مصر بحاجة لإعلام يخاطب العالم بلغته ولا يتحدث مع نفسه

تتناول الإعلامية المصرية جيهان منصور في حوارها مع “العرب” أبرز نقاط القوة والضعف في الإعلام المصري، مؤكدة أن مصر في حاجة ملحة إلى منبر إعلامي بالإنجليزية يخاطب الغرب بطريقة عصرية تتناسب مع التطورات العالمية في الإعلام.
القاهرة - تتعالى الأصوات يوما بعد آخر بضرورة أن تكون هناك فضائية مصرية ناطقة باللغة الإنجليزية تخاطب العالم وسط تصاعد وتيرة التحديات الإقليمية والدولية التي تواجهها الدولة المصرية.
وتجمع غالبية الآراء على حاجة القاهرة إلى توصيل صوتها بعيدا عن الكم الهائل من المنابر المحلية قليلة المصداقية التي لم تستطع إقناع المواطن، ولا أقنعت العالم بحقيقة ما يجري على الأرض من تطوّرات تنموية.
وما زالت التساؤلات تطرح حول الأسباب التي تقف وراء توقف إنشاء فضائية “الحياة” الناطقة بالإنجليزية التي كان من المخطط إطلاقها قبل ثلاث سنوات بإشراف الإعلامية جيهان منصور التي عادت من الولايات المتحدة لتقوم بالإعداد والتجهيز ووضع السياسة الخاصة بالمحطة، وبعد شهور توقف المشروع وتم نسف الفكرة دون مبرّرات.
وقالت منصور إن فكرة إنشاء محطة “الحياة” الإنجليزية كانت رائعة، وتزامنت مع تصاعد الحرب الإعلامية ضد الدولة المصرية من منابر معادية، مثل القنوات التي تبث من تركيا وقطر.
وأضافت منصور في حوار مع “العرب”، “بعد عودتي إلى القاهرة ورسم الخطوط العريضة للمشروع وتوضيح مزاياه الكبيرة فوجئت بأنه بلا ميزانية للتنفيذ وتم إجهاضه كليّا، ولم تفصح أيّ جهة عن أسباب وقفه”.
ورأت منصور أن مصر في حاجة ملحة إلى أن يكون لديها منبرها الإعلامي بالإنجليزية ليخاطب الغرب بطريقة عصرية تتناسب مع التطورات العالمية في الإعلام، فهناك بلدان في الإقليم لديها نفس المشروع وحقق لها نجاحات سياسية وخدم توجّهاتها، موضحة “ليس معقولا مخاطبة العالم بلغتك أنت”.
غياب أثناء الحضور
ما يثير ضيق منصور أنه في ذروة الخلاف بين مصر وإثيوبيا حول أزمة سد النهضة ودخول الإعلام طرفا أن أديس أبابا لديها منابر إعلامية ناطقة باللغتين الإنجليزية والفرنسية ونجحت نسبيا في إقناع العالم بوجهة نظرها في مسألة السد، لأنها قدمت للمواطن والسياسي الغربيين رؤيتها باللغة التي يفهمها العالم.
وما زالت معضلة الإعلام في مصر أنه يخاطب نفسه ويهتم بالاصطفاف خلف الحكومة والترويج لإنجازاتها باللغة المحلية، وعندما يتبنى وجهة نظر الدولة ويدافع عن حقوقها المشروعة لا يستطيع مجاراة المنابر الخارجية، وإذا شعر بعدم القدرة على الرد يلجأ إلى إقناع المشاهد بأن ما يحدث ضد مصر مؤامرة.
ويُدرك أغلب العاملين في مجال الإعلام أن الدولة ليست لديها أزمة تمويل لتقوم بإطلاق قناة إخبارية دولية، وتمتلك من الخبرات والكفاءات الإعلامية ما يؤهلها لصناعة منتج قوي مؤثر، لكن المشكلة ما زالت في الإرادة وغياب الرؤية والاعتماد على وجوه مكررة في الإدارة والشاشة، احتكروا كل شيء منذ سنوات دون فلترة.
وأكدت جيهان منصور أن عددا من القنوات العربية الكبرى استفاد من خبرات إعلامية مصرية، وهو ما يطرح تساؤلات كثيرة عن التردد في إطلاق فضائيات تتبنى صوت مصر وتدافع عن حقوقها وسياساتها وتقوم بمساندة الخطاب الدبلوماسي لها، مع أن ذلك ليس بالأمر الصعب، حيث يتطلب فقط رؤية واضحة، والإجابة على سؤال: ما المطلوب من الإعلام؟
بدأت رحلة جيهان منصور مع الإعلام حين كانت مذيعة الأخبار في التلفزيون المصري، وانتقلت بعدها إلى قناة “العربية” لتقدم برامج خاصة بالصحافة العربية والدولية، وعملت بفضائية “الحرة” الأميركية بواشنطن كمذيعة أخبار رئيسية، وأسندت إليها إدارة مكتب قناة “روسيا اليوم” في واشنطن، والتحقت للعمل بمحطة “إي.آر.تي” أميركا، ولها برامج لا ينساها الجمهور في قنوات “دريم” و”التحرير” و”النهار” و”الحياة” المصرية.
وقالت منصور لـ”العرب”، “صوت أميركا موجود منذ سنوات باللغتين العربية والإنجليزية، وهناك شبكة بي.بي.سي البريطانية، ولو كانت أميركا أو بريطانيا تدركان عدم أهمية إطلاق منابر إعلامية بالعربية لما فعلتا ذلك، واتجهتا لإطلاق المنبرين لإدراكهما حتمية مخاطبة المواطن العربي، مع أنهما من الدول الصانعة للقرار الدولي، لكن تفهمان جيدا تلك الأهمية القصوى”.
تدوير الوجوه والملكية
لم تستطع الحكومات المصرية المتعاقبة وضع استراتيجية إعلامية واضحة ومحددة الملامح طوال السنوات الماضية، واستمر الحال القائم دون تغيير، فقط يحدث تدوير للوجوه بين القنوات وانتقال الملكية من جهة إلى أخرى، لكن بقيت نفس العقلية على مستوى الإدارة والسياسة التحريرية حتى غرق الإعلام في متاهة.
وعانت مصر سنوات لإقناع العالم برؤيتها وسياستها الخاصة بإنهاء الصراع في البلدان المحيطة والدفاع عن مصالحها وأنها تواجه خطر الإرهاب، وكان غياب الإعلام المؤثر الفعال جزءا أصيلا من الأزمة بعدما ركزت أغلب المنابر على مخاطبة المواطن المحلي الذي لم يعد يصدّق بعض الوجوه التي فقدت المصداقية.

الإعلام المصري مؤهل ليكون مؤثرا شريطة التعامل بواقعية مع متطلبات المهنة، فليس معقولا أن تبحث عن دور ونفوذ وأنت تخاطب نفسك
وترى منصور أن المعضلة تكمن في الاهتمام بالمردود المادي من منطق اقتصادي مع أن الكثير من القنوات الناطقة بالعربية لا تهتم بالنواحي المالية بقدر ما تبحث عن وجود قوي على الساحة، لأن القناعات الدولية التي تجنيها قناة قوية للدولة لا تقدر بالمال.
وتطرقت منصور لمسألة الإمكانيات المادية التي تحتاجها فضائية كبرى وسط الأزمات الاقتصادية، قائلة “للأسف مصر لديها المال، لكن ينقصها ترتيب إنفاقه على الإعلام، وتوفير تكلفة مجموعة مسلسلات درامية قد يكون كفيلا بإطلاق قناة ضخمة بإمكانيات هائلة توجه للغرب مع إصلاح المحطات الموجودة لتكون مؤثرة محليا”.
تبدو كُبرى أزمات الإعلام المصري في غياب الرؤية الواقعية لإصلاحه والاعتماد على وجوه صارت منبوذة جماهيريا، ويعتقد خبراء المهنة أن الحل بسيط وسهل بإسناد المهمة إلى متخصصين.
ولأن كل هذه المشكلات ما زالت موجودة فقد أصبح الجمهور أمام ثلاثة خيارات، أولها الاعتماد على منصات التواصل للحصول على المعلومة، والثاني مشاهدة قنوات خارجية تُوحي للناس بأنها مهنية ومتوازنة وتنقل وجهة النظر الإيجابية والسلبية مع أن رسائلها مسمومة، والثالث مقاطعة الإعلام المحلي أو متابعته على استحياء.
ولفتت جيهان منصور إلى أن المشكلة ليست في الرسالة الإعلامية ولا مضمونها، لكن طريقة توصيلها إلى الناس، فكيف أقنع المشاهد بأن الحكومة تفعل شيئا إيجابيا، هذه حرفة، لكنّ المعضلة أنه يتم نقل الرسالة بطريقة مستفزة، وبعض الإعلاميين يتعالون على الجمهور لذلك صارت العلاقة بين الشارع وبعض البرامج على المحك لغياب المذيع الدبلوماسي عن الشاشة.
وترتب عن هذا الوضع أنه أصبحت لدى الحكومة مشكلة حقيقية في مخاطبة الناس مع أنها تقوم بإنجازات كبيرة في ملفات حيوية ومحورية لدى الشارع، لكن الوسيط الإعلامي فاقد للمصداقية والمهنية ما استدعى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أن يخرج على الناس من حين إلى آخر ليؤدي دور الإعلام في مخاطبة الجمهور بالحقائق ويعرض المشكلات ويمتص الغضب.
إعلام الرئيس
حول الإعلام الذي يريده السيسي، أكدت منصور، أنه يرغب في منابر تعكس الصورة الحقيقية للدولة بإنجازاتها ومشاكلها وتحدياتها، وليس تجميل الصورة فقط، ويرفض أن يكون في مصر إعلام يمشي تحت الأرض، قل ما شئت بتوازن وموضوعية واحترافية دون إثارة أو إشاعات وأخبار مغلوطة.
ويشتكي بعض الإعلاميين في الغرف المغلقة من ضيق انخفاض سقف الحريات مع أنه يمكن تبنّي وجهات نظر الشارع بطريقة هادئة ومرنة ومتزنة دون تهويل، مع الاستعانة بمسؤولين للرد عليها، غير أن المعضلة في تحول الكثير من البرامج إلى جلسات فضفضة وتصدير وجهات نظر شخصية.
وحول أزمة البرامج التلفزيونية قالت جيهان منصور: “الإعلام المصري يعاني من أزمة ركوب الترند لدى بعض الوجوه، وهذه كارثة حقيقية، فالمذيع دوره أن يصنع الانفراد لا أن تحركه منصات التواصل، وتصبح المنابر كلها نسخة من بعضها ولو وجد الناس أنفسهم في الإعلام لما هجروه وذهبوا إلى الشبكات الاجتماعية للتعبير عن أوجاعهم وتوصيل رسائلهم”.
وتابعت “أتمنى أن يُدرك القائمون على صناعة الإعلام في مصر أن الإعلان ليس مقياسا لنجاح المنبر أو البرنامج، بل المصداقية والمهنية والمحتوى والموضوعية، وهذه مسؤولية مشتركة بين مقدمي البرامج والعقليات التي تدير القنوات، فهناك اختيارات على الشاشات لم تكن الأفضل ومصر لديها كفاءات في كل التخصصات الإعلامية، لكن أغلبهم يجلسون في البيوت”.
وأكدت لـ”العرب” أن “الإعلام المصري مؤهل ليكون مؤثرا شريطة التعامل بواقعية مع متطلبات المهنة، فليس معقولا أن تبحث عن دور ونفوذ وأنت تخاطب نفسك، وليس مقبولا أن تكون لديك إمكانيات ولا تستغلها، وليس منطقيا أن تحارب الإعلام المعادي وأنت تستعين بمقاطع من برامجه لتظهر كيف يعاديك ويتحدث عنك”.