مشروع قانون لردع الشتائم يهدد الصحافيين في موريتانيا بالعقوبات

اضطر البرلمان الموريتاني إلى تأجيل مناقشة مشروع “حماية الرموز الوطنية” بسبب ما يواجهه من انتقادات واسعة لتأثيراته السلبية على الحريات الصحافية والتدوين على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما جعل تطمينات الحكومة بالحفاظ على الحريات غير مقنعة للموريتانيين.
نواكشوط - أثار مشروع قانون يتعلق “بحماية الرموز الوطنية” جدلا واسعا في موريتانيا على مدى الأيام الماضية، بشأن تأثيره على حرية الصحافة والتعبير، ما دفع البرلمان لتأجيل نقاشه إلى الدورة الخريفية المقبلة.
وصادقت الحكومة في الرابع عشر من يوليو الماضي، على مشروع قانون جديد يجرم المساس بهيبة الدولة، وبشرف المواطن، ويحمي الرموز الوطنية، لكنه واجه انتقادات عديدة من قبل مدونين وصحافيين اعتبروه تكريسا لنوع من التضييق على حرية الرأي.
وقالت الحكومة، في بيان، إن مشروع القانون “يأتي لسد الثغرات التي تم رصدها في المنظومة الجنائية للبلاد، لمنح القضاة والمحققين آليات قانونية واضحة لفرض سيادة القانون واحترام قيم الجمهورية”.
ويضم مشروع القانون ثماني مواد، ويسعى وفق مادته الأولى إلى “تجريم ومعاقبة الأفعال المرتكبة عن قصد باستخدام تقنيات الإعلام والاتصال الرقمي، ومنصات التواصل الاجتماعي، المرتبطة بالمساس بهيبة الدولة، ورموزها، وبالأمن الوطني، والسلم الأهلي، واللحمة الاجتماعية، والحياة الشخصية، وشرف المواطن”.
وتقول المادة الثانية من هذا القانون إنه “يعد مساسا بهيبة الدولة ورموزها من يقوم عن قصد عن طريق استخدام تقنيات الإعلام الرقمي أو منصات التواصل الاجتماعي بالمساس بثوابت ومقدسات الدين الإسلامي أو الوحدة الوطنية والحوزة الترابية أو بسب أو إهانة شخص رئيس الجمهورية أو العلم أو النشيد الوطني”.
وعلق صحافيون على هذه البنود بمطالبة وزير العدل بتعريف محدد “للإساءة” ومتى يكون القول إساءة في حق الرئيس وبأي مفردات! مضيفين أن القانون الجديد مطاط وقابل للتكييف وبالتالي انتكاسة لحرية التعبير.
واعتبر المحامي والخبير القانوني محمد المامي مولاي أعلي أن مشروع قانون “حماية الرموز” يمثل تراجعا كبيرا بمضامينه والعقوبات التي ينص عليها كتجريمه لإهانة الرئيس ومعاقبته عليها بالحبس من سنتين إلى أربع سنوات، لافتا إلى أن بعض مواده جاءت تكرارا لقوانين أخرى.
وتشير المادة الرابعة أنه “يعد مساسا بالسلم الأهلي وباللحمة الاجتماعية كل توزيع عبر وسائل الإعلام الرقمية أو وسائل التواصل الاجتماعي لمواد صوتية أو نصية أو مصورة تتضمن قذفا أو تجريحا أو سبا موجها لجهة من جهات الوطن أو مكونا من مكونات الشعب أو تبث الكراهية بين هذه المكونات أو تحرض بعضها على بعض”.
وعبرت العديد من الأحزاب السياسية والهيئات النقابية والبرلمانيين عن رفضهم لمشروع القانون، محذرين من أنه يشكل “تكريسا للدكتاتورية”.
ووصف عدد من النواب مشروع القانون بـ”الخطير”، وبأنه يكرس الدكتاتورية، وانتهاك حرية المواطن.
وقال النائب العيد ولد محمد في تدوينة على حسابه في فيسبوك إن مشروع القانون “يتضمن مقتضيات خطيرة على الحريات، ويحمي مرتكبي جرائم التعذيب ويميِّز بين المواطنين”.
أما النائب الشيخاني ولد بيب فاعتبر، في تدوينة له، أن مشروع القانون “من أوغلِ القوانين في تكريس الدكتاتورية، وانتهاك حرية المواطن، وتعميق تسلط وبطش أجهزة الأمن به”.
وفي أول تعليق له على الجدل المثار بشأن مشروع القانون، أوضح الرئيس محمد ولد الغزواني، أنه حريص على عدم المساس بالحريات.
وأضاف ولد الغزواني، في مقابلة مع قناة “فرانس24”، نهاية شهر يوليو الماضي، “ينبغي أن يكون المواطن مطمئنا، ومن واجبي أن أطمئنه، أنه لا مساس بالحرية في موريتانيا، لا في حق المدون ولا الصحافي ولا من يتحدث بلسانه دون حتى أن يكتب. لا مساس بالحرية”.

واعتبر أن من حق أي موريتاني أن ينتقد أي سياسي، وقال إن مستوى الحريات في البلاد سيبقى على ما كان عليه، وسوف يتحسن.
ويرى مناصرو مشروع القانون، أنه ضرورة بعد “تفاقم موجات السباب والشتائم والتسريبات التي أضرّت بالحياة العامة والخاصة للمسؤولين والأفراد، وأججت الضغائن والأحقاد بين الجهات والعرقيات”.
وقال الرئيس السابق لحزب “الاتحاد من أجل الجمهورية” الحاكم، سيدي محمد ولد محم، “بعد مطالعة متأنية لمشروع القانون المتعلق بحماية الرموز الوطنية وتجريم المساس بهيبة الدولة وشرف المواطن، أجزم بأنه لا توجد فقرة واحدة منه تشكل مساسا بالحريات العامة ولا حق مواطنينا في التعبير عن آرائهم ومواقفهم”.
واعتبر ولد محم، في تدوينة، أن “سَنّ هذا القانون يشكل ضرورة ملحة لضبط فضاءات الإعلام وتنظيفها وتمكين الكل من الدخول إليها دون أن يتلقى شتيمة أو قذفا أو إهانة في عرضه أو دولته ورموزها”. وتابع “لا تتحدثوا عن النقد فهو حق مصان، وحق كل مواطن في نقد سياسات الرئيس وقراراته وأداء حكومته وإدارته محفوظ بقوة القوانين، بل ومطلوب بإلحاح، ولن نقبل المساس به”.
واستدرك “إلا أنه علينا أن نضع حدا فاصلا بين النقد مهما كانت حدته وصفته، وبين الإساءة والتجريح، هذا القانون لا يعاقب النقد بأي معنى من المعاني، إنما يعاقب الإساءة والتجريح والمساس بهيبة الدولة ورموزها وأمنها”.
في المقابل هناك آراء أخرى تطرح رؤية مخالفة، وترفض الحجج القائلة بأن المشروع لمواجهة الشتائم على مواقع التواصل. وقال نقيب المحامين الموريتانيين إبراهيم ولد ابتي، أن “ما عرفته وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرا من أساليب طبعها السب والقذف بجميع أشكاله لا يستدعي إصدار قانون خاص بالرموز، لأن الترسانة القانونية الموجودة كفيلة بمواجهة تلك الأساليب”.
وأضاف ولد ابتي، في بيان له، “إن توفير الحماية من النوع الذي سن قانون الرموز للقوات المسلحة وقوات الأمن، يخشى أن يستغل لحمايتها من كل جرم ترتكبه إن اعتدت على المواطن في إطار التظاهرات والتجمعات التي تطبع كل نظام تعددي، وإذنًا لها بالإفراط في استعمال السلطة”.
وبيّن أن “إعطاء الصلاحيات للنيابة العامة في تحريك الدعوى تلقائيا في المسائل المتعلقة بالجرائم التي نص عليها قانون الرموز يشكل توجها جديدا يخرِج هذا النوع من الجرائم عن إطارها الأصيل الجاري العمل به”.