أبواب تركيا لم تعد مفتوحة أمام اللاجئين

لم يعد اللاجئون السوريون ضيوفا مرحبا بهم في تركيا وسط تصاعد مشاعر الكراهية والعدائية تجاههم، وعكس الاعتداء الأخير على محال تجارية للاجئين سوريين حجم غضب الأتراك من سياسة الباب المفتوح التي انتهجتها الحكومة التركية. وفيما استغل النظام ورقة اللاجئين لتحقيق مكاسب سياسية، يحمّل طيف واسع من الشارع التركي اللاجئين مسؤولية ارتفاع البطالة وتردي أوضاعهم الاقتصادية.
أنقرة - تصاعدت المشاعر المعادية للاجئين في تركيا أعقاب أعمال شغب وهجمات استهدفت منازل ومتاجر مملوكة لسوريين، في خطوة تؤكد مرة أخرى سوء المعاملة التي يتعرض لها اللاجئون، وأن سياسة الباب المفتوح التي لطالما روج لها النظام التركي برئاسة رجب طيب أردوغان مجرد ورقة انتخابية لتحقيق مكاسب داخلية وخارجية لا أكثر.
وحطّم العشرات من الأتراك الغاضبين سيارات ومحالا تجارية يُعتقد أنها تعود للاجئين سوريين في أنقرة، ما دفع الشرطة إلى التدخل، وفق ما أفادت تقارير نشرتها وسائل إعلام محلية الخميس.
واندلع الشغب في وقت متأخر الأربعاء، في أعقاب شجار بين سكان أتراك ولاجئين سوريين على الأرجح، تم خلاله طعن تركي حتى الموت، بحسب الإعلام المحلي.
وأظهرت صور تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي العشرات من الرجال الغاضبين وهم يخترقون طوقا أمنيا فرضته الشرطة، ومن ثم يحطمون سيارات ومحالا تجارية.
وقال مكتب محافظ أنقرة ليل الأربعاء إن “التظاهرات والأحداث التي وقعت في حي ألتنداغ انتهت نتيجة سعة صدر مواطنينا والعمل الشاق لقواتنا الأمنية”.
70
في المئة من الأتراك يدعون لإغلاق حدود بلادهم في وجه اللاجئين السوريين
وأضاف “شعبنا مطالب بعدم إضفاء صدقية على الأخبار الاستفزازية والتعليقات”، في إشارة إلى الخلاف الذي أدى إلى الاضطرابات.
وأفادت وكالة الأناضول الرسمية عن توقيف “اثنين من الرعايا الأجانب” وتوجيه تهمة القتل إليهما على خلفية الخلاف الدامي.
واعتقلت السلطات نحو ثمانين شخصا يشتبه بأنهم شجعوا أو شاركوا في الهجوم على محلات تجارية لسوريين، في أجواء تؤكد تصاعد خطاب كراهية الأجانب في تركيا.
ويأتي هذا التوتر في وقت تظهر استطلاعات الرأي تنامي المشاعر المعادية للاجئين في صفوف العديد من الأتراك.
وحسب استطلاع أجرته شركة ميتروبول، وهي شركة أبحاث محلية رائدة، فإن 70 في المئة من المواطنين الأتراك يقولون إنه يجب إغلاق حدود البلاد في وجه اللاجئين. وبالمقابل، رأى نحو 24 في المئة من الأتراك الذين شاركوا في الاستطلاع، أنّ الأبواب يجب أن تظل مفتوحة.
وتؤوي تركيا 3.6 مليون لاجئ سوري، بموجب اتفاقية أبرمتها عام 2016 مع الاتحاد الأوروبي لمنع تدفق اللاجئين إلى دوله. ويعمل الطرفان حاليا على تعديل الاتفاق.
وتلقت أنقرة، مقابل إنشائها مخيمات للاجئين في جنوب شرق البلاد تؤوي حاليا بالمجمل أكثر من أربعة ملايين شخص، تمويلا بالمليارات من الدولارات.
وتشكل العوامل الاقتصادية أحد أبرز الدوافع وراء عداء الأتراك المتزايد للاجئين خاصة من أبناء الطبقة المتوسطة والفقيرة، أمام منح اللاجئين فرصا أوفر للحصول على سكن بأسعار معقولة ووظائف منخفضة الأجر.
ويلقي العديد من الأتراك باللوم على السوريين في ارتفاع معدل البطالة في البلاد، على افتراض أنهم يأخذون الوظائف المتاحة بأجور أقل.
وتوصلت استطلاعات رأي محلية سابقة إلى أن 71.4 في المئة من الأتراك يعتقدون أن السوريين يأخذون وظائفهم. كما أظهرت النتائج أن 67.4 في المئة منهم يوافقون على أن السوريين يرفعون معدلات الجريمة.
وتحمل المعارضة التركية أردوغان مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية في بلدهم مقابل استغلاله ورقة للاجئين لابتزاز أوروبا في ملفات المنطقة الحارقة.
وسبق أن طلب أردوغان من أوروبا المزيد من الدعم لمساعدة بلاده في إيواء اللاجئين، مشيرا في ذلك إلى العدد الكبير من اللاجئين الذين تستضيفهم تركيا، وهدد بفتح حدوده مع أوروبا إذا لم يستجب الاتحاد الأوروبي له.
كما طالب بالمزيد من الأموال وكذلك مساعدة بلاده في إقامة منطقة آمنة للاجئين شمالي سوريا، حيث يريد توطين ما يصل إلى ثلاثة ملايين لاجئ سوري هناك.
ودأب أردوغان على اللعب على ورقة اللاجئين السوريين والتهديد بفتح الحدود لهم باتجاه أوروبا وإغراقها بهم كما حدث في 2015، في الضغط على الاتحاد الأوروبي ودوله، في سبيل تحقيق المزيد من المكاسب المادية والسياسية.
وأثار حزب المعارضة الرئيسي الشهر الماضي جدلا من خلال تعهده بإعادة اللاجئين السوريين إلى “الوطن” في حال وصوله إلى السلطة في الانتخابات العامة المقررة عام 2023.
وفرض رئيس بلدية مدينة بولو تانجو أوزجان، المنتمي لحزب الشعب الجمهوري المعارض، رسوما تزيد بنسبة 10 أضعاف على فواتير المياه الخاصة بالسوريين، فيما تعهد زعيم المعارضة ورئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو بترحيل جميع اللاجئين السوريين من تركيا في مدة زمنية أقصاها سنتان حال وصل حزبه إلى الحكم.
وأبدى ناشطون أتراك في مواقع التواصل الاجتماعي تأييدهم لهذا الخطاب. وشنوا حملات تحض على إجبار السوريين على العودة إلى ديارهم. ولقي هذا الخطاب صدى في الشارع التركي الذي سبق وأن استهدف السوريين في مناسبات كثيرة.
وبموازاة ذلك، كشفت منصّة تيت التركية، المتخصصة في التحقق من صحة الأخبار والتي تحظى بمتابعة واسعة في تركيا، هذا الأسبوع عن العديد من التعليقات المضللة على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن اللاجئين، يتعلّق العديد منها بالأفغان.
وتحظى المسألة باهتمام متزايد على وقع المكاسب السريعة التي يحققها متمردو حركة طالبان في أفغانستان، ما من شأنه أن يؤدي إلى تدفق المهاجرين بمجرد استكمال عملية انسحاب القوات الأجنبية في نهاية الشهر الحالي.
وتشكل تركيا واحدا من الممرات الرئيسية للمهاجرين الأفغان الباحثين عن مأوى في أوروبا.
وتخلق موجة جديدة محتملة من اللاجئين الأفغان موجة أخرى من النزعة القومية التي يمكن أن تجتذب المزيد من الانتقادات الدولية وتزيد من مخاطر الاحتجاجات العنيفة في البلاد.
ومع تحقيق قوات طالبان لمكاسب في أفغانستان، يدق السياسيون الأتراك ناقوس الخطر بشأن احتمال العبء الأكبر الذي يمثله اللاجئون، فيما يتخذ آخرون خطوات للتمييز ضد اللاجئين الموجودين بالفعل والذين تستضيفهم أنقرة.