لا أحد يراهن على تغيير في إيران بعهد رئيسي

تساؤلات تحوم حول شكل الإدارة الإيرانية تحت قيادة إبراهيم رئيسي في ظل نظام يستحوذ فيه المرشد الأعلى علي خامنئي على الكلمة الفصل في شؤون البلاد.
الأربعاء 2021/08/04
ملفات ثقيلة ستحاصر رئيسي

تبدأ إيران عهدا جديدا يتولى فيه المحافظ المتشدد إبراهيم رئيسي منصب رئيس الجمهورية الإسلامية في ظرفية محلية وخارجية معقدة تضع الرئيس الجديد أمام تحديات اقتصادية وتجاذبات مع الغرب بشأن البرنامج النووي لبلاده.

طهران- أعلن المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي عن تنصيب المحافظ المتشدد إبراهيم رئيسي رئيسا جديدا لإيران، على أن يؤدي الأخير الخميس اليمين الدستورية أمام مجلس الشورى الذي يهمين عليه المحافظون، في خطوة يتبعها بتقديم أسماء مرشحيه للمناصب الوزارية من أجل نيل ثقة النواب على تسميتهم.

ويخلف رئيسي المعتدل حسن روحاني الذي شغل ولايتين متتاليتين في منصب الرئاسة (اعتبارا من العام 2013)، وشهد عهده سياسة انفتاح نسبي على الغرب، كانت أبرز محطاتها إبرام اتفاق فيينا 2015 بشأن البرنامج النووي مع ست قوى كبرى هي الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، الصين، روسيا، وألمانيا.

ونال رئيسي نحو 62 في المئة من الأصوات في الدورة الأولى للانتخابات التي خاضها بغياب أي منافس جدي بعد استبعاد ترشيحات شخصيات بارزة.

ومنذ إعلان فوزه في الانتخابات، كثرت تساؤلات الإيرانيين والمجتمع الدولي حول ماذا بإمكان رئيسي أن يقدم لإيران في ظل نظام يستحوذ فيه المرشد الإيراني الأعلى خامنئي على الكلمة الفصل في شؤون البلاد ويسير استراتيجياتها الداخلية والخارجية.

مهام صعبة

سعيد ليلاز: رئيسي سيعتمد مسارا مختلفا لنهج روحاني المثالي مع الغرب

ستكون معالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية العائدة بشكل أساسي للعقوبات، والتي زادت من تبعاتها جائحة كوفيد – 19، المهمة الأولى لرئيسي الذي رفع خلال انتخابات 2021، كما في 2017 حين خسر أمام روحاني، شعارَيْ الدفاع عن الطبقات المهمّشة ومكافحة الفساد.

ويقول الباحث في المعهد الجامعي الأوروبي في إيطاليا كليمان تيرم، إن هدف رئيسي الأساسي “سيكون تحسين الوضع الاقتصادي من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الجمهورية الإسلامية والدول المجاورة”، عبر “تأسيس نظام اقتصادي يحمي النمو الاقتصادي لإيران، من الخيارات السياسية الأميركية”، ويعزز تبادلاتها مع الجوار وروسيا والصين.

وبالفعل لم يطرح رئيسي خلال حملته الانتخابية برنامجا سياسيا أو اقتصاديا مفصلا بل سعى إلى استمالة الإيرانيين من ذوي الدخل المنخفض بإطلاق الوعود بالتخفيف من مشكلة البطالة، وأطلق وعودا بعدم “تضييع لحظة واحدة” من أجل رفع العقوبات الأميركية، مشيرا إلى دعمه للمحادثات مع القوى العالمية بشأن الاتفاق النووي.

وخلال مراسم تنصيبه، كرّر الرئيس الإيراني الجديد وعوده، لكنه شدّد على أن تحسين الظروف الاقتصادية للجمهورية الإسلامية لن يكون رهن “إرادة الأجانب”.

وقال رئيسي “نحن نسعى بالطبع إلى رفع الحظر (العقوبات) الجائر، لكننا لن نربط ظروف حياة الأمة بإرادة الأجانب”، ورأى أن الوضع الاقتصادي للشعب ملائم، بسبب عدائية الأعداء وأيضا بسبب المشكلات والثغرات في داخل البلاد.

ورغم أن إيران تحتكم أولا وأخيرا لتعليمات المرشد الأعلى إلا أن رئيسي لم يخف في تصريحات متواترة “أملا كبيرا بمستقبل البلاد”، مشددا على أنه “من الممكن والمتاح تخطي الصعوبات والقيود الحالية”.

لكن من المتوقع أن يصطدم أمل رئيسي بمواقف خامنئي الذي له الكلمة الأخيرة في الجيش الإيراني وبرنامج طهران النووي وكذلك إملاءاته وتصوراته للسياسة الخارجية، فيما ستنحصر مهام الرئاسة في الشؤون الداخلية مثل الاقتصاد، ولن تكون سوى وجه شكلي للدولة الإسلامية المتشددة.

في المقابل، من المتوقع أن يتيح تولي رئيسي رئاسة الجمهورية والسلطة التنفيذية، مساحة للتيار السياسي المحافظ لتعزيز نفوذه في هيئات الحكم، بعد الفوز الذي حققه في الانتخابات التشريعية لعام 2020، وبالتالي استمرار الإدارة المتشددة في تأجيج التوترات بالمنطقة من خلال دعم الميليشيات التي تواليها بالمال والسلاح والعتاد العسكري.

مسار مختلف

تجربة حكومة حسن روحاني أثبتت أن "الثقة بالغرب لا تنفع"

ورغم أنه أكد بعد انتخابه أن أولوية سياسته الخارجية هي العلاقات مع دول الجوار، إلا أن نهج رئيسي المتشدد والرافض للمعارضة والرأي المخالف قد يعمق عزلة إيران ويثقل سجلها الحقوقي أكثر، بالإضافة إلى أنه سيكون خاضعا لسلطة خامنئي الذي سيكون لقراراته تأثير على كيفية تفاعل بقية العالم مع إيران.تحوم التساؤلات اليوم حول شكل الإدارة الإيرانية خلال عهد رئيس سابق للقضاء معروف بتشدده ويواجه انتقادات وشكوكا قوية من الغرب بسبب سجله الحقوقي السيء. ويرجع ذلك جزئيا إلى إدارته نظاما قضائيا لا يزال أحد أكبر الجلادين في العالم وتجري محاكمه الثورية العديد من المحاكمات خلف أبواب مغلقة.

كما أن رئيسي الذي أكد سابقا أنه سيدعم المباحثات التي تحقق “نتائج” للشعب، لكنه لن يسمح بـ”مفاوضات لمجرد التفاوض”، قد يضاعف توترات إيران مع الدول الغربية.

وتولى رئيسي منصبه بينما تخوض إيران مع القوى الكبرى، وبمشاركة أميركية غير مباشرة، مباحثات لإحياء الاتفاق النووي من خلال تسوية ترفع العقوبات الأميركية وتعيد واشنطن إليه، في مقابل عودة إيران لالتزام تعهدات نووية تراجعت عن تنفيذها بعد انسحاب واشنطن.

وفي توتر إضافي مع الغرب، تواجه إيران اتهامات من الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل، بالوقوف خلف هجوم طال ناقلة نفط يشغّلها رجل أعمال إسرائيلي في بحر العرب الخميس الماضي، أدى إلى مقتل اثنين من طاقمها.

وبينما أكدت واشنطن أنها “تنسق مع دول المنطقة وخارجها للتوصل إلى رد مناسب ووشيك”، نفت طهران الاتهامات، محذّرة من أنها سترد على أي “مغامرة” بحقها على خلفية هذه المسألة، أكد خامنئي الذي تعود إليه الكلمة الفصل في السياسات العليا للبلاد الأسبوع الماضي، أن تجربة حكومة حسن روحاني أثبتت أن “الثقة بالغرب لا تنفع”، في خطوة ترسم من الآن ملامح عهد رئيسي.

وفي سياق آخر، ينظر إلى رئيسي بين المحافظين على أنه الوحيد القادر على أن يجمع حول شخصه تأييد المحافظين والمحافظين المتشددين “الأصوليين” على اختلافاتهم. لكن رئيسي يدرك أن الحصول على إجماع أو تأييد واسع بين مختلف شرائح المجتمع الإيراني بكل تنوعه، أصعب، خصوصا في ظل الانقسام حول مسائل عدة أهمها الحريات الشخصية.

وفي ظل خيبة أمل من عدم إيفاء عهد روحاني بوعوده على هذا الصعيد، تعهّد رئيسي الدفاع عن “حرية التعبير” و”الحقوق الأساسية لكل المواطنين الإيرانيين” و”الشفافية”. لكنّ وعودا كهذه لا تجد صدى لدى المعتدلين والإصلاحيين الذين يعتبرون أن رئيسي تنقصه الخبرة السياسية.

وكان رئيسي قد شدد خلال حملته الانتخابية على نيته “تشكيل حكومة من الشعب من أجل إيران قوية”، والقضاء على “أوكار الفساد”. وهو يستند في ذلك إلى العمل الذي قام به خلال توليه السلطة القضائية. فقد حصلت في عهده محاكمات كثيرة بحق مسؤولين بارزين على خلفية تهم بالفساد. وطالت الإجراءات قضاة أيضا يشتبه بضلوعهم في ملفات مماثلة، وهو أمر لم يكن معهودا سابقا في إيران.

ويربط معارضون في الخارج ومنظمات حقوقية غير حكومية باستمرار بين رئيسي وحملة الإعدامات التي طالت سجناء ماركسيين ويساريين عام 1988، حين كان يشغل منصب معاون المدعي العام للمحكمة الثورية في طهران. وكان هذا الملف من الأسباب التي أوردتها وزارة الخزانة الأميركية لدى إعلانها فرض عقوبات عليه في 2019.

وردا على أسئلة وجهت إليه عامي 2018 و2020 عن تلك الحقبة، نفى رئيسي ضلوعه في هذه الإعدامات، لكنه أبدى تقديره لـ”الأمر” الذي أصدره الإمام الراحل روح الله الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية، لتنفيذ الإجراءات بحق هؤلاء الموقوفين.

وقدرت منظمة العفو الدولية عدد من تم إعدامهم بحوالي خمسة آلاف، لكنها رجحت في العام 2018 أن يكون العدد الحقيقي أعلى. ولأن إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن متمسكة بتطبيق سياسة حقوق الإنسان، فقد تصطدم بعراقيل كثيرة بسبب حساباتها الإقليمية قبل استمالة إيران للعودة إلى الاتفاق النووي في ظل رئيس لا يعترف بحقوق الإنسان.

تحديات داخلية

إبراهيم رئيسي سعى إلى استمالة الإيرانيين من ذوي الدخل المنخفض
إبراهيم رئيسي سعى إلى استمالة الإيرانيين من ذوي الدخل المنخفض

تضرر الاقتصاد الإيراني منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، وتعاني البلاد من بطالة مرتفعة ومعدلات تضخم تتجاوز الخمسين في المئة. وشهدت إيران خلال عهد الرئيس روحاني، لاسيما شتاء 2017-2018 ونوفمبر 2019، احتجاجات على خلفية اقتصادية، اعتمدت السلطات الشدة في التعامل معها.

كما شهدت محافظة خوزستان (جنوب غرب) احتجاجات خلال يوليو، على خلفية شح المياه. وترافق ذلك مع انقطاعات للكهرباء في طهران ومدن كبرى، تعزوها السلطات لأسباب منها زيادة الطلب ونقص الموارد المائية لتوليد الطاقة.

وغالبا ما وجّه المحافظون المتشددون، الذين يعد رئيسي واحدا منهم، والذين ينظرون بعين الريبة إلى الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا، انتقادات لروحاني على خلفية إفراطه في التعويل على نتائج الاتفاق النووي، وطالبوا مرارا بالتركيز على الجهود المحلية للحدّ من آثار العقوبات.

وفي كلمة خلال الاجتماع الأخير لحكومته الأحد، دافع روحاني عن سجل حكومته، معتبرا أن “ما قمنا به أتى في ظل وضع صعب نتيجة الحرب الاقتصادية (العقوبات) وفايروس كورونا، وهذا العام، أضيف إليهما الجفاف”.

ويرى الاقتصادي الإصلاحي سعيد ليلاز المقرب من الرئيس المنتهية ولايته، أن روحاني كان “مثاليا” في علاقته مع الغرب، واعتقد أنها ستتيح “حل مشكلات البلاد سريعا في الأمد القريب”، مرجحا أن يعتمد رئيسي مسارا مختلفا.

تحوم التساؤلات حول شكل الإدارة الإيرانية خلال عهد رئيس سابق للقضاء معروف بتشدده ويواجه انتقادات وشكوكا قوية من الغرب بسبب سجله الحقوقي السيء

ويرى ليلاز أن “مصير الاتفاق النووي” هو من العوامل المؤثرة في حل الأزمة الاقتصادية، معتبرا أن “عدم اليقين” الراهن حيال هذا الملف “مضرّ، وسيكون أشد ضررا في حال أعلنت إيران أنها لن تفاوض وتاليا ستبقى العقوبات”.

وتشير دراسات إلى أن فشل جهود العودة إلى شروط اتفاق 2015، قد يحدث أضرارا أكثر حدة على الاقتصاد الإيراني، وفي حال شهد اقتصاد البلاد تعافيا طفيفا فإن ذلك لن يحد من مشكلة البطالة التي تحوم حول 20 في المئة، ومن المرجح أن تظل البطالة في خانة العشرات وألا يزيد نمو الاقتصاد على 1.8 في المئة هذا العام.

6