جنود أبطال وتخطيط عسكري وحكومي جزائري كارثي في مواجهة الحرائق

الجزائر – أثار مقتل 28 جنديا جزائريا في مساع يائسة لإيقاف الحرائق التي تجتاح البلاد موجة من الغضب بين الجزائريين الذين اعتبروا أن الجنود دفعوا حياتهم ثمنا لفشل التخطيط الحكومي الكارثي في مواجهة الحرائق.
واتهم نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي السلطات الرسمية بأنها هي التي قتلت هؤلاء الجنود حين دفعتهم إلى مواجهة الحرائق وهم عزّل دون وسائل وإمكانيات ولا تدريب على مواجهة الكوارث.
وزاد فيديو استغاثة وجّهه أحد الجنود الذين حاصرتهم الحرائق من حدة الغضب بين الجزائريين. وردد الجندي في الفيديو قوله “إخوتي (زملائي) ماتوا”، كما وجّه إلى أهله وزملائه رسالة وداع مؤثّرة.
واعتبر متابعون للشأن الجزائري أن صرخة الجندي كان لها تأثير كبير أحرج السلطات التي كانت تعتقد أن الأمور ستصبح تحت السيطرة، خاصة أن الإعلام الحكومي الجزائري كان يكتفي بإحصاء أعداد الضحايا دون الإشارة إلى من يتحمل مسؤولية إلقاء الجنود أمام النيران دون وسائل حماية.
ويُعتبر عددُ ضحايا المؤسسة العسكرية (28 قتيلا و12 جريحا في حالة حرجة) حصيلةً كارثية بمنطق العقيدة العسكرية، الأمر الذي سيفتح أبواب النقد والمساءلة على القيادة التي أرسلت هؤلاء الجنود إلى حتفهم وكرست نمط الارتجال والعشوائية، وخاصة أن الوضع كان في غاية الخطورة ويتطلب إمكانيات وتدريبا لم يتوفّرا لدى الوحدات التي دُفِع بها إلى هناك.
وإلى حد الآن لم تصرّح المؤسسات الأمنية بحصول أي تقدم في التحقيقات التي أُعلن عن فتحها لمعرفة ملابسات الكارثة وظروفها، ولاسيما أن فرضية “المؤامرة” والاستهداف المبرمج تحتل مكانة كبيرة في مقاربة السلطة لتفسير الأمر، بحسب تصريح وزير الداخلية كمال بلجود ورئيس الوزراء أيمن بن عبدالرحمن.
ومنذ صباح الثلاثاء بدأت عبر مواقع التواصل الاجتماعي دعوات إلى تنظيم قوافل لمساعدة سكان قرى تيزي وزو، وجمْع مواد غذائية وأدوية وتقديم وسائل نقل المياه والمساعدة في إخماد الحرائق، فيما اختار آخرون التنقل بأنفسهم للمشاركة في إطفاء الحرائق.
وانطلقت من العاصمة شاحنات تنقل مواد تبرع بها مواطنون وتجار، وكذلك سيارات مواطنين حمّلوها خاصة بمياه الشرب وحليب الأطفال والحفّاظات.

وفيما تصاعدت وتيرة التضامن الشعبي ما زال الحضور الرسمي محدودا، الأمر الذي يرشح أن تكون كارثة تيزي وزو فصلا جديدا يؤرخ لمرحلة أخرى من مراحل الصراع بين الشارع والسلطة.
ومع إعلان الدولة عن ثلاثة أيام حداد في البلاد تضامنا وتعاطفا مع الضحايا والأسر المكلومة، واستقبال الرئيس عبدالمجيد تبون اتصالات خارجية من عدة دول عربية وأوروبية وأفريقية للتعبير عن التضامن مع الجزائر، ما زال الغموض يكتنف مصير طائرات الإطفاء التي وعد رئيس الوزراء باستقدامها شراء أو تأجيرا.
وسادت الشارع الجزائري حالة استغراب من الإمكانيات المحدودة المرصودة لمواجهة الكوارث؛ فرغم تجارب الحرائق السابقة، حيث سبق لمحافظة خنشلة أن عرفت حرائق مماثلة منذ شهر، وجدت الحكومة الفاقدة للاستشراف والتخطيط نفسها في مأزق جديد قد ينقلب على السلطة برمتها.
وفيما تملك قوات الدفاع عددا محدودا من المروحيات ما زالت الحكومة تفتقد إلى طائرات إطفاء محترفة رغم أن سعرها في الأسواق الدولية مناسب، في حين يتم عقد صفقات ضخمة في مختلف القطاعات -خاصة في مجال التسليح- تقدر بمليارات الدولارات.
اقرأ أيضا:
وحمّل حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية السلطات مسؤولية الفشل في مواجهة الحرائق واعتبر أن الأمر كان يستدعي طلب مساعدات دولية، وخاصة طلب طائرات الإطفاء.
وتساءل الحزب المعارض في بيان له عما أسماه “وعود الحكومة باقتناء طائرات الإطفاء في أعقاب الحرائق التي شهدتها ولايات (محافظات) خنشلة قبل أسابيع”، وعن “المانع الذي حال دون خروج الرئيس تبون إلى الأمة بخطاب في هذه اللحظات المأساوية التي تمر بها البلاد”.
وأكثر المناطق تضررا هي تيزي وزو -أكبر مراكز المنطقة الجبلية- حيث احترقت بيوت وفرّ السكان، ومنهم من لاذ بالفنادق ودور الشباب وأماكن إقامة طلبة الجامعات في المدن القريبة. وقالت الحكومة إنها ستعوض المنكوبين عن خسائرهم.
وتوقعت مصالح الأرصاد الجوية استمرار موجة الحر الشديد -التي لا تساعد في كبح الحرائق- إلى الخامس عشر من أغسطس، وأن تصل الحرارة إلى 46 درجة.
وأعلنت الإذاعة الجزائرية العامة الثلاثاء توقيف ثلاثة من “مشعلي حرائق” في مدينة المدية (شمال)، فيما أعلنت وكالة الأنباء الجزائرية توقيف رابع في عنابة.
وتضم الجزائر -وهي أكبر دولة أفريقية- 4.1 مليون هكتار من الغابات فقط مع نسبة إعادة تشجير متدنية بلغت 1.76 في المئة. وتشهد البلاد حرائق غابات سنويا، وقد أتت النيران عام 2020 على حوالي 44 ألف هكتار.