المصرية ماجدة علي تسرد "بنات أفكارها" في لوحات موحشة

القاهرة – يتواصل حتى الحادي والعشرين من أغسطس الجاري بقاعة الباب سليم بمتحف الفن المصري الحديث بدار الأوبرا المصرية معرض الفنانة المصرية ماجدة علي المعنون بـ”بنات أفكاري”، والذي تعود من خلاله علي إلى العروض الفنية بعد انقطاع.
والمعرض يضم خمسة وثلاثين لوحة فنية تصوير زيتي على القماشة بمقاسات مختلفة، تجسّد فكرة في وجدان الفنانة، حيث ترى أن الروح تسافر أثناء النوم وتجوب أماكن مألوفة وأماكن غير معروفة، وتلتقي بأرواح فارقت الحياة أو على قيد الحياة، وتعود إلى الحياة الواقعية بعد صحوها، محملة بحكايات وصور.
وعن المعرض قال الفنان التشكيلي المصري طه قرني “هو معرض نوعي جدا ومختلف جدا، يعطي إشارة قوية لقراءة العمل التشكيلي برؤية جديدة وموتيفة مغايرة، وهذا ما نفتقده قليلا في الحركة التشكيلية المصرية، وهذه الحالة أوجدت متغيرا كبيرا، استطاعت الفنانة أن تبني عليها مفردات جديدة، وأرى أن المعرض القادم لها سيكون مختلفا اختلافا كبيرا، فالفنانة تمتلك إمكانيات عالية ومتنوّعة”.

ماجدة علي: الأرواح تعود إلى الحياة الواقعية بعد صحوها، محملة بحكايات وصور
بدوره قال محمد إسحاق أستاذ النحت والعميد السابق بكلية التربية الفنية بجامعة حلوان “المعرض تجربة إبداعية في ما يسمى بالبحث عن الذات، البحث عن الذات في العناصر المستخدمة في اللوحات وفي التكوين واللون”.
وأضاف “في المعرض مجموعة من الخبرات والتجارب الخاصة بالفنانة من حيث اللون والتجديد الذي تقوم به، إذ تظهر شخصيتها في بناء اللوحة وتوظيف اللون للحصول على العنصر الخاص بها”.
وتمزج الفنانة المصرية في لوحاتها الواقع بالخيال لتسرد عبرها أغوار النفس البشرية في حلمها وصحوها، مشكلة من أضغاث أحلامها، ربما، مساحات من التخيّل السريالي الذي يفضي أحيانا إلى الخلط بين ما هو آني وما هو آت دون إقصاء للماضي الذي تستلهم منه مفرداتها التشكيلية المعتمدة أساسا على الملامح الأسطورية للمصريين القدماء.
وفي ذلك يقول الشاعر والباحث الأنثروبولوجي المصري مسعود شومان “المعرض يعدّ مجموعة من المعارض في وقت واحد، فهناك لوحات توجد بينها سمات مشتركة، وأخرى بينها اختلافات يمكن أن تتواجد في معرض آخر، وأيضا وجود البعد الأسطوري والرموز المصرية القديمة، وهيمنة العنصر الأنثوي بمختلف الأشكال”.
مؤكّدا “علي استطاعت أن تمزج الملمح الأسطوري بالملمح الكاريكاتيري، فالمعرض ثري جدا ومبهج وغني برموزه وألوانه”.
ففي كتاب “نقد الحكم” يُعرف إيمانويل كانط الجميل كـ”غرض جميل متنزه عن أيّ هدف”، ويجادل بأن “الجميل هو ذاك الذي يُسعد من دون أن يقوم بوظيفة محددة، أو يروق لاهتمام ما، أو يُرضي رغبات حسية رئيسية. إن تقدير الجميل يتطلب نظرة جمالية مُنقّاة من مثل هذه الغرائز والأغراض الشخصية”.
من هنا يمكن القول بأن الالتزام في الفن يتعدّى المضمون إلى الشكل، أي أنه التزام جمالي أساسا. وانطلاقا ممّا سبق يمكننا قراءة لوحات ماجدة علي في سياق إنساني أوسع، أي كتنديد بكل أشكال القمع التي يمكن أن يتعرّض لها الإنسان على أرض الواقع أو في الأحلام/الكوابيس.
وفي سياق آخر تتجلى صور المرأة في أعمال علي، حيث تظهر المرأة في لحظات الأمل والتأمل وفي لحظات الفرح والحزن والتحرّر والانتظار والقلق وكذلك لحظات الانكسار والقيود.
واختارت الفنانة في لوحاتها تفاصيل مختلفة تحيط بالمرأة مثل السنابل والطيور والأسماك وغيرها بتناغم أصيل لتعبّر عن الأحاسيس المتعدّدة للمرأة بين آمالها وآلامها، انتصاراتها وانكساراتها، سكونها وصخبها.
لوحات الفنانة في المعرض، وإن اختلفت موضوعاتها أحيانا، إلاّ أنها تكمّل بعضها بعضا، فهي بروح واحدة وبتقنية واحدة، كل لوحة تحيل إلى الأخرى، لتبدو لوحات متقاربة وكأنها توأم، فهي تسلسل لفكرة واحدة أرادته الفنانة حلما أقرب إلى كابوس يربكها قبل أن يربك الناظر إلى لوحاتها، في سرد لإكراهات الحياة المعاصرة وأمراضها المجتمعية المتداخلة، وإن أظهرتها بمفردات تشكيلية أسطورية في الغالب.
تشكّل علي لوحاتها بطريقة موجعة، مخيفة ومربكة، كحال كوابيسنا المتداخلة التي تستعيد أرواحا فارقت الحياة أو أخرى على قيد الحياة، أرواح تعود إلى الحياة الواقعية بعد صحوها من غفوة كاذبة، بل من استراحة واهية، محملة بحكايات وصور مرعبة لواقع حياتي مأزوم ما انفكّ يتأزّم أكثر بالأوبئة والكوارث الطبيعية والصراعات الإنسانية التي لا نعرف لها نهاية.
عندما يصبح الواقع لا يطاق يلجأ الإنسان، وخاصة الفنان، إلى الخيال المنقذ والقادر إن جمعه اليقين والعزيمة، على أن يقلب الواقع رأسا على عقب. هكذا تحدّثنا القصص الخرافية، كما تحدّثنا كذلك القصص الواقعية الفجّة التي تخترقها العجائب المنقذة في اللحظة الحاسمة.
لكن لوحات ماجدة علي هي إنقاذ من نوع آخر، لوحات تنقذنا من أكاذيبنا المتجاوزة، أو التي تسعى في السر والعلن إلى تجاوز واقعنا المرير، بالأحلام الوردية التي سرعان ما نكتشف زيفها غداة صحونا مباشرة، لنصدم أنها أحلام موغلة في الوحشة والتوحّش، أحلام عنوانها السراب.
وماجدة علي حاصلة على دكتوراه الفلسفة في الفن، تحديدا في النقد الفني التشكيلي مع مرتبة الشرف الأولى من معهد النقد الفني بأكاديمية الفنون. وهي أيضا باحثه في مرحلة الماجستير قسم الأنثروبولوجيا الثقافية بكلية الدراسات العليا الأفريقية في جامعة القاهرة.
