عودة الحضارة العربية طرفة مضحكة!

عُرفت المستشرقة الألمانية الراحلة زيغريد هونكه بكتاباتها في مجال الدراسات الدينية، لكن أهم ما يميزها ما عرف عنها قبل وفاتها في عام 1999 من الكتابة عن الحضارة العربية بموضوعية وإنصاف، حيث نشرت كتابا تحت عنوان “شمس العرب تسطع على الغرب”، وكتاب “الله ليس كذلك”.
من الكلمات التي تنسب إلى هذه المستشرقة قولها “لقد ظل العرب ثمانية قرون طوالا يٌشعون على العالم علما وفنا وأدبا وحضارة”، والحضارة العربية والإسلامية هي تلك التي تنسب إلى أسلافنا من الأجداد الأوائل، ولكن ماذا عنا نحن الأبناء والأحفاد، جيل هذا العصر؟
هل نستشعر قيمة الإرث العظيم الذي تستند عليه أمتنا؟ هل لدينا وعي بما نملكه من جدارة في العودة للنهوض ومسابقة أمم الأرض؟
الحقيقة أن الواقع المعيش لا يشي بأي قيمة من تلك، فالإحباطات في عالمنا العربي متوالية، ومع أنه توجد دول تعيش الرفاه والتقدم ولديها برامج لغزو الفضاء وتعليم تقني وتكنولوجي متقدم، إلا أن السواد الأعظم يرزح تحت ويلات الحروب والفشل الاقتصادي والتنموي.
فعالمنا العربي ممزق تحت نير الطائفية والقبائلية والذاتية، عندها يصبح الحديث عن عودة الحضارة العربية إلى الوهج والتقدم بمثابة الطرفة المضحكة، أو الحديث المالح الذي لا يمكن أن يستساغ أو أن يقبل.
هذا التمزق لم يوجه البوصلة نحو الدول العربية الأكثر نجاحا وتفوقا، ولم يجعل هناك حالة من التقليد واتباع نفس الخطوات، بل على العكس من ذلك، هناك حالة تشويه للنماذج العربية الناجحة.
ونلاحظ عندما تنجح دولة في مشروع علمي أو تحقق سبقا في مجال الاستدامة أو الطاقة البديلة أو النظام والعدالة ونحوها، ترتفع الأصوات من عدة أقطار عربية تكذب وتدحض وتقلل، ويتورط في هذه الممارسة من ليس لهم سبق علمي أو تواجد إعلامي.
لا يوجد احتفاء ولا تشجيع، لا تعتبر تلك المنجزات ذات بعد عربي، بل على العكس يتم تجاهلها، أسوق لكم مثالا: مشروع الإمارات لغزو الفضاء وإطلاق مسبار الأمل يلقى أصداء واسعة في العالم ومن عدة منظمات عالمية مهتمة بهذا المجال، لكنه في عالمنا العربي يتم تجاهله، مع أن تسميته جاءت لبث الأمل في الشباب العربي بمستقبل واعد.
أيضا تعتبر الإمارات واحدة من أهم دول العالم قاطبة في إنتاج الطاقة الشمسية، ولها مشاريع في عدة دول أوروبية، فضلا عن مشاريع ناجحة في عدة دول أفريقية وآسيوية، لكن لا أحد يتحدث عن الخبرات المتراكمة في هذه المجالات وأنها مخزون حضاري مستقبلي لأمتنا العربية، إلا قلة..
في هذا العصر المتوهج بتقنيات الاتصالات وثورة الهواتف الذكية وشبكة الإنترنت باتت المعلومات متاحة ومشاعة، ومع هذا تتجنب بعض المؤسسات الإعلامية وبعض الكتاب والصحافيين الاحتفاء والتعبير عن السعادة بمنجزات عربية بكوادر وعقول عربية.
هي مجرد ملاحظات أسوقها وأطرحها، ولكل واحد منا حرية التعبير عن الأسباب من وجهة نظره، لكن من المؤكد أن كثيرا من مفاصل أمتنا العربية بعيدة عن التسامح والتقبل والابتهاج بالمنجزات الحضارية التي تحدث هنا أو هناك.