الحبيب المالكي قيادي يساري مرونته السياسية ترفع من أسهمه لدى الجميع

القانون وحده لا يكفي اليوم لتحصين الديمقراطية التمثيلية ودعم أسسها وتعبيراتها، وفقاً للمالكي، فلا بد من إرادة وطنية تأخذ بالاعتبار كافة العناصر ذات الصلة بالسياسة والثقافة والتاريخ والمجتمع.
الثلاثاء 2021/07/13
رئيس مجلس النواب المغربي الذي يؤمن بالتحولات التاريخية

مع اقتراب الاستحقاقات التشريعية بالمغرب في الخريف المقبل يتساءل المراقبون؛ هل سيبقى الحبيب المالكي عضوا في البرلمان المقبل كشخصية محورية داخل النسق الحزبي والسياسي المغربي الحالي أم سيغادر؟ سؤال يدفع إلى النظر بتمعّن في شخصية هذا السياسي اليساري الذي مر على وجوده على رأس مجلس النواب 5 سنوات تقريبا.

قيل إنه جاء بصفقة ما رغم أن حزبه الاتحاد الاشتراكي لا يتوفر إلا على 20 مقعدا في المجلس في انتخابات العام 2016، بعدما أحجم حزب العدالة والتنمية عن تقديم مرشحه للمنصب رغم أنه الفائز بالأغلبية النيابية، بينما يؤكد البعض أن الرجل يستحق منصبه فهو الخبير الاقتصادي الذي استغل معادلات الإحصائيات والاقتصاد السياسي كي يفلت من مقاصل الحزب وأزماته ويبقى محافظا على مكانته وامتيازاته داخل الحزب والدولة.

وبالنسبة إلى المالكي، القيادي بحزب الاتحاد الاشتراكي، القانون وحده لا يكفي اليوم لتحصين الديمقراطية التمثيلية ودعم أسسها وتعبيراتها، فلا بد من إرادة وطنية تأخذ بالاعتبار كافة العناصر ذات الصلة بالسياسة والثقافة والتاريخ والمجتمع، وحرص العاهل المغربي الملك محمد السادس ومختلف السلطات والمكونات السياسية على انتظام العمليات الانتخابية يُوازيه الحرصُ الجماعي على شفافيتها، وإجرائها في إطار يكفلُ مصداقيتَها ونزاهتَها وتكافؤَ فُرَصِ القوى السياسية المتنافسة فيها.

مستقبل المنطقة المغاربية التي لا تزال تعاني من ضعف الاندماج الاقتصادي في حاجة إلى التنمية المستدامة، حسب رؤية المالكي، وهي لا يمكن أن تتحقق دون ضمان الأمن والاستقرار، وعلى أساس صيانة الوحدة الترابية للدول
مستقبل المنطقة المغاربية التي لا تزال تعاني من ضعف الاندماج الاقتصادي في حاجة إلى التنمية المستدامة، حسب رؤية المالكي، وهي لا يمكن أن تتحقق دون ضمان الأمن والاستقرار، وعلى أساس صيانة الوحدة الترابية للدول

رجل الحوار

ابتعاده عن الصدام والمشاحنة كان سببا في تصنيفه ضمن السياسيين الباردين في مواقفهم المفضلين لغة الخشب في التواصل والتعاطي مع القضايا الخلافية، عكس ما يقوله مقربون من المالكي من أنه كثير الإنصات قليل الكلام، وهذا ديدن رجال الدولة الكبار ما أهله ليكون واسطة بين قيادات حزبه والسلطة السياسية عندما تصل الأمور إلى الباب المسدود.

تقوم فلسفته في التدبير السياسي على أهمية تدبير الخلافات بالحوار الهادف كرافعة لمناعةِ الوطن والحفاظ على تَمَيُّزِهِ وقوته وتقدمه، فلسفة أهلت المالكي ليكون على وفاق مع السلطة السياسية قبل أن تنضج شروط ما سمي في الأدبيات السياسية بالمغرب بالتناوب التوافقي، كتجربة سياسية دخلت خلالها المعارضة ممثلة في حزب الاتحاد الاشتراكي والاستقلال والتقدم والاشتراكية غمار التدبير الحكومي بين عامي 1998 و2002، وحين تم الكشف عن أن الملك الراحل الحسن الثاني كان قد بدأ اتصالاته مع عبدالرحمن اليوسفي منذ 1992، قبل أن يكون رئيس حكومة التناوب بست سنوات، استطاع هذا السياسي أن يكون قناة تواصل قبل وبعد المشاركة في التجربة الحكومية وإنهاء صراع دام لعقود طويلة بين اليسار والسلطة السياسية.

حتى مع محاولة إسبانيا تسميم علاقات المغرب بدول الاتحاد الأوروبي على خلفية الأزمة بين الرباط ومدريد إثر إدخال الأخيرة زعيم بوليساريو خفية إلى التراب الإسباني، رأى المالكي أنه لا بد من ردود منسقة على الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، بما في ذلك سياسة الجوار الأوروبي، والقضايا الأمنية، وقضايا الهجرة والتنمية البشرية ومكافحة الإرهاب، والتعاون الاقتصادي والتجاري والعلاقة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب والاتحاد الأفريقي، داعيا إلى الحفاظ على هذه الشراكة وتطويرها بأبعادها المختلفة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية.

فلسفته في التدبير السياسي تقوم على أهمية تدبير التباينات بالحوار، كرافعة لمناعةِ الوطن والحفاظ على تَمَيُّزِهِ وقوته وتقدمه، فلسفة أهلت المالكي ليكون على وفاق مع السلطة السياسية قبل أن تنضج شروط ما سمي في الأدبيات السياسية بالمغرب بالتناوب التوافقي

ولعل البيئة التي ولد ونشأ فيها أثرت عميقاً في شخصيته، فجعلته مبتسما أكثر منه متجهما، يغلب صمته اندفاعه، وتكون مثابرته سببا في جبر الخواطر ورتق ما فتقته مصالح السياسة، فليحتل الرجل طويل القامة ذو الـ75 سنة المنصب الثالث دستوريا في هرم الدولة المغربية، متشبعاً بنفحة صوفية قادمة من مسقط رأسه بلدة أبي الجعد المعروفة ببعدها الصوفي والتي تأسست في القرن العاشر الهجري على يد الولي الصالح سيدي محمد الشرقي مؤسس الزاوية الشرقاوية.

مكانته السياسية والحكومية وبرغماتيته وصفاته التوافقية مكّنت المالكي من أن يحتل مناصب هامة حكوميا ومؤسساتيا، فقبل التفكير في صيغة تدخل المعارضة وبالأخص الاتحاد الاشتراكي إلى تدبير الشأن الحكومي، عيّنه الملك الراحل الحسن الثاني أمينا عاما للمجلس الوطني للشباب والمستقبل، كما تولى رئاسة المركز المغربي للظرفية، لتتوطد بعدها علاقته بالوظائف الحكومية عندما تم تعيينه وزيرا للزراعة والتنمية القروية والصيد البحري في تشكيلة حكومة التناوب التي قادها اليوسفي، ثم وزيرا للتربية الوطنية والتعليم العالي في الحكومة الموالية في العام 2002 برئاسة إدريس جطو.

وكان الحوار سببا في حصوله على وسام العرش من درجة ضابط، وكذا وسام الاستحقاق الاقتصادي من المعهد البرتغالي – العربي للتعاون، ما جعل الفرنسيين يوشحونه بصفته أمينا عاما للمجلس الوطني للشباب والمستقبل عام 1998 في باريس بوسام الشرف من درجة فارس باسم رئيس الجمهورية الفرنسية.

قضايا وآراء

مكانته السياسية والحكومية وبرغماتيته وصفاته التوافقية مكّنت المالكي من أن يحتل مناصب هامة حكوميا ومؤسساتيا
مكانته السياسية والحكومية وبرغماتيته وصفاته التوافقية مكّنت المالكي من أن يحتل مناصب هامة حكوميا ومؤسساتيا

قضية الوحدة الترابية تعدّ على رأس الأجندة السياسية للمالكي الذي لا يتوقف عن التعبئة من أجل هذه القضية سواء في الإطارات الثنائية أومتعددة الأطراف، دفاعاً عن حقوق بلده المشروعة، إلى جانب موضوع الهجرة التي يرى أنها تحولت إلى شماعة تعلق عليها مختلف مشاكل بلدان الاستقبال والتحديات التي تواجهها؛ فعلى نحو خاطئ تُقرَن الهجرة بالتحدي الأمني وبالإرهاب، وباستفحال البطالة وارتفاع حجم الإنفاق العمومي على الخدمات الاجتماعية.

ومن موقعه يقارب موضوع تعاطي الدول الغربية مع موضوع الهجرة المعقد، من منظور واقعي، لأن الأخطر بالنسبة إليه هو توظيف الهجرة لاستجداء أصوات الناخبين؛ إذ أصبح المهاجرون بمثابة فزاعة حضارية وهوياتية توظَّف سياسيا وانتخابيا لربح الأصوات، من خلال خطاب انطوائي يفضّل الانغلاق والتعصب، ويمجّد كراهية الأجانب، ويكون مطية لاستصدار التشريعات التي تحدّ من تنقلات البشر.

الأحزاب المتطرفة في إسبانيا، من وجهة نظر المالكي، توظف موضوع الهجرة والخطابات العنصرية ضد المهاجرين المغاربة للنيل من بلده، فازدهار الخطابات العنصرية المناهضة للأجانب في عدد من البلدان العريقة في الديمقراطية والقوية اقتصاديا، يُضمر نزوعا إلى رفض الآخر، في تناقض صارخ مع السياق الدولي ومع المرتكزات الأساسية التي تقوم عليها العلاقات الدولية القائمة على الانفتاح. وهو يقف ضد سياسة بناء الجدران وإغلاق الحدود أمام المهاجرين الذين يغامرون في الأدغال والبحار، وهم يفعلون ذلك، كما يرى، مدفوعين بالحاجة الماسة إلى الشغل الضامن للكرامة، أو الحاجة إلى الأمن الذي افتقدوه جراء النزاعات الداخلية أو العابرة للحدود، أو جراء انهيار الدولة وسيادة الفوضى، أو الحاجة إلى تأمين الغذاء بعد أن أتلف الجفاف أو الفيضانات أراضيهم الزراعية ومصدر أرزاقهم.

من موقعه يخوض في عدد من الملفات والقضايا وليس آخرها عودة الاتصال المغربي – الإسرائيلي، فلكونه رئيس الغرفة الأولى للبرلمان المغربي، يقول إنه لم يسبق له أن فكر في موضوع زيارة إسرائيل، إلا أنه يحتفظ برؤية خاصة تتلخص في أن الأشياء يجب أن تتطور، لأن الزيارة في الاتجاهين ستكون حدثا، والحدث يجب أن تنضج شروطه، ومن ضمنها عدم إضعاف الدعم السياسي والدبلوماسي والمادي لقضية فلسطين. من جانب آخر احتك بالأزمة الليبية المستمرة، فالمغرب اتخذ مواقف ثابته منذ البداية تمثلت في أن يكون الحل من قبل الليبيين، وأن يكون حلا سياسياً وليس عسكرياً وأن يحترم وحدة التراب الليبي، ولهذا رفض المالكي أن يكون اتفاق الصخيرات قد تم تجاوزه، رغم تأكيده بأن بلاده لا تتشبث بأي اتفاق وأنها تساند كل مبادرة تقوم على الثوابت التي اتخذتها لحل الأزمة الليبية.

التطرف والإرهاب

[ المالكي خبير اقتصادي يرى البعض أنه استغل معادلات الإحصائيات والاقتصاد السياسي كي يفلت من مقاصل الحزب وأزماته، وليبقى محافظا على مكانته وامتيازاته داخل الحزب والدولة.
[ المالكي خبير اقتصادي يرى البعض أنه استغل معادلات الإحصائيات والاقتصاد السياسي كي يفلت من مقاصل الحزب وأزماته، وليبقى محافظا على مكانته وامتيازاته داخل الحزب والدولة

يعتقد المالكي أن مشاكل التطرف والإرهاب من القضايا التي تتناسل عنها مشاكل اجتماعية يكون ضحيتها الشباب الجاهل بدينه وهويته، وهي تحتاج إلى مقاربة ليست بالضرورة أمنية صرفة، وبالنسبة إليه فإن فشل المدرسة العمومية كان مِن بين العوامل التي ساهمت في بروز التطرّف في صفوف الشباب المغربي، بسبب عدم تمكّن المدرسة من تمليكهم مناعة تحميهم من السقوط في براثن الأفكار المتطرفة.

وانطلاقا من تجربته مع الشباب عندما كان رئيسا للمجلس الوطني للشباب والمستقبل قبل عقود، خلص إلى أن الشباب تُركوا عزلَا ووحيدين أمام تعبيرات الغلو والتطرف الفكري وانحراف الرؤى والاستيهامات والتخيل

المجاني في ظل منظومة تربوية تعليمية لم تجعلهم مؤهلين وقادرين على تملك إمكانيات الحجاج والاستدلال، بل أحيانا هم غير قادرين حتى على تملك إمكانيات التعبير البسيطة، وهو ما أسهم بقوة خلال المرحلة الماضية في أنواع من الاختلال في الزمن المعاصر.

تجربته السياسية كانت مؤهلا له ليشغل عضوية المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي ويترأس اللجنة الإدارية للحزب، أي برلمان الحزب، وكذلك تحمل مسؤولية الإعلام بترأسه تحرير جرائد الحزب باللغتين “الاتحاد الاشتراكي” و”ليبيراسيون”، لكنه لم ينل شرف قيادة حزبه رغم دخوله سباق الصراع حول منصب الكاتب الأول للحزب في العام 2012، حيث تمكّن إدريس لشكر من الفوز بالمنصب، إلا أنه ضمن الحلقة الضيقة التي اعتمد عليها أغلب الأمناء العامين.

ابتعاد المالكي عن الصدام والمشاحنة كان سببا في تصنيفه ضمن السياسيين الباردين في مواقفهم المفضلين لغة الخشب في التواصل والتعاطي مع القضايا الخلافية، عكس ما يقوله مقربون منه من أنه كثير الإنصات قليل الكلام

المالكي لم يكن طارئا على البرلمان المغربي فقد انتخب نائبا برلمانيا عن حزبه خلال الولاية النيابية 1993 – 1997، واستمر وجوده بالهيئة التشريعية حتى الآن منذ تشريعيات 2016، وهو يرى أن العمل البرلماني التشريعي والرقابي لم يعد ممكنا القيام به بإعمال مقتضيات الدستور أو تفعيل النظام الداخلي، وإنما كذلك بعقلنة تدبيرنا السياسي، فالحقل السياسي المغربي ازداد نضجا وعقلانية وأصبح التوافق ظاهرة بل علامة من أبرز العلامات المميزة للزمن السياسي المغربي.

تراكمات سياسية واقتصادية وأكاديمية مهمة جعلت من المالكي رقما صعباً في المعادلة السياسية والحزبية بالمغرب، وهو الأستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية بالرباط، ورئيس مجموعة الدراسات والأبحاث حول البحر الأبيض المتوسط، وسبق له أن عمل أستاذا زائرا في عدد من الجامعات الأوروبية، وله اسهاماته في التأليف الأكاديمي مثل “تمويل التنمية الاقتصادية بالمغرب”، و”الاقتصاد المغربي: حصيلة عشرية”، و”الأوراش المستقبلية”، و”حوض المتوسط والعولمة”.

لهذا يصنف المالكي ضمن أعمدة الإنتاج العلمي في مجال التاريخ الاقتصادي لمغرب القرن العشرين بأعمال رصينة ودراسات عميقة للاقتصاد المغربي خلال هذه الفترة، إلى جانب مقاربات علماء اقتصاد آخرين، وكان له رأي خاص في مستقبل المنطقة المغاربية التي لا تزال تعاني من ضعف الاندماج الاقتصادي، وفي حاجة إلى التنمية المستدامة، والتي لا يمكن أن تتحقق دون ضمان الأمن والاستقرار، وعلى أساس صيانة الوحدة الترابية للدول، وووقف الهدر، حيث يضيع حوالي 2 في المئة من الناتج الداخلي للدول الأعضاء، بسبب غياب الاتحاد المغاربي الذي تعرقله الجزائر.

13