وسائل الإعلام اليمنية تفتقد للمهنية في التعامل مع الوباء

يجمع صحافيون ومتابعون للإعلام اليمني أن المشهد العام خلال وباء كورونا يفتقد للمهنية، فالمنابر التابعة للحوثيين تنتهج التكتم والتضليل وتجارة الوباء، بينما المنصات التابعة للحكومة الشرعية فقيرة المعلومات خجولة الطرح، فيما الصحافيون محاصرون ومهددون لا يجرؤون على تجاوز المحظورات المفروضة عليهم في التعاطي مع القضية.
صنعاء - تتجلى تأثيرات الصراع السياسي على الإعلام اليمني بتعاطيه مع أزمة وباء كورونا، فبعد عام ونصف العام على بداية الجائحة ما يزال التضليل والأخبار الكاذبة إلى جانب غياب المعلومات والبيانات الصحيحة أزمة مرافقة للوباء تجتاح المؤسسات الإعلامية اليمنية بمختلف أطيافها.
وتعاملت وسائل الإعلام اليمنية مع أزمة تفشي فايروس كورونا، بنفس الطريقة التي تعاطت بها مع الأزمة السياسية في البلاد والصراع العسكري، من حيث التغطية المنتقاة، والمعلومات الشحيحة، وتوجيه الاتهامات المتبادلة بتحميل كل طرف للآخر مسؤولية تفشي الفايروس، فيما انتهجت وسائل إعلام أخرى سياسة التهويل وإثارة الذعر، بعيدًا عن نقل الواقع كما هو، ودون الأخذ بالقيم المهنية في مثل هكذا أزمات.
ويصف متابعون للإعلام اليمني المشهد العام خلال وباء كورونا بأنه يفتقد للمهنية، فجميع المنصات اليمنية موجهة بما يخدم سياسة الجهة التي تتبع لها، فالمنابر التابعة لجماعة الحوثي تنتهج التكتم والتضليل وتجارة الوباء، بينما المنصات التابعة للحكومة الشرعية فقيرة المعلومات خجولة الطرح.
وقام الحوثيون في صنعاء بحجب المعلومات الحقيقية التي تصف الوضع الصحي في مناطق سيطرتها. وأعاقوا حصول الصحافيين على المعلومات الدقيقة التي توصف الجائحة وتقيس مدى انتشارها وخطورتها، واعتبرت هذه القضايا جزءا من الأمن القومي يحظر المساس بها.
أما في عدن تلقى صحافيون تهديدات شخصية بسبب نقلهم لمعلومات تتعلق بانتشار فايروس كورونا، ورغم تشكيل لجنة عليا من مهامها الإفصاح عن حالات الإصابة وحالات الوفاة في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية، إلا أن الصحافيين ظلوا مقيدين حيال تغطية انتشار العدوى ولاقت الأرقام التي أعلنتها اللجنة تشكيكا متواصلا في صحتها.
وتحدث صحافيون ومدونون يمنيون عن تعرضهم لمضايقات وتهديدات من قبل أطراف تابعة للسلطات الحاكمة بسبب تناولهم لموضوع كوفيد – 19.
وتظهر الشكاوي أن المضايقات عادة ما تكون بشكل مباشر عن طريق بعض الشخصيات التابعة للسلطات أو من خلال التهديد الضمني في وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال صحافي يعمل في محافظة ذمار وفضل عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، “الصحافيون أمام خيارين، إما الرضوخ لسياسة التكتم والاكتفاء بما يصدر من تصريحات متواضعة صادرة عن وزارة الصحة العامة والسكان واللجان المشكلة ومنظمة الصحة العالمية، أو البحث عن المشكلة وأبعادها، لكن الخيار الأخير تسبب في أحداث مشاكل أمنية ونفسية”.
وأضاف أن السلطات فرضت رقابة شديدة وقيود أمنية على كل من كتب أو تناول قضايا متعلقة بفايروس كورونا وأنهم يعتبرون موضوع جائحة كورونا موضوعا أمنيا وأنه من اختصاص المؤسسات الأمنية.
وأشار إلى أنه توقف عن العمل بعد تلقيه مكالمة هاتفية من قبل أحد المشرفين التابعين للحوثيين، أخبره فيها بالكف عن النشر حول فايروس كورونا.
وأشارت منظمة مراسلون بلا حدود، في تصنيفها العالمي لحرية الصحافة تحت عنوان “التصنيف في زمن كورونا” إلى وجود علاقة بين قمع حرية الصحافة في سياق وباء فايروس كورونا وموقع الدول على جدول الترتيب”.
ومثلت جائحة كورونا فرصة للدول الأسوأ مرتبة من أجل تكثيف إجراءاتها القمعية وهجماتها على الصحافة أو حتى لفرض تدابير من المستحيل اعتمادها في سائر الأوقات.
وقال نبيل الأسيدي عضو مجلس نقابة الصحافيين اليمنيين إن النقابة تلقت عددا من الشكاوى لصحافيين تعرضوا للتهديد والمنع من قبل السلطات في اليمن لأسباب تتعلق بتغطيتهم للجائحة.
وأضاف “السلطات في اليمن كانت وباء على الإعلام والصحافيين خلال الجائحة، وحالة المنع والمضايقات تسببت في زيادة الوباء وبالتالي ارتكبت السلطات جريمة في هذا السياق”.

وحاولت بعض المنظمات والهيئات المعنية بالصحافة في اليمن التصدي لهذا الوضع وتدريب الصحافيين على التعامل بمهنية، فأعد مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي دليل التغطية الصحافية الجيدة لفايروس كورونا في اليمن، كوثيقة معرفية ومنهجية لتطوير مهارات الصحافيين اليمنيين في مجال التغطية الصحافية الجيدة للأمراض والأوبئة، وبخاصة جائحة كوفيد – 19. ولخّص الدليل أهم القواعد المهنية في التغطية حول فايروس كورونا.
وقال مدير البرامج بالمركز، حمدي رسام “كان هناك لغط لدى الكثير من الصحافيين في استخدام المصطلحات المتعلقة بكورونا، وهناك ممارسات صحافية لم تراعِ المبادئ، والأخلاقيات الصحافية في تناول موضوع كجائحة كوفيد – 19، فكان الدليل استجابة لردم هذه الفجوة الموجودة لدى الكثير من الصحافيين والناشطين في اليمن، وهو خلاصة لتجارب العديد من الصحافيين من مختلف دول العالم”.
وعمل رسام أيضًا على تصميم قاعدة بيانات تفاعلية تضم إحصائيات المصابين على مستوى البلاد، معتمدًا في ذلك على المعلومات المقدّمة من الجهات الرسمية.
ونوّه إلى أن الهدف “في البداية كان البحث عن جهة توفر إحصائيات شاملة، لكني لم أجد، فقررت تصميم قاعدة بيانات شاملة للمحافظات اليمنية، وتُحدَّث بشكل يومي، وهي تفاعلية، وفي متناول الجميع، للاطلاع على البيانات، سواء على المستوى العام أو على مستوى المحافظات”.
كما نظمت القرية الإعلامية للتنمية والمعلومات، حملة “الصحافة مسؤولية” على منصات التواصل الاجتماعي، للتعريف بممارسات التغطية الصحافية الجيدة والمسؤولة لجائحة كورونا.
وشارك فيها عدد من الصحافيين في إطار فيديوهات قصيرة وبوسترات رقمية، كمُوجهات وإرشادات تخص التغطية الجيدة والمسؤولة للفايروس.
وقال بسام غبر رئيس القرية الإعلامية، إن الحملة تعد رسالة تعبّر عن تكاتف الوسط الصحافي في الامتثال لأخلاقيات المهنة في تغطية جائحة كورونا، مشيرًا إلى أن المشاركين والمشاركات من وسائل إعلامية مختلفة على امتداد البلاد.
وبحسب غبر، فإن الحملة ركزت في مضمونها على المحتوى والألفاظ، المعلومات والمصادر، التصوير وإجراء المقابلات، والسلامة المهنية للصحافيين.
واعتبر أن فوضى المعلومات أنتجت تخبطا في التناول الإعلامي لدى الصحافيين في البداية، لكن ذلك لم يعد قائمًا بالقدر الذي كان عليه.
وبالنسبة له، فوسائل الإعلام اليمنية متباينة في تعاطيها مع الأزمة، هناك من التزم، وهناك من لم يلتزم بالقيم الصحافية، والمشكلة الراهنة تكمن في ما تقوم به وسائل التواصل الاجتماعي من ضخ رسائل سلبية، وتضليل معلوماتي، جعلها تقود الرأي العام بشكل غير مقبول.
وترى فئة أخرى أن القنوات التلفزيونية والإذاعات المختلفة، والصحف تصدر في ظروف استثنائية، إضافة للعشرات من المواقع الإخبارية الإلكترونية التي باتت نسخة مكررة من الحالة العامة، ولا تزيد الوضع إلا تعقيدًا، بعيدًا عن الاهتمامات الراهنة، والقضايا التي تشغل الرأي العام.
لذلك يبدو الإعلام اليمني بعيدا عن القضايا والموضوعات والمشكلات التي تهم الجمهور، ولم ينجح في الانحياز إلى الجمهور في هذه الأزمة. إضافة إلى أن القمع الذي يواجهه الإعلام يجعل من الصعب عليه ممارسة وظيفته إزاء الجائحة والتي لا تقتصر على التوعية فقط، بل تتعداها إلى مساءلة كل الجهات المعنية، وفي مقدمتها السلطة على اختلاف مستوياتها، عن مدى قيامها بواجبها إزاء حماية أرواح الناس، والحفاظ على حياتهم.