مصر تبحث عن محطة إخبارية ولديها قناة النيل مهملة

غياب الإرادة السياسية يعطل ظهور منبر ينافس المحطات الكبرى.
السبت 2021/07/10
دماء الأخبار متفرقة بين القنوات

إخفاق الحكومة المصرية في إطلاق قناة إخبارية مؤثرة في محيطها الإقليمي مرتبط أساسا بأن الجهات المسؤولة عن إدارة ملف الإعلام لا تعرف ما هو المطلوب من الإعلام بالضبط في ظل إقصاء أصحاب الكفاءات المهنية والاعتماد على شخصيات إدارية.

القاهرة - بدأت الحكومة المصرية رحلة مضنية لإنشاء محطة إخبارية تعبر عن توجهات الدولة السياسية وتوصل صوتها للخارج برؤية تنسجم مع أهدافها. ومنذ ست سنوات بدأت القاهرة التفكير في إنشاء محطة جديدة، ولا تزال تفكر في هذا الأمر، ووعدت مؤخرا الإدارة الجديدة للشركة المتحدة التي تدير جزءا كبيرا من وسائل الإعلام في مصر بتدبير قناة عصرية إقليمية خاصة بالأخبار في غضون عام.

ويأخذ تجهيز هذه المحطة عاما أو أكثر إذا بدأ من نقطة الصفر، لكن إذا بدأ التجهيز من النقطة التالية يمكن أن يستغرق وقتا أقل وتتحقق خطوات عملية بشكل أسرع، فهناك نواة كبيرة يمكن البناء عليها في التلفزيون الرسمي ولا يلتفت إليها أحد، لذلك مضت أسابيع على وعد الإدارة الجديدة للمتحدة من دون رؤية ضوء في بداية النفق.

وفي كل مرة يأتي ذكر المحطة الإخبارية يتجاهل المسؤولون عن الإعلام أن هناك محطة رائدة اسمها “النيل للأخبار” انطلقت باللغتين العربية والإنجليزية وتأسست عام 1998 على يد الإعلامي حسن حامد، ويتم التعامل معها على أنها غير موجودة، ربما لأنها تابعة للتلفزيون الرسمي الذي يعاني من الإهمال والتردي، وربما لأن الحكومة لا تريد امتلاك قناة أخبار أصلا عليها أن توفر لها سقفا مرتفعا من الحرية، وربما ترتاح لترك دماء الأخبار متفرقة بين القنوات المختلفة لتوزيع المسؤولية.

حسن علي: الحكومة لا تمتلك رؤية واضحة لتطوير القنوات الإقليمية

وتشترك هذه الاجتهادات في أن الهدف يتمثل في إنشاء قناة بمواصفات خاصة بعيدة عن الجسم التقليدي للإعلام المصري، وأنّ هناك ترددا في هذه الخطوة يكشف عن غموض في الكثير من تفاصيلها، لأن خروج محطة إخبارية للنور لا يحتاج إلى معجزة.

ويشير خبراء إعلام إلى أن قناة “النيل” التي لا تزال تمارس عملها وفقا للحد الأدنى من الموارد المتوافرة لها، بما جعل الكثير من الضيوف يترددون في المشاركة عبر برامجها في ظل تدني نسبة المشاهدة، ورتابة القضايا السياسية التي تناقشها.

وظهرت هذه القناة مع الموجة الأولى للقنوات الإخبارية العربية في تسعينات القرن الماضي، وكان لها صدى إيجابيا داخل مصر وخارجها، واعتمدت على حماس مجموعة من الشباب حديثي التخرج في كليات الإعلام المختلفة، جرى اختيارهم بدقة بمعرفة حسن حامد، والإعلامية سميحة دحروج، وهما من جيل الرواد في اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري، وأتقنا المهنية وحرصا على نقل خبراتهما للشباب.

وقال حسن علي أستاذ الإذاعة والتلفزيون بجامعة قناة السويس بشرق القاهرة، وعضو سابق بلجان تطوير التلفزيون المصري، إن إخفاق الحكومة في إطلاق قناة إخبارية جديدة يرتبط بالاعتماد على شخصيات إدارية وليس على مستوى الكفاءة والمهنية مع غياب الرؤية وعدم استغلال القدرات البشرية الهائلة، وما زالت الجهات المسؤولة عن إدارة ملف الإعلام لا تعرف ما هو المطلوب من الإعلام بالضبط.

وأوضح لـ”العرب” أن الحكومة لا تمتلك رؤية واضحة لتطوير القنوات الإقليمية لتكون صوت مصر في الخارج، على الرغم من أن هذه المنابر تمتلك قدرات تحتاج فقط للدعم والتوظيف الصحيح، وللأسف طغت المنافع الشخصية لدى بعض المسؤولين على المصلحة العامة لتطوير قناة النيل للأخبار بأقل الإمكانيات.

والمثير للانتباه أن الكثير من كوادر قناة النيل للأخبار توزعوا على محطات عربية عديدة وأثبتوا جدارة وكفاءة، ومنهم من يعمل في البرامج الإخبارية في بعض القنوات المصرية العامة، ومن أسندت له مهمة تأسيس قناة “إكسترا نيوز” التابعة لشبكة “سي.بي.سي” والتي أصبحت تشبه مشروع القناة الإخبارية دون الإعلان عن ذلك، فطبيعة تغطيتها للأحداث تشي بأنها تحاول أن تستحوذ على هذه المساحة بحكم الأمر الواقع.

وكانت هناك تجربة أو مشروع قناة باسم “دي.أم.سي الإخبارية” التابعة لشبكة “دي.أم.سي” التي تملكها الشركة المتحدة، وجرى العمل عليه لمدة عامين انتهى بالفشل وتم تسريح المجموعة الفنية التي اختيرت للعمل فيه بعد توفير الكثير من الإمكانيات.

ويعتقد البعض من المراقبين أن مشروع المحطة الإخبارية له جوانب سياسية تفسر عدم خروجه إلى النور، ففي كل مرة يتم الحديث عنه وتوفير الكثير من الإمكانيات والبنية الأساسية اللازمة ثم ينهار، ويتجدد الحديث مرة أخرى ما يعبر عن عدم وجود إرادة حقيقية للوصول إلى هذا الهدف الذي يحمل مضامين إعلامية وسياسية أيضا.

ويتعزز هذا الاستنتاج بأن محطة “النيل للأخبار” التي كانت قبيل نهاية عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك محل اهتمام من قبل الحكومة وتم تزويدها بمعدات تقنية حديثة، لكن تبددت الجهود التي بذلت لدعمها وجرى وأد الحلم في ظروف غامضة كأن هناك من أراد أن تظل هذه المحطة تعمل في نطاق الحد الأدنى، أو موجودة وغير مؤثرة.

محطة "النيل للأخبار" يتم التعامل معها على أنها غير موجودة، لأنها تابعة للتلفزيون الرسمي الذي يعاني من الإهمال

وتتمثل مشكلة هذه المحطة في أنها باتت منجرفة وراء دعم النظام المصري، وهذا لا عيب فيه، لكن الطريقة التي يعرض بها هذا الدعم تجاوزته الكثير من المحطات الإخبارية المحترفة والتي تريد تثبيت أركانها لدى المشاهد خارج الحدود.

وقد انعكست تجليات هذا التوجه على طبيعة برامجها التي تهتم بالمشاهد المصري المحلي، مع أن أي محطة إخبارية يجب أن تحرص على التنوع والتوازن ومعالجة وتحليل الأخبار بحرفية ورؤى موضوعية، ومن الضروري أن تظهر للجمهور هكذا لإقناعه بالمحتوى المقدم، بصرف النظر عن هوية الأجندة
السياسية.

وكشف مصدر إعلامي عمل بالمحطة منذ انطلاقها، أن قناة “النيل” التي اختير اسمها مبكرا بعناية كان يمكنها أن تلعب دورا مهما في الأزمة التي تعيشها مصر حاليا بسبب سد النهضة الإثيوبي لو حرص المسؤولون على دعمها ووفروا لها الاحتياجات التي ترسخ أقدامها، فاسمها يكفي لجذب قطاعات كبيرة من المهتمين بأزمة السد لو نجحت في رسم صورة لها كمصدر مهم للأخبار والتحليلات في دول حوض النيل.

وأكد المصدر ذاته لـ”العرب” أن النسخة الإنجليزية منها أثبتت حضورا نوعيا، وجذبت الكثير من السفراء الأجانب في القاهرة لمتابعتها، ونجحت في استقطاب وجوه مصرية تجيد الإنجليزية لتوصيل رسالتها إلى العالم من خلال تعليقات اتسمت بالحياد.

وأضاف المصدر، الذي اعتذر عن ذكر اسمه، أن المشكلة تكمن في أن إنقاذ قناة “النيل” واختيارها كمحطة إخبارية تعرض وجهة نظر الدولة يتعارض مع محاولات تهميش كل المحطات التابعة لاتحاد الإذاعة والتلفزيون لحساب محطات منافسة ضمن سياسة التخلص من الأعباء المالية التي تسببها، بما انعكس على محطة “النيل” التي تركت لتواجه مصيرها الغامض وتموت إكلينيكيا في ظل عدم الاقتراب منها بالخير أو الشر.

وشدد الإعلامي حسن علي على أنه لا توجد إرادة سياسية ليكون لدى مصر منبر يضاهي محطات الأخبار الكبيرة، بدليل أن أغلب القائمين على إدارة المنظومة ليست لديهم استراتيجية واضحة، وإنقاذ الإعلام يأتي باستقطاب شخصيات تُدرك من أين يبدأ الإصلاح الجذري، وتغليب المهنية وفتح مساحات للحرية وترك المتخصصين يعملون بأريحية دون تدخلات من أي جهة، وقتها ستكون هناك محطة بأقل تكلفة.

 
18