المغتربون الأردنيون رافد اقتصادي مغيّب سياسيا

 تمكين المغتربين من المشاركة في الاقتراع مقياس لجدية الإصلاحات.
الأربعاء 2021/07/14
المغتربون: التصويت حق لكل مواطن

فتحت العملية الإصلاحية الجارية في الأردن باب الأمل بالنسبة إلى الآلاف من المغتربين لتمكينهم من أبسط حقوقهم السياسية، بعد عقود طويلة من التهميش. وتضغط الجالية الأردنية اليوم على لجنة تحديث المنظومة السياسية لتضمين بند في قانون الانتخاب الجديد ينص على حقهم في ممارسة دورهم الانتخابي.

عمان - يأمل المغتربون الذين يشكلون نحو 10 في المئة من النسيج المجتمعي الأردني في أن تأخذ اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية في الاعتبار حقهم في المشاركة في العملية الانتخابية، خلال إعدادها لقانون انتخابي جديد.

ولطالما انتقد المغتربون عملية تهميشهم ومصادرة أبسط حقوقهم السياسية كالمشاركة في عملية الاقتراع، رغم أنهم يمثلون أحد روافد الاقتصاد الأردني سواء من خلال التحويلات أو المشاريع المقامة داخل المملكة.

ووسعت اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية في الأردن مؤخرا من دائرة نقاشاتها لوضع تصور جديد بشأن قانون انتخابي عصري يقطع مع القوانين السابقة التي أنتجت مجالس نيابية هشة وضعيفة، أدت إلى تغول السلطة التنفيذية.

وكان العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أصدر أمرا بتشكيل هذه اللجنة في يونيو الماضي، وتتركز أهدافها على وضع قانوني أحزاب وانتخابات جديدين، لخلق ديناميكية على مستوى الفعل السياسي داخل المملكة، في استجابة لمطالب شرائح واسعة داخل المجتمع الأردني، تنشد التغيير.

وبدأت اللجنة في جس نبض الفعاليات المجتمعية والسياسية غير الممثلة داخلها، بشأن شكل النظام الانتخابي المقبل، بيد أنها إلى الآن لم تظهر أي نية لإشراك الجالية الأردنية، رغم إثارة بعض الأصوات في داخلها لهذا الموضوع، على غرار العضو محمد صقر.

وقال صقر خلال مداخلة له في اللجنة إنه “لم يعد من اللائق أن تبقى شرائح المغتربين خارج صناديق الاقتراع”، مطالبا بتوفير ضمانات تسمح لهم بالمشاركة في الانتخابات المقبلة ترشيحا واقتراعا.

واعتبر أن تمكين المغترب الأردني من المشاركة السياسية في بلاده قرار يتطلب الجرأة دون تعقيدات حيث أنه يضاعف المكاسب الاقتصادية والاجتماعية والاستثمارية فضلا عن كون المغتربين يمثلون احتياطا استراتيجيا بالنسبة إلى المملكة.

المغتربون الأردنيون في معظمهم متحررون من القيود المناطقية والعشائرية التي تسطر العملية الانتخابية داخل المملكة

ويقدر عدد المغتربين الأردنيين حسب إحصائيات رسمية بأكثر من مليون شخص موزعين على حوالي 70 دولة. ويوجد 79.5 في المئة منهم في دول الخليج العربي و11 في المئة في الولايات المتحدة وكندا و4.3 في المئة في أوروبا، فيما البقية موزعون على الدول الأخرى.

وحرم المغتربون الأردنيون من المشاركة في الاقتراع منذ “التحول الديمقراطي” في العام 1989، وشهدت السنوات الماضية تصاعد الجدل بشأن أحقية المغترب في التصويت بيد أن جهات داخل الدولة أبدت تحفظا على المسألة بذرائع مختلفة من بينها أن هذه العملية مكلفة جدا، وأن هناك صعوبات لوجستية في علاقة بوجود الأردنيين في 173 دولة في حين أن للمملكة سفارات في 52 دولة فقط حول العالم.

وهناك من ذهب في تبرير عدم تمكين المغتربين من حقهم في الانتخاب بأن اختيار الدول التي توضع فيها صناديق انتخابات قد يكون مدخلا لأزمات دبلوماسية بتوجيه التهم للحكومة بأنها اختارت هذه الدولة واستثنت الأخرى.

وينظر كثيرون إلى هذه التبريرات بأنها مفتعلة وغير مقنعة، وأن الموقف الرسمي المتحفظ على مشاركة المغتربين هو سياسي بامتياز في علاقة بتوجهات الكتلة الأكبر من هؤلاء، التي لا تصب في صالح المؤسسة الرسمية وما تريده.

ويشير مراقبون إلى أن المغتربين الأردنيين كما غيرهم متحررون بشكل كبير من القيود المناطقية والعشائرية التي تسطر العملية الانتخابية، وأن أصوات معظمهم ستكون متجهة لصالح رؤى وبرامج وليس لارتباطات ضيقة، وهذه أحد الأسباب التي تجعل البعض في سلطة القرار غير متحمسين لمشاركتهم في الحياة السياسية.

ويرى الكثير من المغتربين أن الفرصة مواتية حاليا لتصويب أوضاعهم وتمكينهم من حقوقهم السياسية وأبسطها اختيار ممثليهم في الانتخابات التشريعية، وقد بدأ البعض منهم يتحرك اليوم ويضغط بهذا الشأن.

Thumbnail

وطالبت جمعية سيدات ورجال الأعمال الأردنيين المغتربين بأن يشمل قانون الانتخابات الجديد تعديلا يسمح للمغتربين بالاقتراع والمشاركة في العملية الانتخابية من دول الاغتراب.

وقالت الجمعية في رسالة وجهتها لرئيس اللجنة الملكية سمير زيد الرفاعي “إن قانون الانتخاب أحد أبرز محاور المنظومة السياسية، وإضافة إلى الدور المحوري الذي يلعبه المغتربون الأردنيون من الناحية الاقتصادية فإن المغتربين الأردنيين قد يلعبون دورا سياسيا كبيرا سيشكل إضافة نوعية لمسيرة الوطن وإنجازاته إذا ما احتوى القانون الجديد تعديلا يسمح بالتصويت في بلدان الاغتراب”.

وأوضح رئيس مجلس إدارة الجمعية فادي المجالي أن مباشرة المغتربين الأردنيين لحقهم بالانتخاب ستندرج في إطار تمكينهم من مباشرة أحد حقوقهم الدستورية ليعزز لديهم الإحساس بالمواطنة وتحمل مسؤولياتهم تجاه الوطن.

وأكد المجالي أن التجارب التي عاشها المغترب الأردني على امتداد عقود من الزمن واطلاعه على تجارب دول مختلفة واختلاطه بثقافات عديدة قد عززت لديه ثقافة الإنتاج واختيار الأفضل والأنسب بغض النظر عن الأسماء وصلات القربى، وهذا ما سيدفع المغترب الأردني في الغالب للانتخاب على أساس الكفاءة والبرامج، الأمر الذي سينعكس حتما على مخرجات المجلس ونوعية النواب.

وأضاف “وبالنظر إلى أعداد المغتربين التي تجاوزت حوالي مليون ومئتي ألف مغترب وعند قياس هذا العدد بمجموع أعداد من يحق لهم الانتخاب، فإننا سنحصل على نتيجة تزيد على العشرة في المئة من التغير في مخرجات العملية الانتخابية وهي نسبة جيدة في إطار السعي للوصول إلى نواب أمة ينتخبون على أساس الكفاءة والمصلحة وليس على أساس صلة الدم والقربى”.

وشدد المجالي على أن السماح للمغتربين الأردنيين بممارسة حقهم الدستوري بالانتخاب سيحد من تفاقم مشكلة انخفاض نسبة التصويت والاضطرار دائما لتمديد فتراتها، وهي مشكلة عانت منها الحكومات التي تعاقبت على إدارة العملية الانتخابية.

وشهدت الانتخابات السابقة التي جرت في نوفمبر الماضي عزوفا كبيرا من قبل الناخبين البعض يعزوه لتأثيرات جائحة كورونا، فيما يؤكد النشطاء بأن السبب الأساسي هو فقدان الثقة في أن تفرز صناديق الاقتراع أي تغيير، حيث أن طبقة العشائر والمسؤولين السابقين سيبقون الكتلة المهيمنة، بغض النظر عن المشاركة.

ويرى متابعون أن مسألة تمكين المغتربين من حقهم في التصويت ستكون أحد المقاييس لمدى جدية السلطة في السير قدما في تحقيق الإصلاح السياسي المنشود.

2