جحافل المهاجرين الأفغان تثير صدمة المجتمع الدولي

أفغان يائسون يخترقون الجدار الحدودي بين تركيا وإيران.
الجمعة 2021/08/20
نريد مكانا آمنا

شكلت سيطرة طالبان السريعة على أفغانستان معضلة لإيران وتركيا، الدولتين الرئيسيتين في المنطقة. فبالرغم من أنهما تريان في ذلك فرصة لتعزيز نفوذهما، إلا أنهما لا تريدان تدفقا أكبر للاجئين من شأنه أن يزيد الأعباء الاقتصادية ويثير الاستياء الشعبي وسط تنامي النزعة القومية ورفض استقبال وافدين جدد.

وان (تركيا) - أثارت جحافل المهاجرين الأفغان المهرولين نحو حدود الدول المجاورة صدمة المجتمع الدولي، وسط تحذيرات أوروبية من أزمة لجوء جديدة مشابهة لأزمة المهاجرين السوريين عامَي 2015 و2016، التي ساعدت تركيا في وقفها بإيواء الملايين في مقابل مساعدات بالمليارات من الدولارات.

وتمكن مهاجرون أفغان من الالتفاف على جدار جديد قيد البناء عند الحدود بين تركيا وإيران، تاركين وراءهم ملابس داخلية وعبوات مياه بلاستيكية وآثار أقدام، أملا في النجاة بعد سيطرة طالبان على البلاد.

ويمضي الأفغان الذين نجحوا في الوصول إلى هذا الحدّ أياما مختبئين من قوات إنفاذ القانون وليالي في ابتكار طرق للوصول إلى مدن تركية كبرى مثل إزمير وإسطنبول، قبل العثور على مهربين لنقلهم إلى أوروبا.

وروى محمد عارف (18 عاما) الذي دفع 700 دولار لمهرب تركي قبل أن يتمكن من الوصول إلى إسطنبول “أتيت من قندهار. أمضيت 25 يوما على الطريق”، مضيفا “العودة خطرة. إلى أين نذهب؟”.

ولم تسجل الأمم المتحدة أي تحركات واسعة النطاق عبر الحدود الأفغانية ردا على انسحاب القوات الأميركية وعودة نظام طالبان المتشدد إلى السلطة بعد حرب استمرت 20 عاما.

ويقول مسؤولو الاتحاد الأوروبي إن عدد عمليات عبور الأفغان إلى أوروبا انخفض بنسبة 40 في المئة تقريبا في النصف الأول من العام بسبب القيود الحدودية المرتبطة بفايروس كورونا وشددت دول مثل فرنسا وألمانيا واليونان وإيطاليا على ضرورة تحرك الاتحاد الأوروبي استباقيا حتى لا يواجه موجة هجرة جديدة.

وأكدت الحكومة اليونانية الخميس، أن اليونان حريصة على تفادي تكرار تدفق المهاجرين الذي شهدته في عام 2015 وأن قواتها الحدودية في حالة تأهب لمنع ذلك.

ودعت النمسا الأربعاء، إلى إقامة مراكز ترحيل في منطقة مجاورة لأفغانستان، مع قلق بعض مناطق التكتل من احتمال حدوث نزوح جماعي للأشخاص الفارين من الحياة في ظل حكم طالبان.

ويشكل الأفغان الشباب مثل عارف مصدر قلق لدول الاتحاد الأوروبي وتركيا حيث يتحول الرأي العام ضد المهاجرين.

تركيا تبني جدارا إسمنتيا بطول 243 كيلومترا تعلوه أسلاك شائكة عند حدودها مع إيران للحدّ من تدفق المهاجرين

وأردف عارف “لولا هذه المحنة، لما جئنا إلى هنا”.

وفي الوقت الذي تستضيف فيه تركيا عددا كبيرا من اللاجئين السوريين وهو ما يضغط على بنيتها التحتية ومواردها، فإنها، على موعد مع موجة جديدة من تدفق اللاجئين، وهذه المرة من أفغانستان.

وأشار بوراك بكديل المحلل التركي البارز في تقرير نشره معهد جيتستون الأميركي إلى أن السكان المحليين في إسطنبول أصيبوا بالصدمة مؤخرا لرؤية جحافل من الشبان الأفغان يرتدون الملابس التقليدية البالية، ويتجولون بلا هدف في الأحياء التي كانت بالفعل موطنا للآلاف من اللاجئين السوريين.

وبعد أن أصبح تهديد المهاجرين الأفغان واضحا للغاية في الشوارع التركية، يتوقع متابعون موجة جديدة من النزعة القومية التي يمكن أن تتحول إلى عنف في البلاد ردا على  موجة المهاجرين الجديدة.

ومتحسسا مزاج البلاد المعادي للمهاجرين، تعهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وضع “حدّ تام” لعبور المهاجرين بطريقة غير شرعية.

وأفاد مسؤولون أتراك في تصريحات صحافية بأنه تم بناء 156 كيلومترا من الجدار حتى الآن، ما يحدّ بشكل كبير من تدفق المهاجرين. لكنّ مسؤولين أمنيين يقولون سرا إن العشرات من الآلاف من الأفغان يتجمعون في الجانب الإيراني على ما يعتقد.

وعبر عارف والعشرات من الأفغان الآخرين وجميعهم رجال، منطقة دون حدود مادية ووجدوا مأوى مؤقتا خلف بعض خطوط السكك الحديد في تاتوان، على الضفاف الغربية لبحيرة وان.

وقال نجيب الله إقبال (19 عاما) الذي قادته رحلته التي استمرت 15 يوما من مزار شريف في أفغانستان إلى باكستان وإيران “انتهت أفغانستان”.

وأضاف “سيكون الوضع أسوأ الآن. أبلغ 19 عاما. أرغب في الذهاب إلى المدرسة أو المسجد، لكن حياتي انتهت”.

وهناك آخرون، مثل عرمان أحمدي (17 عاما) يقومون بمحاولة الهرب الثانية. فقد رحِّل العام الماضي بعدما قبض عليه في إسطنبول حيث كان يعمل حلاقا بشكل غير قانوني، وهو يقول إنه يرغب في الاستقرار في تركيا بشكل دائم.

عبور الحدود طريق الأفغان للخلاص من طالبان
عبور الحدود طريق الأفغان للخلاص من طالبان 

وقال “دولتكم تركيا تطلب مني الذهاب إلى أفغانستان لكن ثمة حربا هناك. لا أريد الذهاب إلى أوروبا. إذا وفرت لي تركيا ملاذا، أريد البقاء فيها”.

وحتى العام 2013، كانت تركيا تنقل الأفغان إلى بلدان أخرى معظمها في أوروبا ودول تعتمد سياسة هجرة مثل كندا. لكن الحال لم تعد كذلك مع إعلان الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أن أفغانستان آمنة بسبب وجود حلف شمال الأطلسي فيها.

وتظهر بيانات رسمية أن هناك 120 ألف لاجئ أفغاني في تركيا، وما يصل إلى 300 ألف مهاجر أفغاني بطريقة غير قانونية.

وبالإضافة إلى ذلك، هناك 3.6 مليون لاجئ من سوريا المجاورة.

وقال متين كوراباتير الناطق السابق باسم تركيا لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، “إن الجارة الغربية لأفغانستان إيران تمكنت من استيعاب التدفقات السابقة للمهاجرين”.

وأوضح  في تصريحات صحافية “استقبلت مليوني أفغاني خلال الغزو السوفييتي عام 1979”.

لكنه أضاف أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة منذ سنوات والمرتبطة ببرنامج طهران النووي، دمرت الاقتصاد الإيراني وجعلت الوضع غير مستقر أكثر.

وأردف “إلى أي مدى يمكن أن توفر إيران الحماية للوافدين الجدد، لا نعرف بعد”.

وبالعودة إلى ما وراء خطوط السكك الحديد في تاتوان، كان الشباب الأفغان يفكرون في الخراب الذي حل ببلادهم.

ولا يرى محمد زامير (16 عاما) أي مستقبل من دون مساعدة من دول أخرى.

وقال “سيقتلك مسلحو طالبان إذا ذهبت إلى مدرسة، وسيقتلونك إذا كنت مع الحكومة”.

وأضاف مستذكرا الحياة قبل دخول طالبان إلى كابول “وستقتلك الحكومة إذا كنت مع طالبان”.

وختم “الناس ليس لديهم خيار آخر، ليس لديهم مال ولا عمل ولا وظيفة. ماذا سيفعل أي شخص هناك؟ إلى أين سنذهب إذا لم توفر لنا الدول المجاورة ملاذا؟”.

5