السودان يقفز على خلافاته مع إثيوبيا بحثا عن حل لأزمة تيغراي

بدأ السودان خطوات جدّية للوساطة بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير تيغراي المتمردة، وسط تأييد من أطراف دولية مهمة للوصول إلى حل سلمي للنزاع القائم الذي يتخوف السودان من انتقاله إلى داخل أراضيه. وبهذه الخطوة تقفز الخرطوم عن خلافاتها مع أديس أبابا بشأن أزمتي ترسيم الحدود وسد النهضة.
الخرطوم – كثف رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك من تحركاته الدبلوماسية على مستويات عدة لإنهاء الصراع الدائر بين الحكومة الفيدرالية الإثيوبية وجبهة تحرير تيغراي، في محاولة لتقويض اتساع نطاق الفوضى في منطقة القرن الأفريقي بما لا يؤثر سلبًا على الأوضاع الداخلية في السودان وسط موجات متباينة من النزوح واللجوء إلى ولاية القضارف المحاذية للحدود مع إثيوبيا.
وبحث حمدوك مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن هاتفيا الأربعاء سبل تشجيع الأطراف المعنية في إثيوبيا على وقف إطلاق النار والدخول في حوار سياسي شامل بهدف الحفاظ على وحدة واستقرار الدولة الإثيوبية ومنع انزلاقها لمزيد من الحروب، مع أولوية ضمان وصول المساعدات للسكان في مناطق النزاع وبصورة عاجلة.
وتشير وساطة حمدوك إلى عدم وجود مشكلة حقيقية بين الخرطوم وأديس أبابا جراء الخلاف الحاصل في أزمتي الحدود وسد النهضة، وكأن الرجل يريد أن يوحي بعدم وجود أزمات مع إثيوبيا، كما يعد تدخله اختبارا لقيادته لهيئة “إيغاد”.

وتعددت الاتصالات التي أجراها حمدوك مع الدول الأعضاء في منظمة “إيغاد” التي يرأسها وتضم: جيبوتي، السودان، جنوب السودان، الصومال، كينيا، أوغندا، إثيوبيا، إريتريا، تمهيداً لعقد اجتماع يطرح من خلاله مبادرة لإنهاء النزاع القائم، وقد تلقى اتصالاً من رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أكد أن وساطة حمدوك لا ممانعة حولها.
وتضغط الخرطوم لإدخال المساعدات الإنسانية إلى إقليم تيغراي المضطرب كمقدمة لإمكانية وقف إطلاق النار بين الجانبين ما يجعل الأجواء مهيأة لطرح حل سياسي يحظى بدعم دولي وأفريقي ربما يُرغم الطرفين على الدخول في مفاوضات منتجة.
ويعول حمدوك على تقديم آبي أحمد تنازلات عقب تعرضه لخسائر فادحة في تيغراي مؤخرا وتصاعد حدة الانتقادات الدولية واتهامه بارتكاب جرائم حرب في الإقليم.
ومازالت إثيوبيا ترفض إدخال المساعدات عبر خطوط إمداد من الجهة الغربية عن طريق السودان وتُصر على أن يكون هناك حل يضمن توقف عمليات جبهة تحرير تيغراي أولاً، لكن يبدو أنها أضحت أكثر استعداداً للتفاوض في الوقت الحالي في ظل انحناء آبي أحمد بعد تباين الجبهات التي يشتبك معها.
ويرى مراقبون أن تحركات حمدوك تُنحي الخلافات بين البلدين جانبًا لإفساح المجال أمام التوصل إلى حل يجنب شد أطراف السودان إلى صراعات إقليمية متوقع أن يتسع مداها إذا لم تتم حلحلة الأزمة الراهنة بعد أن أصبح النزاع المسلح مهددا للأمن والاستقرار في دول عدة، على رأسها إريتريا والصومال وجيبوتي.
وطغت أزمة تيغراي في إثيوبيا على أحداث المنطقة الساخنة بعد أن قلبت الجبهة الشعبية المعادلة العسكرية لصالحها وبدأت قواتها في التمدد إلى إقليم عفر المجاور في خضم اندلاع مواجهات بين إقليمي الصومال وعفر الإثيوبيين نتج عنها قيام بعض المتظاهرين بإغلاق طريق حيوي يربط أديس أبابا بميناء جيبوتي على البحر الأحمر.
ويخشى السودان أن يؤدي اتساع نطاق الانفلات الأمني في إثيوبيا وتزايد عمليات النزوح إلى تحول أراضيه إلى ساحة لانطلاق العمليات العسكرية التي تخوضها قوات تيغراي، لأن عددا من النازحين الذين توافدوا على مدار ثمانية أشهر يحملون السلاح وفروا هاربين حينما سيطرت قوات الحكومة المركزية على ميكيلي عاصمة تيغراي. ويقول متابعون إن نجاح حمدوك في الوساطة يعيد التنسيق بينه وآبي أحمد الذي لعب دورا في هندسة الشكل السياسي الانتقالي في السودان بعد سقوط نظام الرئيس عمر البشير، ويدعم مكانة الأول في قلب السلطة الانتقالية باعتباره الوحيد القادر على تصويب الأمور مع إثيوبيا ونزع فتيلي الحدود وسد النهضة تاليا.
ويعاني إقليم شرق السودان القريب من الحدود الإثيوبية من أوضاع أمنية وسياسية صعبة جراء عدم التوصل لاتفاق نهائي يقضي بتنفيذ بنود مسار الشرق في اتفاق جوبا، وسط تنامي حضور مكونات قبلية محسوبة على نظام الرئيس السابق عمر البشير تتخذ من الإقليم نقطة تنطلق منها لإفشال حكومة حمدوك.
وأكد المحلل السياسي المتخصص في قضايا القرن الأفريقي محمد تورشين أن السودان تقدم بمبادرة وساطة ثانية بعد أن فشلت مبادرته الأولى التي رفضتها أديس أبابا منذ اندلاع الأزمة، مدعومًا هذه المرة من قبل الإدارة الأميركية التي تريد إنهاء الأزمة في إثيوبيا والتمهيد لتسوية أكبر داخل أكثر الأزمات المستعصية في المنطقة.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن آبي أحمد قد يجد نفسه مضطراً للقبول بالوساطة التي لم تتضح معالمها بعد أن بدأ تحالفه مع إريتريا يتفسخ وفشلت عمليات تجييش قومية الأمهرة لمواصلة القتال ضد تيغراي.
وتوقعت مصادر سودانية أن يقوم رئيس الوزراء الإثيوبي بزيارة للخرطوم قريبا قد تسبقها زيارة حمدوك لأديس أبابا يتركز النقاش فيهما حول كيفية إعادة دمج جبهة تحرير تيغراي في الحكومة المركزية ومنحها حضورا فاعلا في المؤسسات الفيدرالية على أن يحظى الإقليم بمكاسب نوعية مقابل وقف العمليات العسكرية.
ويثير تدخل حمدوك في الأزمة أسئلة عديدة في السودان، حيث تعتقد أطراف مناوئة له أن دخوله على خط الوساطة جاء من دون رؤية واضحة، وأن آبي أحمد سيوظف عملية التوصل إلى اتفاق سياسي لإعادة ترميم البيت الإثيوبي وإعادة تشكيل الوعي الجمعي ضد كل من مصر والسودان في أزمتي سد النهضة وأزمة الحدود.
اقرأ المزيد: أحكام بالإعدام لتنفيس الغضب من دور الدعم السريع