع أمنية وواجب حماية خصوصية البيانات لتبرير ممارساتها.

وقال مدير المجموعة تيم كوك أمام المحكمة في مايو الماضي إن “متجر ‘آب ستور’ سيصبح ‘بازارا كبيرا’ في حال اعتمد ‘آي أو أس’ نظاما أكثر انفتاحا”.

ومتجر “آب ستور” هو المحلّ الوحيد الذي يمكن فيه لمستخدمي أجهزة آبل تحميل تطبيقات أطراف ثالثة.

وبما أن “آي أو أس” هو ثاني أكبر نظام تشغيل للأجهزة المحمولة في العالم بعد “أندرويد” من غوغل، يمثّل مستخدموه سوقا مربحة. وقد أنفقوا 643 مليار دولار على تطبيقات سنة 2020، بحسب آبل.

وكانت المجموعة الأميركية قدّمت في السابق تنازلات بشأن العمولات التي توازي 30 في المئة من المبيعات في “آب ستور” ومشتريات السلع والخدمات الرقمية ضمن التطبيقات، وهي نسبة معيارية سائدة في القطاع.

ومنذ الأول من يناير 2021 باتت آبل تقتطع 15 في المئة من الوافدين الجدد إلى المتجر والمطوّرين الذين لم تتخطّ عائداتهم مليون دولار (بعد احتساب العمولات) العام الماضي.

لكن قد لا تكون كلّ هذه اللفتات الكريمة كافية لخطب ودّ منتقدي المجموعة الأميركية التي تتخّذ في كوبرتينو مقرّا لها.

وغرّد ريتش غرينفليد المحلّل لدى “لايتشيد” أن “من المستبعد أن يرضي الاتفاق المقدّم الخميس المطوّرين”.

وأردف بينيديكت إيفنز المحلّل المستقلّ المتخصص في شؤون سيليكون فالي “لا مجال لذلك بتاتا”. أما السلطات فيبدو أنها غير مستعدة لتغيير موقفها.

احتكار المنافسة

تيم كوك: "آب ستور" سيصبح بازارا كبيرا في حال اعتمد "آي أو أس" نظاما أكثر انفتاحا
تيم كوك: "آب ستور" سيصبح بازارا كبيرا في حال اعتمد "آي أو أس" نظاما أكثر انفتاحا

كانت المفوضية الأوروبية التي رفعت إليها سبوتيفاي شكوى في هذا الصدد قد اعتبرت في أبريل أن آبل أخلّت فعلا بمبادئ المنافسة للإطاحة بمنافسيها.

وتعتبر سبوتيفاي أن الشركة الأميركية تستغل متجرها الإلكتروني “آب ستور” لترويج تطبيقها الخاص “آبل ميوزيك” في ما تصنّف المنصة السويدية ذلك منافسةً غير شريفة.

واعتبرت المفوضية الأوروبية أن المجموعة الأميركية العملاقة “شوهت مبدأ المنافسة” لإقصاء منافسيها. كما نددت بإرغام آبل مطوري تطبيقات الموسيقى عبر الإنترنت على الاستعانة بنظام الدفع التابع لها للسماح بإتاحة منتجاتهم عبر متجر التطبيقات “آب ستور”.

وأبدت المفوضية  قلقها إزاء فرض آبل على مطوري التطبيقات “قيودا تمنعهم من إعلام المستخدمين” على أجهزة آبل (هواتف “آي فون” وأجهزة “آي باد” اللوحية) رغم وجود بدائل ممكنة أرخص ثمنا”.

وقالت المفوضة الأوروبية لشؤون المنافسة مارغاريت فيستاغر “من خلال تحديد قواعد صارمة على ‘آب ستور’ تقوض القدرة التنافسية للخدمات الأخرى في مجال الموسيقى الإلكترونية، تحرم آبل مستخدميها من بدائل أقل كلفة وتشوّه مبدأ المنافسة”.

وأشارت إلى أن آبل تفعل ذلك “مع اقتطاع عمولات مرتفعة على كل عملية تقام عبر التطبيقات المنافسة” المتاحة ضمن متجرها، بحسب بيان للمفوضية.

المجموعة أعلنت عن سلسلة من التعديلات التي ستجرى على القواعد المعتمدة في متجرها الأساسي للتطبيقات

وفي شكواها المقدمة سنة 2019 لامت سبوتيفاي آبل على فرضها عمولة بنسبة 30 في المئة على خدمات الموسيقى الإلكترونية حيث تتقاضى بدلا ماليا مقابل اشتراكات عبر متجرها الإلكتروني، ما يشكل بحسب الشركة السويدية انتهاكا لقواعد المنافسة الشريفة.

واعتبرت المفوضية الأوروبية أن هذه العمولة المحددة بـ30 في المئة المطلوبة من كل مطوري التطبيقات على المبيعات والاشتراكات التي يحققونها بواسطة الخدمات المقدمة عبر متجر التطبيقات “آب ستور” تنعكس في أكثر الأحيان على الأسعار، ومن ثمة تكون على حساب المستهلكين.

ودافعت آبل بشدة عن موقفها الجمعة مذكّرة بأن متجرها الإلكتروني ساهم بدرجة كبيرة في أن تحتل سبوتيفاي صدارة تطبيقات البث التدفقي للموسيقى في أوروبا، بفضل قاعدة مستخدميه الواسعة.

وعلى خلفية الانتقادات المتزايدة لعملاق التكنولوجيا شدد الرئيس الأميركي جو بايدن على أن إدارته ستولي “عمليات الاستحواذ على المنافسة الصاعدة اهتماما خاصا”، كما ستهتم أيضا بـ”عمليات الدمج المتسلسلة وتجميع البيانات”.

وعرض مشرّعون أميركيون في أغسطس الجاري قانونا لإلزام الشركتين المهيمنتين على القطاع غوغل وآبل بالمزيد من الانفتاح.

17