جوهر الجمال الغامض

المئات من اللوحات رسمها تيرنر في محاولة منه للقبض على لحظة الإلهام التي تقع في البحر وتسحر عينيه ببريقها.
الاثنين 2021/07/12
الزهور الطافية على الماء معجزة كلود مونيه الفنية

بالتأكيد هناك شيء كثير من البريطاني وليام تيرنر (1775 - 1851) في رسوم الفرنسي كلود مونيه (1840 - 1926)، لأنه درس على يديه لأشهر في لندن، كما أنه اكتشف الجانب السحري من تقنيات خياله الذي يقبض على المسافة التي لا تُرى من وجود الشيء المرسوم.

كان البحر هو الموضوع الأثير لدى تيرنر. المئات من اللوحات رسمها تيرنر في محاولة منه للقبض على لحظة الإلهام التي تقع في البحر وتسحر عينيه ببريقها.

المدهش والإعجازي في عالم تيرنر أن المئات من اللوحات رُسمت لموضوع واحد هو البحر من غير أن تشبه لوحة أخرى. في كل لوحة من تلك اللوحات يشعر المرء أنه أمام بحر مختلف.

تلك نقطة أساسية وقف أمامها مونيه طويلا. كان سؤاله يقع بين قوسي الموضوع الواحد البسيط غير المعقد والنتائج الفنية المدهشة والعميقة. لقد أحدث تيرنر تحوّلا عظيما في المعالجة الأسلوبية والتقنية بحيث تبدو لوحاته الآن كما لو أنها تمهيد للفن التجريدي.

كان البحر وهو موضوعه مجرد ذريعة للرسم. البحر الذي كان يحيط بتيرنر من كل الجهات فيما كان الرسم يستحضر كل قواه من أجل أن تبدو دروب خلاصه أكثر نضارة.

المئات من الرسامين سبقوا تيرنر ولحقوا به أغرقهم البحر بلذائذه من غير أن يتمكنوا من التحرّر منه ويجعلوه خادما للرسم.

في 1882 اشترى مونيه المولع برسم الطبيعة بيتا ريفيا في جيفرني غرب باريس. كان المحيط الطبيعي هناك غاصا بالمفردات الجمالية التي أحبها وشغف برسمها. غير أن مفردة واحدة هي تلك الزهور الطافية على الماء تمكنت منه وجعلته يستحضر علاقة تيرنر بالبحر.

يومها بدأ مونيه بتنفيذ لوحات كبيرة لا تحتوي سوى على مشاهد تلك الزهور، وكان على يقين من أن تلك اللوحات التي سيختم بها حياته الفنية وقد كان العمى يزحف إلى عينيه ستكون معجزته الأخيرة.

رسم تلك الزهور باحثا عن قوتها الخارقة التي يعرف أنها ستقوده إلى جوهر الجمال. لم تعد الزهور المائية مجرد زهور يرسمها أي رسام مبتدئ، بل صارت من وجهة نظر مونيه كنوزا تنفتح على لقى قادمة من عالم الغيب.

مَن يحظى اليوم بالنظر إلى تلك اللوحات، لا بد أن يتأكّد من أن الجمال يقيم في أسلوب النظر ومن ثم المعالجة لا في الموضوع الذي يُرسم.

 
16