مشاريع الطاقة النظيفة تقاوم لكنها تصطدم بجدار منيع

لندن- ضخ المستثمرون حول العالم أموالاً أكثر من أي وقت مضى في الطاقة النظيفة خلال النصف الأول من 2021، لكن الوتيرة ما تزال بعيدة عن أن تكفي للجم الانبعاثات المتزايدة للكربون خاصة مع عودة الصين لاستخدام الفحم.
وبحسب مسح أجرته بلومبرغ أن.إي.أف، فقد بلغ الإنفاق على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح البحرية وغيرهما من التقنيات والشركات الخضراء في هذه الفترة نحو 174 مليار دولار.
وسارت البنوك والشركات بخطى سريعة منذ بداية 2021 إلى الالتزام بالمزيد من التمويل للمشاريع الصديقة للمناخ بعد أن ضخت تريليونات الدولارات في النفط والغاز والفحم في السنوات الأخيرة.
ويقول محللون إنه على الرغم من أن هناك زيادة بنسبة 1.8 في المئة في الفترة الفاصلة بين يناير ويونيو الماضيين على أساس سنوي، إلا أن المستوى أقل بنسبة 7 في المئة عن الأشهر الستة السابقة.
وتُظهر الزيادة الطفيفة مناعة هذه الصناعة التي تقود المعركة ضد تغير المناخ رغم ارتفاع التكاليف بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية هذا العام.
ومع ذلك، فهي أقل بكثير مما تحتاجه الدول والشركات للوصول إلى أهدافها في الحد من الانبعاثات خلال العقود القادمة وهو ما يعني أنها في خضم سعيها لمقاومة كل التحديات والصعوبات إلا أنها تصطدم بجدار منيع قبل بلوغ الهدف.
ويقول ألبرت تشيونغ رئيس قسم التحليل في بلومبرغ أن.إي.أف إن الاستثمار في الطاقة البديلة صمد أمام نتائج الوباء العالمي على عكس مجالات أخرى في قطاع الطاقة الذي شهد تقلبات غير مسبوقة لكن الزيادة المسجلة في حجم الاستثمار ليست كبيرة.
وأكد أن هناك حاجة ملحّة لتسريع التمويل فوراً إن “أردنا أن نسير على الطريق الصحيح لتحقيق صافي الصفر العالمي”، وبالتالي إحلال البصمة الكربونية في سلاسل الإنتاج بما يعود بالنفع على اقتصادات الدول.
وتعزز النمو القياسي في مشاريع الطاقة المتجددة خلال النصف الأول من هذا العام من حيث الأموال الجديدة التي تم جمعها عبر الأسواق العامة والتي بلغت قيمتها 28.2 مليار دولار، بزيادة أكثر من خمسة أضعاف بمقارنة سنوية، كما ارتفعت التزامات رأس المال الاستثماري والشركات الخاصة نحو شركات الطاقة المتجددة.
وتشير إحصائيات المسح إلى ارتفاع الاستثمار في مشاريع الطاقة الشمسية بنسبة 9 في المئة إلى مستوى قياسي بلغ 78.9 مليار دولار في النصف الأول.
وحققت مشاريع الطاقة الشمسية في الصين 4.9 مليار دولار في الربع الثاني، ارتفاعاً من 2.8 مليار دولار في الربع الأول.
ومع ذلك، انخفض الاستثمار في مشاريع طاقة الرياح إلى 58 مليار دولار بانخفاض قدره أكثر من 30 في المئة على أساس سنوي عندما كان المطورون يسارعون للاستفادة من آليات الدعم التي توشك على الانتهاء في الصين والولايات المتحدة.
وكان سماح وكالة التخطيط الصينية الخميس الماضي بإعادة فتح 15 منجما للفحم لمدة سنة لتوفير نحو 44 مليون طن من الفحم سنويا، بينما تشهد البلاد زيادة كبيرة في الطلب على الكهرباء، خبرا محبطا للحكومات والمتابعين والاقتصاديين حول العالم.
والصين، التي تعتبر أكبر مصدر لانبعاثات غازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري في العالم، هي الدولة الأكثر استثمارا في الطاقات الجديدة، وقد تعهدت بكين بتحقيق الحياد الكربوني بحلول العام 2060.
وجاءت الخطوة الصينية في تناقض مع خطوة سابقة حينما أعلنت الحكومة الشهر الماضي عن إطلاق سوق الكربون الذي يفترض أن يساعد بكين على تقليل انبعاثاتها ويعد أداة حاسمة لمكافحة التغير المناخي.
وقالت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا) في يوليو الماضي إن تسريع وتيرة تحول نظام الطاقة استناداً إلى الخطط الموضوعة لحماية المناخ سيحفز نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 2.4 في المئة خلال العقد المقبل قياساً مع النمو المتوقع وفق الخطط الحالية.
ويتوقع خبراء في دراسة تحليلية جديدة نشرتها الوكالة على منصتها الإلكترونية أن يسهم هذا المسعى لوقف ارتفاع درجات الحرارة العالمية عند 1.5 درجة مئوية في توفير نحو 122 مليون فرصة عمل في القطاع بحلول عام 2050، وهذا يتجاوز ضعف عدد الوظائف الحالية البالغة 58 مليون وظيفة.
ويستأثر قطاع الطاقة المتجددة وحده بأكثر من ثلث فرص العمل مع توفيره 43 مليون وظيفة في العالم، ما سيساهم في دعم التعافي الاقتصادي بعد جائحة كورونا وحفز النمو الاقتصادي على المدى الطويل.
ووفقاً للدراسة التي جاءت بعنوان “توقعات تحولات الطاقة حول العالم” فإن من شأن أنظمة الطاقة القائمة على المصادر المتجددة إحداث تغييرات جذرية يطال تأثيرها الاقتصادات والمجتمعات معاً.
وأكد معدو الدراسة على أهمية إجراء تعديلات جوهرية على تدفقات رأس المال وإعادة توجيه الاستثمارات لوضع قطاع الطاقة على مسار اقتصادي وبيئي إيجابي.
وقال مدير عام الوكالة الدولية فرانشيسكو لاكاميرا حينها إن “هذه التوقعات توفر أدوات عملية لإعادة توجيه نظام الطاقة العالمي بصورة شاملة، ورسم مسار إيجابي جديد لقطاع الطاقة فيما هو يخوض هذه التحولات الديناميكية”.
وأشار إلى أن الكثيرين يتفقون على أن تحول الطاقة القائم على المصادر البديلة وتقنيات ترشيد الاستهلاك هو السبيل الوحيد للحد من الاحتباس الحراري العالمي.
ورغم صعوبة هذه المهمة فإنها تفتح آفاقاً غير مسبوقة لإنعاش الاقتصادات والحد من مشكلة الفقر، فتوقعات آيرينا تنطوي على أهمية بالغة كونها ترسم أطر السياسات وهياكل التمويل اللازمة لضمان تحول نظام الطاقة بصورة عادلة وشاملة.
وسيكون العقد المقبل محوريا لتحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ وأهداف التنمية المستدامة، وسيفضي التأخر في ذلك إلى تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، إضافة إلى التبعات الاقتصادية والإنسانية غير القابلة للإصلاح.