عداؤو سباق المراحل الزمنية

الكثير من الناس تجدهم يهرولون بين الماضي والمستقبل ولكنهم لا يعيشون حاضرهم.
الخميس 2021/08/26
التمتع بالحياة سر الوجود

الكثير من الناس يعيشون طوال أيام العمل في انتظار عطلة نهاية الأسبوع، ويقضون كل الشهر في انتظار يوم نزول الراتب، وطوال السنة في حالة انتظار لأي إجازة موسمية. ويعيشون في صراعات بسبب مشاكل حصلت في الماضي ويلومون أنفسهم على أخطاء وعثرات وآلام تكبدوها في سنين مضت، أو على العكس يتغنون بماضيهم ويشعرون بالحنين إليه دوما ويمجدون العقود الماضية من أعمارهم والحياة المختلفة آنذاك عن هذا الزمن.

هؤلاء تجدهم يهرولون بين الماضي والمستقبل، ولكنهم لا يعيشون حاضرهم أبدا، وبقيامهم بهذا هم لا يدركون أنهم كوّنوا الوصفة المثالية لصنع حياة بائسة وتعيسة خالية من أي معنى وجوهر.

فلا سيطرة لنا على ما مضى ولا على ما لم يحصل. كل ما يمكننا السيطرة عليه والتأثير فيه هو الحاضر فقط. فإذا فوتنا الحاضر نحن في الحقيقة نفوت الحياة بأكملها؛ نفوت الواقع الملموس ونتقوقع داخل وهم غير موجود، وهذا بالذات هو الضياع الحقيقي.

إذا أراد الإنسان أن يشعر بالسعادة والاكتفاء بحياته فعليه أن يجمع شتات ذاته ويبدأ بتعلم التواجد في لحظته الآنية والاستمتاع بها، فهذه هي الطريقة الوحيدة التي ستجعله يؤثر على حياته، فبدلا من التحسر على ماضيه أو الشعور بالخوف من مستقبله يمكنه أن يمتلك فرصته في الحاضر ويبدأ بقيادة عجلة حياته. الكثير من الناس يعولون على الانتظار لتحسن حياتهم، ويؤمنون بشكل صامت بأن الفرصة الذهبية ستهبط من العدم وتنتقل بهم إلى أهدافهم. حالة الانتظار السلبي هذه ليست إلا وليدة أسلوب تفكير انسحابي أدمن على الاستسلام بسبب انشغال العقل بوهم الماضي والمستقبل.

وبهذا الصدد يقول الفيلسوف إيكهارت تول، في كتابه “قوة الآن”، “الانتظار هو حالة ذهنية تعني بالأساس أنك تريد المستقبل: إنك لا تريد الحاضر. إنك لا تريد ما حصلت عليه، ولكنك تريد ما لم تحصل عليه.

مع كل أشكال الانتظار، فإنك تخلق صراعاً دائماً عندما لا تريد أن تكون هنا، وإنما تريد أن تكون في المستقبل. فإن هذا يقلل من نوعية وأهلية حياتك ويجعلك تخسر الحاضر”. إن أمثل طريقة لتدريب النفس على التخلص من التفكير في الماضي والمستقبل هي التركيز، وهذا يتم عن طريق تحديد أهداف يومية صغيرة يقوم بها الفرد لتعويد ذهنه على الإنجاز وعيش اللحظة الحالية بدلا من السرحان بعيدا. وكذلك كتابة المذكرات مهارة إبداعية تساعد على تحفيز الذهن على استشعار اللحظات بتفاصيلها. وأخيرا ثق أن الحاضر إن لم يعجبك فإنك لن تستطيع تغيير الحال في المستقبل، لأن الآن هو اللحظة التي تبدأ فيها تغيير واقعك الحالي وأيضا المستقبلي.

 
24