خفض إنتاج الإسمنت في مصر ينذر بصدام مع المستثمرين

تنذر الخطوة التي اتخذها جهاز حماية المنافسة المصري بإجبار مصانع الإسمنت على خفض إنتاجها لإحلال التوازن في السوق بعدما برزت تخمة كبيرة في المعروض، بصدام مع المستثمرين وخاصة الأجانب، والذين يرون أن القرار لا يخدم مصالحهم كونه غير عادل.
القاهرة - يرجح خبراء في قطاع الصناعة أن يفتح قرار جهاز حماية المنافسة المصري خفض مصانع الإسمنت للإنتاج لتخفيف تخمة المعروض في السوق المحلية جبهة مواجهة مع المستثمرين، بينما تسعى الشركات لاستعادة توازنها جراء تداعيات الجائحة على نشاطها.
وأفادت وثيقة نشرتها وكالة رويترز الثلاثاء بأن جهاز حماية المنافسة وافق على طلب 23 شركة مصنعة للإسمنت تخفيض الطاقة الإنتاجية بشكل مؤقت وسط تخمة في الإنتاج، محددة خط أساس عند 10.69 في المئة، وهو أعلى بقليل من مقترح حكومي.
وكانت الحكومة قد اقترحت الشهر الماضي أن تخفض الشركات العاملة بالبلاد إنتاجها بواقع عشرة في المئة على الأقل لدعم الموارد المالية، التي أضرت بها بشدة تخمة معروض آخذة في الاتساع.
وقال قرار الجهاز المؤرخ في الخامس من يوليو الجاري إنه ستكون هناك تخفيضات إضافية 2.81 في المئة لكل خط إنتاج وتخفيضات أخرى اعتمادا على الشريحة العمرية للشركة.
وأشارت وثيقة القرار إلى أن تخفيضات الإنتاج ستدخل حيز التنفيذ في الـ15 من يوليو الجاري وستظل قائمة لمدة عام.
ويشكك البعض في جدوى الخطط الحكومية لتعديل أوتار القطاع بعدما كشف عن ضعف قدرة التنافسية للإسمنت المحلي في الأسواق الخارجية، التي ظهرت في تكدس الإنتاج داخليا رغم فورة البناء والتشييد خلال السنوات القليلة الماضية.
ويقول مسؤولون تنفيذيون في القطاع إن الطاقة الإنتاجية لمصانع الإسمنت ارتفعت بشكل كبير في السنوات الثلاث الماضية بعد افتتاح مصنع بني سويف المملوك للجيش والبالغة طاقته نحو 13 مليون طن سنويا، حتى مع انخفاض المبيعات المحلية إلى النصف.
10.69 في المئة نسبة خفض الإنتاج الذي قرره جهاز حماية المنافسة المصري ولمدة عام
وتظهر التقديرات أن الطاقة الإنتاجية للإسمنت المصري زادت إلى ما بين 85 و87 مليون طن سنويا منذ العام 2018. وتستهلك مصانع الإسمنت 30 في المئة من إجمالي الطاقة بالقطاع الصناعي و33 في المئة من الغاز ومثلها للكهرباء و36 في المئة من استهلاك المازوت (الديزل) والفحم.
ويعتبر نشاط قطاع الإسمنت مؤشرا على انفتاح مصر على الاستثمار الأجنبي الذي كافحت من أجل استقطابه بهدف تعزيز نموه، وكذلك لدفع القطاعات الأخرى المرتبطة به وفي مقدمتها قطاعي التطوير العقاري والبنية التحتية.
وتستثمر شركات إسمنت أجنبية كبرى منها هايدلبرغ سيمنت الألمانية وفيكات الفرنسية ولافارج هولسيم السويسرية وتيتان سيمنت اليونانية وسيمكس المكسيكية، بكثافة في مصر بعد حملة خصخصة بدأت في تسعينات القرن الماضي.
وبعد تلك الطفرة أنشأ مستثمرون محليون مصانع جديدة مدفوعين بحوافز استثمارية كبيرة قدمتها الحكومة وأيضا بسبب مناخ الأعمال الذي يتسم بالتنافسية.
وكان مسؤولون تنفيذيون قد رحبوا بمسودة مقترح حكومي لحصص الإنتاج لحماية هذه الصناعة من الركود، لكن اثنين قالا لرويترز إنهما يعتقدان أن الصيغة تبدو غير عادلة بالنسبة إلى الشركات الأجنبية. وقالا إنه “منحاز لبعض اللاعبين المحليين”.
وتفضل مصانع الإسمنت بيع منتجاتها بالسوق المحلية، لأنها تحقق أرباحا طائلة، بسبب زيادة الطلب الذي يتزامن مع فورة التشييد والبناء في مصر. غير أن خطوة خفض الإنتاج قد تؤدي إلى نتائج عكسية قد تظهر في ارتفاع الأسعار في السوق وهو ما يعني دخول قطاع البناء والتشييد، مثلا، في حالة من الركود الإجباري بسبب ارتفاع التكاليف.
وذكر أحد المسؤولين التنفيذيين لرويترز أن الشركات ستخفض إنتاجها بواقع 3.71 في المئة إضافية لكل خط إنتاج و0.65 في المئة عن كل سنة تشغيل للخط.
وأكد أن ذلك سيصل بنسبة تخفيضات الإنتاج إلى 14 في المئة على الأقل، وربما أكثر من مثلي ذلك بالنسبة إلى المصانع الأكبر والأقدم. ومع ذلك، فإنه من غير الواضح ما إذا كانت بداية التشغيل ستكون من واقع عمر المصنع أم تاريخ خصخصته أم تاريخ تولي المستثمرين الحاليين شؤونه.

وتشير بعض الحسابات التقريبية التي أجرتها شركة غلوبال سيمنت، وهي شركة متخصصة في أبحاث سوق الإسمنت حول العالم، إلى أن الإجراءات الحكومية كان من الممكن أن تخلق معدل استخدام اصطناعيا بنسبة 78 في المئة خلال 2020 قبل أخذ عمر المصانع في الاعتبار.
وذكر محللو الشركة في تقرير نشرته الشهر الماضي على منصتها الإلكترونية أنه من المحتمل أن يشهد مصنع أسمنت العريش بخطوط إنتاجه الستة انخفاضا في إنتاجه بحوالي 33 في المئة وبحد أقصى 8.7 مليون طن سنويا. ومن الناحية النظرية، يمكن لمقياس كهذا أن يعطي رؤية أوضح في السوق بين صغار المنتجين أو أولئك الذين لديهم حصة أقل في السوق.
ومع ذلك، فإن كيفية حدوث ذلك مع تكاليف تشغيل المصنع الفعلية أو الحصة الحالية في السوق غير معروفة رغم أن بعض المنتجين متعددي الجنسيات طالبوا علنا بهذه الأنواع من الضوابط في السابق.
وكانت القاهرة قد اتخذت في السنوات الماضية حزمة من الحوافز لإنقاذ مصانع الإسمنت من شبح الإغلاق عقب تراجع قدرتها التنافسية في الأسواق الخارجية، وضعف الطلب داخليا، بسبب زيادة الطاقات الإنتاجية.
وأكد أحمد أبوهشيمة عضو البرلمان لوسائل إعلام محلية في سبتمبر الماضي أن مصنعا آخر سيتولى رسائة إدارته وبطاقة مليوني طن سيبدأ العمل هذا العام في محافظة سوهاج الواقعة على بعد 400 كلم جنوب القاهرة.
ووفقا لإحصاءات البنك المركزي المصري، تراجعت مبيعات الإسمنت السنوية إلى 41.7 مليون طن في العام الماضي من حوالي 43.8 مليون طن بمقارنة سنوية.
وفي العام 2017، بلغت المبيعات قرابة 49.5 مليون وهو العام الأخير قبل تشغيل مصنع بني سويف، ولكن القطاع بدأت تظهر عليه علامات التضرر من قيود الإغلاق في العام الماضي جراء الأزمة الصحية.